مقالات
د. عادل عبدالسلام (لاش): السفر برلك .. سنوات المجاعة والهلاك
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
Тхьэм и цIэкэ тэублэ гъаблэ мыхъункIэ тэлъаIо
Them y śeće teuble ğable mıḣunće teĺao
تحم يسئكئـ تَوبله ،غابله مِخونكئـ تلاؤ
دعاء شركسي لايذكره سوى أترابي من كبار السن يتلونه مع بدء الطعام وترجمته:
“بسم الله نبدأ، داعين إن لا تحدث مجاعة”.
كلما ذكرت هذا الدعاء وترديد اسرتي بعدي بـ “آمين”، ومع حلول شهر رمضان اليوم (13 نيسان 2021)، تجرني الذاكرة إلى أخبار وأدبيات تعود إلى ما قبل أكثر من قرن من الزمن، حين قام الجيش العثماني بوضع ملصقات الإعلانات على مداخل البنايات الحكومية، والمقاهي والاسواق والمحلات وغيرها من الاماكن العامة، التي تعلن النفير العام .
ففي صبيحة الثالث عشر من شهر رمضان (13رمضان1332 ،5 آب 1914) م استفاقت المدن العربية، على بداية سنوات أربع عجاف عرفت بالسفربرلك، وتعود بي ذاكرتي إلى ما قرأته وسمعته عن (السفربرلك) وهو زمن صدور فرمان (أمر سلطاني) قضى بالتحاق كل ذكر من مواليد الدولة العثمانية بالخدمة العسكرية للقتال في الحرب العالمية الأولى بين 1914- 1918.
وكان أبناء بلاد الشام والرافدين في مقدمة من اقتيد شبابهم للتجنيد والقتال على شتى الجبهات ضد أعداء العثمانيين والألمان.. ، ابتداءاً من قناة (ترعة) السويس وانتهاءاً بجبهة القفقاس. وكان الأمر الجلل هو ترافق الحرب بكوارث عانى منها السكان، تمثلت بمصادرة العثمانيين وجيشه الرابع الحبوب ونتاج المزروعات لصالح العمل الحربي من جهة، وبهجوم موجات غير مسبوقة من الجراد الذي قضى على الزرع في سورية ولبنان..من جهة ثانية.
كما انتشر مرض التيفوس في بيروت والمشرق،، وضربت الغرب الشامي في أوائل عام 1915 موجة ثلج وصقيع من جهة ثالثة، إضافة إلى حصار الأساطيل البريطانية والفرنسية للسواحل السورية لمنع وصول القمح وغيره. ما تسبب في اختفاء المواد الغذائية الأساسية و ارتفاع الأسعار الجنوني،إذ باتت الليرة الذهبية تشتري بضع كيلوغرامات من الخبز… وكان الرغيف المخبوز المباع أسود اللون يابساً لا يصلح للأكل.. وعم الفقر المصاحب للفساد….. فكانت المحصلة انتشار المجاعة والمرض انتشاراً مخيفاً، وارتفاع أعداد الوفيات في كل مكان، أغلبها في لبنان التي قدرالصليب الأحمر الأمريكي عام 1917 أنها بلغت 250.000 نسمة، و وصلت في حلب وحدها إلى 80.000 نسمة من أصل 400.000 نسمة في بلدان المنطقة.
وقد صورت رواية (الرغيف) للكاتب يوسف عواد، وقصيدة (مات أهلي) لجبران خليل جبران وغيرهما أحداث سنوات الجوع المرعبة تلك….كما كتب غيرهما: « كانوا- السكان- يتضورون جوعا ولم يكن بمقدورهم فعل شيء كما لم يقووا على المقاومة. وخرجوا يهذون في الشوارع ببطونهم المنتفخة». وبلغ بهم الجوع إلى حد أكل حيوانات الشوارع من الكلاب والقطط، بل أكل بعضهم لحوم البشر، وينقل عن أحد الكهنة الجزويت (اليسوعيون) (أن رجلاً لبنانياً أتاه واعترف بأنه قتل طفليه البالغين من العمر 8 و10 سنوات ليقتات منهما) (منقول). كما كتبت جريدة The Times اللندنية عام 1916:
(كانت النساء والأطفال على جوانب الشوارع بأعين مغمضة ووجوه شاحبة. الناس يفتّشون في القمامة عن قشر البرتقال والعظام القديمة والنفايات الأخرى. وكانوا يأكلونها بشراهة) ،. وأكّد رئيس مدرسة عينطورة العازاريّة أنّ:
«المجاعة المُمَنْهجة لا تزال تفعل فعلها. يبيع الأتراك رطل الطحين بـ12 فرنكا، لكن اذا قرّر أحد شراءه، يستشعر الأتراك توفّر المال على الفور فيطلبون 30 فرنكا».وأكل الناس الأعشاب. وبات منظر الجياع الموتى في الشوارع والأزقّة عاديّاً.
وكنا في قريتنا (مرج السلطان) كثيرا ما نستمع بين الحين والآخر إلى المرحوم (سليم شوج- أبو محمود)، الذي كان قد سيق حينها مجنداً عثمانياً في سلاح المدفعية إلى الجبهة الشرقية، التي كان يدعوها بـ (بغدات زاوَر) أي (حرب بغداد) يروي قصصا وروايات مشابهة كثيرة..ويذكر أن المجاعة طالت حتى المقاتل العثماني، لدرجة أن الجنود كانوا يجمعون روث البغال التي تجر المدافع، ويصولونها بالماء لاستخراج حبات الشعير التي لم تهضها معدهم، وتجفيفها والاقتيات بها.
أدعو المولى ان يحمينا ويحمي الجميع من كل شكل من أشكال المجاعة. ولا تبقى مقولة (رمضان كريم) مجرد كلام وحسب.
عادل عبدالسلام لاش
دمشق : 13-4- 2021 م / 1442 هـ
اقرأ:
د. عادل عبدالسلام (لاش): كوشباي أسعد .. مجاجة الأسطورة
د. عادل عبدالسلام (لاش): صفحة وطنية مشرفة للقائد الشركسي ناظم بيك سنجر
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
د. عادل عبدالسلام (لاش): معسكر جغرافي في الجزيرة العليا – شمال شرقي سورية 1981
د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية
د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي
د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية
د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية
د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس
د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي
د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر
د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل
د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى
د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967
د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها
د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي
د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة
د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا
عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله
د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية
د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة
د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد
د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية
د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال