You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

زياد الأتاسي .. أعلام ومشاهير أسرة الأتاسي

د. باسل الأتاسي

ولد زياد الأتاسي في حي الأسرة الأتاسية بباب هود بحمص عام 1919م، ونشأ في فترة الاستعمار الفرنسي، وتربى في بيت الوطنية، فعمه زعيم الرعيل الوطني الأول، الرئيس الجليل فخامة السيد هاشم بك الأتاسي، وعمه أيضا مفتي الديار الحمصية وشيخ مشايخها ومندوبها في مجلس دولة دمشق عام 1922 العلامة السيد محمد طاهر الأتاسي، أما والده السيد خليل الأتاسي، فأحد قادة ثورة حمص وحماة بين عامي 1925-1926م.

ترعرع في حمص ودرس فيها ونشأ بين أزقتها القديمة ودروبها، فلما شب دخل الكلية العسكرية بحمص، وتخرج منها عام 1939م برتبة مرشح ضابط (aspirant)، وفي دورته دفعة من الضباط الذين لعبوا دورا بارزا في الجيش والتاريخ كالعقيد الركن عدنان المالكي، وابن عمه العقيد فيصل الأتاسي قائد الانقلاب على الدكتاتور الشيشكلي عام 1954م، والعقيد الركن حسن العابد مدير الكلية الحربية، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أصحابه المقربين، والعقيد الركن عمر القباني مدير الكلية الحربية، والعميد الركن محمد سهيل العشي سفير سورية في المغرب ثم الجزائر، وبديع بشور، وأكرم الطرابيشي، والعقيد الركن توفيق شاتيلا، ونبيه الصباغ، والعقيد فيصل الحسيني الذي شارك في عدة انقلابات، وحسن الخير، وعمر البرازي، وبشير الطباع، ومحمد زغيب شهيد المالكية بحرب فلسطين عام 1948، وسواهم، كانوا من بين 40 طالب انتسبوا لدورة 1937-1939م أكبر دورة حتى ذلك التاريخ. وكان مدير دورتهم النقيب فوزي سلو الذي أصبح فيما بعد رئيسا للدولة.

وتدرج في المناصب العسكرية فترفع إلى رتبة ملازم ثاني (sous-lieutenant)، وترأس رحبة آليات الجيش في باب شرقي بعد أن استلمها من الفرنسيين عند خروجهم من دمشق فظل بها من عام 1945 حتى عام 1947 . ثم عين برتبة ملازم أول ضابطا معاونا للسرية الثانية للسيارات بدمشق بقيادة الملازم أول عمر قارصلي .

ولما أعلن عن قيام الدولة اليهودية عام 1948م أنشأت الجامعة العربية جيش الانقاذ بقيادة القائد الشهير فوزي القاوقجي، وفي عام 1948 انتدب الجيش النظامي السوري الملازم زياد الاتاسي ومعه سبعة ضباط آخرين في مهمة خاصة لمساندة جيش الانقاذ في فلسطين، فشارك في حملة عسكرية تحت قيادة غسان جديد، وفيها تنكر القائدان بألبسة جنود أردنيين ومعهما قوة قوامها مئة وعشرون متطوعاً، فاجتازوا الطريق بين جنين وحيفا، ومروا بالمعسكرات البريطانية واليهودية، واخترقوا حيفا إلى أن وصلوا إلى ما بعد قرية الطيرة، وهناك نفذوا عملية فدائية واستولوا على المعسكر البريطاني وما حوى من عتاد وذخائر، وكان مشاركا لهم في هذه المهمة من جيش الانقاذ الملازم جودت الأتاسي .

وقبيل إعلان الحرب النظامية على الدولة الصهيونية عين معاونا لقائد فوج المدرعات الأول الرئيس (النقيب) سعيد حبي رحمه الله، وكان آنذاك برتبة ملازم أول. كان هذا الفوج هو الوحدة العسكرية المدللة بين جميع قطعات الجيش. عمل الأتاسي وقتها لمدة سنة تحت رئاسة سعيد حبي لتطوير هذا الفوج قدر المستطاع بما يمكن تزويده من مستلزمات، ساعدته في ذلك علاقاته الحميمة مع أكثر الضباط في القيادة العامة ومصالح الجيش المختلفة، لا سيما زميله ورفيقه في الكلية العسكرية عدنان المالكي. فوج المدرعات الأول كان مؤلفا من ثلاث كتائب، كل كتيبة مكونة من 10 مدرعات حفيفة من نوع “مارمون” من صنع إفريقيا الجنوبية كانت تصلح لأجهزة الأمن الداخلية لاستعمالها ضد طلقات البنادق والرشاشات الخفيفة، لا للحروب والدفاع عن البلاد، وكتيبة مكونة من 11 دبابة خفيفة من نوع رينو من مخلفات الجيش الفرنسي تطرق إلى حالتها الميكانيكية الضعف لقدمها، وكتيبة مشاة محمولة على سيارات من نوع بيك أب دودج من مخلفات الحرب العالمية الثانية اشتراها الجيش من المانيا، عدد أفرادها 120 جنديا تسليحهم هاون من عيار 80 مم في كل سيارة وبنادق ورشاشات خفيفة من مخلفات الاستعمار الفرنسي. ومع قدم وضعف هذه التسليحات كان الفوج الأول يعتبر الأحدث وتجهيزاته الأكثر جودة في الجيش السوري . هكذا دخل السوريون الحرب مع اسرائيل.

قبل صدور الأوامر بدخول الحرب نقل الرئيس (النقيب) حبي إلى المكتب الثاني وعين بدلا منه الرئيس (النقيب) صبحي عبارة. دخل الأتاسي الحرب بفوجه مباشرة من وادي الحمة في أقصى الجنوب السوري وكان على رأس فصيل قيادة الفوج، وبرفقته في نفس المدرعة زميله المرحوم الملازم الأول سليمان ناجي من سلاح الهندسة. اتجه الفصيل بقيادة الأتاسي باتجاه مستعمرات يهودية قبل أن يصل إلى سمخ: شعار هاغولان (Shaar Hagolan) ومسّادة (Massada) فاحتلهما، وكان في المستعمرة الأولى معامل نجارة كبيرة فجاء الأتاسي بعمال من باب شرقي (رحبة الآليات التي كان يرأسها) عملوا على فك الآلات والمولدات الكهربائية وشحنها إلى رحبة الآليات بباب شرقي. ثم توجه بفصيله إلى سمخ يسانده فوج المشاة بتسليح خفيف، فواجهته مقاومة عنيفة كانت نهياتها فرار اليهود إلى المرتفعات الغربية خلف نهر الأردن وبحيرة طبرية حيث مستعمرات دكانيا وبيت زرعا وأفكين. وفي أثناء الهجوم على سمخ أصيبت مدرعته بقذيفة رشاش خارق للدرع فاستشهد عامل اللاسلكي وجرح الملازم سليمان ناجي في عنقه وأصيب الأتاسي بجراح في خاصرته من الشظايا. اضطر الأتاسي إلى التوقف عند نهر الأردن بعد احتلال سمخ لإصابة فوج المشاة بإنهاك شديد جراء انقطاع المؤونة الغذائية والإمدادات العسكرية .

وبعد احتلال سمخ وتنظيف أرض القتال من الجرحى والقتلى وإحالة الأسرى اليهود إلى قيادة اللواء في كفر حارم، وصل رئيس الجمهورية شكري القوتلي إلى بلدة كفر حارم في المرتفعات المطلة على بحيرة طبريا ووادي الأردن، واستدعى الأتاسي والملازم أول المرحوم سليمان ناجي بحضور قائد الجبهة الجنوبية الزعيم (العميد) عبدالوهاب الحكيم، ورئيس الأركان الزعيم (العميد) عبدالله عطفة، وهنأ الرئيس القوتلي المترجم وصاحبه سليمان ناجي على شجاعتهما ورفّعهما إلى رتبة رئيس (نقيب) بصورة استثنائية .

بعد ثلاثة أيام من احتلال سمخ سرت في صفوف المشاة إشاعة بسرعة البرق مفادها تجمع قوي للصهاينة يهيئ لهجوم معاكس، وبسبب سوء التموين وقلة الاستعدادات وندرة الذخيرة أخذ الكثير من الجنود بالهرب والتراجع من غير نظام فألقوا بأسلحتهم وتجهيزاتهم أرضا مرتدين إلى وادي الحمة، فاضطر الأتاسي للتراجع بشكل نظامي لحماية ظهور الهاربين ومدخل الحمة فلا يتسرب منه اليهود حيث كان المنفذ الوحيد لبلدة الحمة ومرتفعات إربد وحوران السورية وبقي مع كتيبة القيادة المؤلفة من 3 مدرعات يجمع السلاح المتروك وصناديق الذخيرة، ووجد في الطريق عددا من الجرحى منهم الطبيب المرافق لأفواج المشاة الرئيس الدكتور عزت الميداني، وكان قد جرح في كتفه وذراعه اليمين، وكذلك الملازم الأول حسن عابد الذي كان مصابا بشظية في عنقه. وعند مدخل وادي الحمة وجد الأتاسي وزير الدفاع أحمد شراباتي ومدير الصيانة العقيد محمود هنيدي اللذين سألاه عمن تبقى في أرض المعركة فأجابهم أنه لم يبق أحد، فقد كان الأتاسي آخر من وصل إلى وادي الحمة من الميدان .

وبعد أن تجمع الفوج في وادي الحمة وبعد أيام أتت الأوامر بالتقدم إلى جبهة جسر بنات يعقوب جنوبي مدينة القنيطرة، وبمجرد وصولهم إلى الجسر دخلوا في المعركة مباشرة لمساندة فوج المشاة المتمركز هناك، وتقدمت مدرعات الأتاسي ودباباته حتى مشارف مستعمرتي روش بينا (Rosh Pina) ومهانيم (Mahanym) والصهاينة يتقهقرون أمامهم بسرعة وبحالة مزرية، وفي هذه الأثناء فرضت الهدنة الأولى عليهم فدامت أسبوعين تدفقت خلالها الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية على الصهاينة من الغرب، بينما لم يتزود الجيش السوري بأي تجهيزات جديدة، بل كان على جنود الأتاسي أثناء المعركة التقاط الفوارغ من الذخيرة لاستلام البدل عنها أثناء المعارك! ولما انتهت الهدنة دخل الصهاينة الحرب بسلاح جديد واستعداد جيد متفوقين تفوقا كبيرا في تسليحهم، فتراجع السوريون وتمركز الأتاسي على ضفاف النهر من الجهة السورية حتى توقف القتال وحصلت الهدنة الثانية . ولكن أقسى من المعارك كان فقدان المترجم لأحد أبناء عمه، الشهيد فتحي الأتاسي، في معركة “مشمار هايدن” -أكثر الواقعات الحربية علماً وفخراً للجيوش العربية في حرب 1948- والذي استشهد في المعركة وبين دور القرية. وعاد الأتاسي إلى بلاده سالماً ومعه مدرعات يهودية دخل بها دمشق يحفه التكريم والإعجاب، وجعل العلم اليهودي الذي سقط بيده ممسحة على عتبة داره .

نقل الأتاسي بعدها من فوج المدرعات الأول إلى رئاسة رحبة آليات الجيش بباب شرقي حيث كان قبل دخوله الحرب. وفي أثناء قيادته للرحبة العامة للجيش كلف بالسفر إلى فرنسا لمرافقة معدات وذخائر وأسلحة جرى الاتفاق عليها بين الحكومة السورية والحكومة الفرنسية، فلما وصل فرنسا استقبله الأستاذ عصام الانكليزي من كبار موظفي القصر الجمهوري الذي مثل سورية في هذه الصفقة، وأخبره أنه اختير لمرافقة سفينة الذخيرة من ميناء الهافر في شمال غرب فرنسا إلى ميناء بيروت مع حماية باخرة حربية. وكانت سورية قد منيت بنكسة قبل هذا بقليل لما استولى اليهود على باخرة أخرى مشحونة بالذخيرة اشترتها سورية من ايطاليا وكان مرافقا لها الرئيس فؤاد مردم بك رحمه الله .

بعد هذا رقي الأتاسي لرتبة مقدم ونقل من رحبة باب شرقي إلى قيادة مدرسة القوى المدرعة (مدرسة المدرعات أو كلية المدرعات فيما بعد) التي كانت قد انشئت حديثا في معسركات قطنا فأصبح مديرا لها، وكلف بالإشراف على إعادة تأهيل دبابات ألمانية من مخلفات الحرب اشترتها سورية من فرنسا، وكانت بحالة يرثى لها، فشكل ورشة من أقدر العمال الميكانيكيين والكهربائيين وباشر بتصليحها وإعادتها إلى الخدمة .

وفي 30 من آذار (مارس) عام 1949م قام حسني الزعيم بانقلاب على الرئيس شكري القوتلي، وسرعان ما استأثر الزعيم بالحكم ونحى السياسيين الذين أرادوا العمل معه وعمل على التخلص من قادة الجيش الذين شكلوا خطراً على حكمه، فكان زياد الأتاسي ممن أبعدوا عن الجيش. ولما قرر الحناوي قيادة الانقلاب على الزعيم عقد اجتماعا بقطنا حضره المترجم، وأكرم عكر، ومحمد دياب، وأمين أبو عساف وحوالي 15 ضابطا آخر، ووافق الأتاسي على الانقلاب لانقاذ وضع البلاد المتدهور تحت الحكم العسكري لحسني زعيم، ولكنه لم يشترك فعليا في قيادة الانقلاب، وبالفعل في 14 آب (أغسطس) عام 1949م انقلب سامي الحناوي على حسني الزعيم وتم إعدامه . وشكل الحناوي مجلس ضباط، فكان مما قرروه إعادة الضباط المبعدين إلى الجيش مثل المقدم زياد الأتاسي، والعقيد توفيق نظام الدين، والعقيد عزيز عبدالكريم، والمقدم عدنان المالكي، والمقدم نوفل الشحم، والمقدم هشام سمان وغيرهم ممن عزلهم حسني الزعيم خوفاً من سيطرتهم في الجيش .

وفي كانون الأول عام 1949م قام العقيد الشيشكلي بانقلابه الأول، وتلاه بانقلاب ثان في أواخر تشرين الثاني عام 1951، ونصب نفسه رئيساً وحاكماً مطلقاً. وقد كان العقيد الشيشكلي من زملاء الأتاسي في الجيش ومن الذين قاتلوا معه في الحرب، فأراد الشيشكلي من الأتاسي أن ينضم إليه ويتعاون معه إلا أن الأتاسي رفض ذلك رفضاً، حدثت إثر ذلك مواجهة بين الأتاسي والشيشكلي لما قام المترجم بتأديب الضابط الملازم الأول بكري الزوبري بسبب تغيبه عن المعسكر بدون إذن ومخالفته للأوامر، ولما كان الزوبري من أصدقاء الشيشكلي ومن الضباط القوميين، اتهمه الشيشكلي بأنه يقسو على الضباط القوميين، ثم ما لبث أن نقله إلى مديرية النقل العام، وبعدها أصدر الشيشكلي قائمة بعزل أربعين ضابط من خيرة ضباط الجيش كانوا قد عملوا على تأسيس الجيش السوري الفتي منذ خروج فرنسا في وجه أقسى الظروف، تضمنت القائمةعدنان المالكي ومحمد دياب وأكرم عكر وسليمان ناجي، وكان المترجم على رأسهم . ثم قام العقيد الشيشكلي باعتقال المترجم في سجن المزة، ثم نقله إلى مستشفاها، ثم أصدر أمراً بمنعه عن العمل بدمشق ودخولها ونفيه إلى حلب، غير مدرك أنه بذلك إنما سهل على الأتاسي أمر تنقله واتصاله بضباط الجيش، حيث لم يعد الأتاسي-وقد أبعد عن الجيش- بالحاجة إلى ترخيص من رؤسائه للتنقل ومغادرة موقعه. دخل الأتاسي مدينة حلب في 3 أيار (مايو) عام 1953م وبقي بها حتى أيار عام 1954م، وعمل فيها مديرا لشركة الآليات التي كانت آنذاك وكيلة عامة لشركة المرسيدس. وطفق الأتاسي يعمل بحرية مع زميله الضابط المخلص الوطني محمد دياب رحمه الله ومع وابن عمه العقيد فيصل الأتاسي، والأخير كان لا يزال قائداً لإحدى حاميات حلب، فأخذ الأتاسيان يدبران لعمل إنقلابي يطيح بالشيشكلي ويتصلان بالبقية الباقية من الضباط الملتزمين وعلى رأسهم العقيد أمين أبو عساف الآمر للمنطقة الشرقية في دير الزور، وغيره من الضباط في اللاذقية وحمص ودمشق. وأصبح المقدم المتقاعد زياد الأتاسي حلقة وصل بين الضباط المتآمرين يتردد إليهم ويعمل معهم على التخطيط. وفي 25 شباط عام 1954م قام الضباط الأتاسيون والعقيد أمين أبو عساف بانقلابهم ونفوا الشيشكلي وأسقطوا حكومته، وأعادوا السلطة الشرعية إلى مستحقيها .

وبعد عودة عمه هاشم الأتاسي إلى سدة الرئاسة تشكلت حكومة برئاسة صبري العسلي وقامت الحكومة الجديدة بإعادة بعض الذين أبعدوا عن الجيش من قبل حكومة الدكتاتور السابق -ومنهم المترجم- بتاريخ 1/4/1954، وعين مديراً لمصلحة النقل في الجيش، ثم رفّع إلى رتبة عقيد .

وإثر إعادته إلى الجيش صدر أمر بتأليف لجنة برئاسة وزير الدفاع خالد العظم وعضوية توفيق نظام الدين رئيسا لوفد عسكري والعقيد باسيل صوايا من سلاح المدفعية والعقيد زياد الأتاسي من سلاح المدرعات للسفر إلى فرنسا في بعثة عسكرية سورية مهمتها تقييم عرض فرنسي لبيع دبابات لسورية، ولما عاين سيدي الجد الدبابات حديثة الصنع ودرسها وجد فيها عيباً ميكانيكيا في التصميم يجعل منها كتلة من المعدن لا ينفع لدى وقوع أصغر عطل، واستشار في ذلك زملاءه الذي كانوا يتابعون آنذاك الدراسة في كلية الأركان في باريس العقيد حسن العابد والعقيد عمر قباني، فأفاداه أن أساتذهم في الكلية كانوا ينتقدون هذه الدبابات وحثوا على رفض وضعها في الخدمة بالجيش الفرنسي. واجه الأتاسي اللجنة الفرنسية المكلفة بعرض هذه الدبابات بهذا الأمر وأظهر عدم كفاءتها وعيبها الفني، وكان ذلك بحضور خالد العظم الذي انزعج من هذا التصرف. وبعد أيام ثلاثة التم شمل الوفد السوري وقدم العقيد نبيه الصباغ عقد شراء الدبابات للوفد السوري فرفض الأتاسي أن يوقع عليه، محبطا الصفقة، وكان لموقف جدي هذا أثره على كل من خالد العظم ورئيس الأركان الزعيم شوكت شقير والملحق العسكري في فرنسا الصباغ، فالحكومة الفرنسية كانت قد وعدت كل واحد من هؤلاء مبلغاً من المال ما تمت الصفقة، وكان العظم يعوّل آماله على هذا المبلغ لأنه كان مقدماً على حملة انتخابية لرئاسة الجمهورية (خسرها فيما بعد)، فاستدعى شقير الأتاسي بعد عودته إلى دمشق ولامه على فعلته، ثم ما لبث أن دبر له تهمة تحريض الجنود على التمرد واتهمه بمحاولة الانقلاب على الحكم، فأصدر أمرا بسجنه 45 يوما في خلية انفرادية في سجن المزة، ورفعت العقوبة من قبل وزير الدفاع خالد العظم إلى ستين يوما، وبقي في السجن مائة يوم حتى صدر أمر بإحالته على التقاعد اعتبارا من 1/10/1955 .

وفي أثناء وجود الأتاسي في السجن (وكان آنذاك عمه الرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي هو رئيس البلاد) جرت الانتخابات الرئاسية التي نجح فيها الرئيس شكري القوتلي وسقط خالد العظم، وبعد إحالته على التقاعد برتبة عقيد طلب رئيس الجمهورية آنذاك المرحوم شكري القوتلي مقابلته بواسطة المرحوم محي الدين رسلان، فذهب لمقابلته، فاستفهم منه عما جرى في فرنسا وبعد أن شرح له الأتاسي الأمر عرض عليه الرئيس القوتلي إعادته للجيش وأن يرسله خبيرا عسكريا لليمن فشكره الأتاسي واعتذر .

ونتيجة للتضحيات التي بذلها والخدمات التي أداها الأتاسي لوطنه كرمته بلاده فأصدر الرئيس القوتلي مرسوماً بمنحه وسام فلسطين 1948، وبراءة نوط الشرف السوري من الدرجة الثالثة فضي في نيسان عام 1949م، ومنح كذلك وسام الإستحقاق السوري (المدني) من الدرجة الأولى، ووسام الإستحقاق العسكري من الدرجة الرابعة، ووسام الشرف والإخلاص من الدرجة الثانية .

وكان رحمه الله يعمل جاهدا على تصفية الجيش من الانتماءات السياسية ويدعو جهرة إلى تخليص الضباط من تأثير الساسة والأحزاب التي نخرت في الجيش فأضعفته وجعلته أداة لظهور البعض على الآخرين، حيث آلت حالة الجيش من مجموعة ملتزمة ومخلصة من خيرة الضباط القدماء الذين قاموا ببناء الجيش من العدم ومن ثم الدفاع عن استقلال البلاد بجيش فتي لا يملك شيئا يذكر من عتاد وأسلحة، إلى فرق متناحرة متنافرة يتصارع عليها القوميون والشيوعيون وغيرهم ويتجاذبها أصحاب المصالح كأكرم الحوراني والمعسكرات العربية والغربية المختلفة.

كان الأتاسي ذا شعبية كبيرة في الجيش وله من جنوده كل احترام وتقدير وإعزاز، وذلك لنبل صفاته ووقاره وكفاءته وحسن أخلاقه ونزاهته، وقد ندر في الجيش أمثاله، ولا أحسن دليلاً على ذلك من أبيات كتبها أحد الذين ترأسهم الأتاسي في بدايات عمله العسكري، وقدمها للأتاسي وقد كتب عليها: “”مرفوعة إلى الشهم الكريم الملازم زياد بك الأتاسي اعترافاً بفضله وتشجيعه الأدبي:

عروسةُ الشعرِ صاغت برعماً نضراً (**) من نفحةِ الزهرِ محفوفاً بإيناسِ
هفّت إليها قلوبٌ وهي تبحث عن (**) زينِ الشبابِ بأخلاقٍ وإحساسِ
فحلقت في سماءِ الوحي باسمةً (**) وقدمته بفخرٍ لابنِ أتاسي”

ومن ذلك أنه اتنخب أميناً عاماً لجمعية المحاربين القدماء السورية من عام 1953 وإلى بعد حلول الوحدة عام 1960م لدورات ثلاث متوالية، وفي أثناء الوحدة زار القطر المصري في وفد جمعية المحاربين القدماء واجتمع بالجمعية المصرية وبنائب رئيس الجمهورية المشير عبدالحكيم عامر.

انتقل الأتاسي من عمله العسكري إلى حياة مدنية وعمل بالتجارة، ثم انتقل إلى فرنسا فالولايات المتحدة، وعاد إلى بلدته حمص عام 1999م، وهو الآن من أكثر أبنائها تمتعاً بالتقدير والإحترام، يتحاكم إليه المتخاصمون، ويسترشد بنصحه وحكمته الأقارب والبعيدون، يحفه محبة وإعجاب الجميع، ولا غرو، وقد نال من فضله وخيراته الكثير، وعرف خصاله وصفاته كل من عاشره وسمع به، حفظه الله.

وفي عام 1421 الهجري المقابل لعام 2000 الميلادي تراءى لأعيان الأسرة تشكيل مجلس للأسرة الأتاسية لتنظيم أمور الأسرة والحفاظ على مكانتها التاريخية الكبيرة في المجتمع الحمصي والسوري والعربي ولتشكيل لجان تنظر في أمور مسجد آل الأتاسي ومقابرهم وشؤون الزكاة والأيتام ولحل الخلافات والإشراف على المنزول، فانتخب لذلك المجلس تسعة عشر مندوباً عن غالب بطون الأسرة (السعيدية، والمحمدية، والأمينية، وآل قاسم العطاسي، وآل سليم العطاسي، وآل عبدالغني العطاسي، وآل عماد الدين، وآل الشيخ، وآل خليل أبي العز، وآل نوفل وآل الشيخ يونس، وآل عبدالعزيز وآل باكير، وآل عبدالرزاق مجج، ولم يتخلف إلا آل السيد سليمان)، ثم وقع اختيار الممثلين أعضاء المجلس العائلي على سيدي الجد زياد الأتاسي ليكون رئيساً للمجلس وعميداً للأسرة الأتاسية بعد أن مرت عقود أربعة دون أن يكون لآل الأتاسي عميد، وقد كان آخر عمداء الأسرة ورأس أعيانها بل وأشهر مشاهيرها، عم المترجم، الرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، عليه وعلى أسلافه الأطايب الأخيار سحائب الرحمة والرضوان.

وسيدي الجد رجل وقور، حكيم، لطيف العشرة، لا تمل مجلسه أوكلامه، يشبه عمه الجليل هاشم الأتاسي رحمه الله شكلاً وهيئة وخلقاً وسلوكاً عالياً، وهو كثير الصبر شديد الحلم، جميل المعاملة حسنها، تقي صالح زاهد، كثير الصلاة والتهجد وقراءة القرءان، أذكر أنه كان يكتب آيات من القرآن الكريم على ورقة فيلصقها على دفة القيادة في سيارته ليطلع عليها ويسجلها في ذاكرته كلما وقف على إشارة مرور، وكثيراً ما كنت أجده يقوم الليل يصلي فيهدي ثواب صلاته لوالده ووالدته وحميه وحماته ويدعو لهم، ومن صفاته حفظه الله أنه كثير الخدمة للمسلمين، فمن ذلك أنه كان يبذل جهوداً في إزالة الثلوج المتراكمة بنفسه من أمام مسجد البلدة التي كان يسكنها في الولايات المتحدة حتى يتيسر للمصلين دخول المسجد، وكم هو ذلك من عمل شاق في تلك البلاد يأتي على عزيمة الشباب فيبددها، وهو الشيخ الذي تخطى الخمسة والسبعين عاماً، وكان يتولى ذلك المسجد بالرعاية والانفاق، سلمه الله. وهو يكره الشهرة والظهور أكبر كراهية، ولا يحب المراكز ولا المناصب، ولا دليل أكبر على ذلك من أنه كان من كبار المخططين لانقلاب عام 1954م على المتسلط الشيشكلي ولكنه دفع بابن عمه، خال والدتي السيد فيصل الأتاسي رحمه الله، إلى قيادة الانقلاب فكانت تلك الواقعة باسم الأخير. ولما انعقد مجلس الأسرة وتم اختيار اعضائه لسيدي الجد رئيساً دون أن يرشح نفسه جاءه كبار العائلة يشعرونه بخيارهم، فاعتذر عن ذلك وأبى وقال لهم أنه ليس أكبر الأتاسيين سناً ليكون رئيساً للمجلس، فأتوا منزله مرة أخرى في جمع مكون من نحو عشرين رجل من أعيان الأسرة وممثلي الفروع ملحين عليه ألا يردهم خائبين فرضي أخيراً بخيارهم، ومن ذلك أنه كان يتجنب أن يخبرني عن أعماله وسيرة حياته خوفاً من أن أسطرها في هذا الكتاب، فلما علم أني ترجمت له طلب مني أن أترك ذلك وانصرف عن الكتابة عنه فأبيت إلا أن أبين فضله لعلي أدفع بهذه الكلمات الجيل الجديد إلى التشبه بالأجيال القديمة في أخلاقهم وصفاتهم.

وفي الشام كان يحتكم إليه الناس في منازعاتهم العائلية لما كانوا يعلمون عن نزاهته وصدقه وشهامته، ولا أزال أذكر يوم جاءه جماعة من الناس إلى منزله في حمص فإذا بهم قد قطعوا شوطاً طويلاً آتين من قرية جرمانا من قرى دمشق الشام طالبين منه أن يحل ضيفاً عندهم ويحتكمون إليه في بعض مشاكلهم، فوعدهم بزيارتهم، وفعلاً زارهم مرات وأسهم في حل خلافاتهم، وقد ذهبت معه في بعض المرات إلى تلك القرية وهنالك احتفى به أهلها كل احتفاء، وصرنا ننتقل من منزل إلى آخر لضيافتنا، وما أزال أذكر مختار القرية وهو يمدح جدي بشعر نبطي ارتجله بصوته الجهوري في تلك الزيارة.

ومما يندب الاشارة إليه أن والدة المترجم هي السيدة عائشة آل السيد سليمان بنت توفيق بن محمد بن ابراهيم بن صالح بن السيد الشريف سليمان الأتاسي، رحمها الله، وجدته لوالده هي السيدة رقية آل السيد سليمان بنت محمد بن ابراهيم صالح بن السيد سليمان الأتاسي، وهي والدة الرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، ووالدتها من السادة آل الشرابي الحموية من بني شيبة حجاب الكعبة القرشيين وأعيان حماة وعلمائها، أما زوجته فهي جدتي الفاضلة لمياء بنت فيضي بك بن المفتي طاهر بن المفتي خالد بن المفتي محمد الأتاسي، رحمها الله.

المصدر
أرشيف باسل الأتاسي، موقع التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى