مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (22)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
22- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
بعد سقوط القيادة القومية في شباط 1966م، وخاصة بعد إنقلاب حاطوم الفاشل، تجمع معظم الضباط البعثيين وأعضاء الحزب المدنيون، إما حول صلاح جديد أو حافظ الأسد اللذين كانا أبرز السياسيين في سوريا حينذاك.
وبالرغم من أن جديد لم يعد له منصب رسمي في الجيش السوري منذ آب 1965- عندما استبدل منصبه كرئيس للأركان بمنصب مدني قيادي كأمين عام مساعد بالقيادة القطرية السورية إلا أنه نجح لفترة من الزمن في إحكام قبضته على جزء كبير من سلك الضباط، وذلك جزئياً من خلال مؤيديه في المكتب العسكري الذي كان يتولى الإشراف على تنظيم الحزب العسكري.
ومنذ نيسان 1966 شمل هذا المكتب أعضاء مدنيين. وقد تمكن جديد من السيطرة على جزء من القوات المسلحة عن طريق اتصالات جانبية شخصية مباشرة رغم حظرها تنظيمياً بعدد من الضباط العسكريين(1).
أما الأسد، ولكونه وزيراً للدفاع ومنافساً لجديد، كان في وضع أفضل من حيث التأثير على سلك الضباط الذي كان يرتبط بجزء منه بصفة شخصية. وقد شغل الأسد منصب قائد القوات الجوية منذ عام 1964م، وكان مسؤولاً عن تعزيزها. لذلك، استطاع أن يعين الكثير من مؤيديه العسكريين في مراكز استراتيجية هامة. علاوة على ذلك، كان الأسد قائداً كبيراً باللجنة العسكرية البعثية التي كانت مسؤولة لعدة سنوات عن نشاطات التنظيم العسكري للحزب.
وبعد إنقلاب 23 شباط 1966م، تكرر ظهور التوتر بين جديد والأسد، بيد أن المواجهة العلنية لم تحدث. فقد ازداد وضع النزاع بعد الهزيمة العسكرية العربية في حزيران 1967م، ويرجع ذلك جزئياً للاختلافات في الرأي حول السياسيات العسكرية والخارجية والإقتصادية والإجتماعية التي كان لابد من اتباعها حينذاك(2).
وقد كان الجدل الإيديولوجي بين أهم الكتل والجماعات البعثية عادة ما يتركز حول مسألة اعطاء الأولوية إما للسياسية الاشتراكية الموجهة داخلياً أو لسياسة عربية قومية موجهة خارجياً بصورة أكبر بهدف التعاون بين العرب والوحدة بينهم في صالح المواجهة مع إسرائيل.
وكانت المشكلة الرئيسية هي العثور على أنسب الطرق للربط بين هذه السياسات الاشتراكية والقومية العربية، بغية استخلاص النتائج التي يمكن أن تعتبر على المدى الطويل الأمثل من وجهة النظر البعثية.
وقد باتت الخلافات في الرأي بين جديد والأسد واضحة جلية في المؤتمرات القطرية والقومية لحزب البعث التي عقدت بدمشق في أيلول وتشرين الأول 1968م، حيث ظهر اتجاهان واضحان، أيد أحدهما إعطاء الأولوية القصوى لما سمي بالتحويل الاشتراكي للمجتمع السوري، وكان يسوده المدنيون كأعضاء بارزين، بمن فيهم صلاح جديد وعبد الكريم الجندي وإبراهيم ماخوس وزير الخارجية “العلوي” ويوسف زعين رئيس الوزارة.
وهذه الجماعة ذات الميول الاشتراكية رفضت علانية فكرة التعاون السياسي أو العسكري مع الأنظمة التي وسمتها بالرجعية أو اليمينية أو بكونها موالية للغرب كالأردن أو لبنان أو العراق، حتى وإن كان ذلك على حساب الكفاح ضد إسرائيل. ولم يكن لدى هذه الجماعة اعتراض على زيادة الاعتماد على الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية الأخرى من الكتلة الشرقية، مادام هذا لصالح التحويل الاشتراكي(3).
أما الاتجاه الثاني فقد أبدى ميلاً قومياً عربياً قوياً وطالب بإعطاء الأولوية القصوى للكفاح المسلح ضد إسرائيل، أي تقوية الإمكانيات العسكرية العربية حتى ولو أحدث ذلك تأثبرات سلبية مؤقتة على التحويل الاشتراكي لسوريا. وقد تم تأييد سياسة التعاون والتنسيق العسكري والسياسي مع الدول العربية مثل الأردن والعراق ومصر والسعودية، دون الاهتمام بألوانها السياسية، مادام ذلك في صالح الكفاح العربي ضد إسرائيل. وقد عبر معظم المندوبين العسكريين عن هذا الاتجاه القومي في المؤتمرات، ومن أبرزهم وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس أركان الجيش السوري مصطفى طلاس.
لكن اقتراحات الأسد ببدء المفاوضات مع نظام البعث المنافس في العراق – الذي تقلد زمام السلطة في تموز 1968م، وكان يسوده البعثيون المرتبطون بالقيادة القومية التي أطيح بها في سورية في شباط 1966- لصالح التعاون العسكري ضد إسرائيل وبقصد التقليل من عزلة سوريا السياسية في العالم العربي، قد رفُضت بشدة من قبل غالبية أعضاء المؤتمر المدنيين ذوي الميول الاشتراكية، الذين رفضوا بشدة أي نوع من التقارب مع البعثيين الذين كانوا يحكمون العراق، مؤكدين أن هؤلاء هم المنشقون “اليمينيون” الذين طُردوا من الحزب نتيجة حركة 23 شباط 1966م(4).
وقد فاز جديد وأنصاره بأغلبية ساحقة حلال المؤتمر وتمكنوا من جعل أفكارهم السياسية مقبولة ومعتمدة كمقررات رسمية لسياسة الحزب.
ولم يقبل الأسد نتائج مؤتمرات الحزب، ورفض حضور اجتماعات أخرى للقيادة القطرية أو الإجتماعات المشتركة للقيادة القطرية السورية والقيادة القومية. وبالرغم من انتخابه في القيادة القطرية، إلا أنه في الواقع استقال من تلك المؤسسة(5). وقد قرر إحكام سيطرته على القوات المسلحة عن طريق فصل الجهاز العسكري للحزب عن قيادة الحزب المدنية، كما أصدر أوامر بمنع أعضاء القيادة القطرية أو مسؤولي الحزب المدنيين الآخرين من زيارة أقسام تنظيم الحزب العسكري أو القيام باتصالات مباشرة مع سياسيي الحزب المدنيين، إلا عن طريق القنوات الرسمية لقيادة تنظيم الحزب العسكرية.
وإضافة إلى ذلك، قامت المخابرات العسكرية بحظر العلاقات العادية بين أقسام الحزب المدنية والعسكرية عن طريق فتح مراسلات الحزب واعاقة التوزيع العادي لنشراته الصادرة عن القيادة القطرية السورية والموجهة لجهاز الحزب.
وعقب مؤتمرات الحزب المنعقدة في أيلول وتشرين الأول 1968م، تم نقل بعض أنصار جديد العسكريين “ومعظمهم علويون” إلى مناصب أقل حساسية في القوات المسلحة، دون سابق تشاور مع المكتب العسكري الذي يسيطر عليه أنصار جديد والذي كان في الظروف المعتادة هو صاحب اتخاذ القرارات بشأن التنقلات العسكرية.
ان الامتياز الممنوح لقيادة الجيش لاجراء تنقلاب بين مسؤولي الجيش الذين هم فوق رتبة معينة قد جرى وضعه رسمياً أثناء الاجتماعات المشتركة للقيادتين: القطرية السورية والقومية. فعلى سبيل المثال، تقرر أن يكون نقل قادة ألوية الجيش ضمن اختصاص الاجتماع المشترك. ورغم ذلك، استمر حافظ الأسد في خططه وأعفى كما ذُكر المقدم عزت جديد العلوي أحد أبرز أنصار صلاح جديد العسكريين من قيادة اللواء السبعين، الذي كان له أهميته السياسية والاستراتيجية.
وبينما نجح الأسد في فرض سيطرته على معظم القوات المسلحة السورية، فقد أحكم جديد قبضته على جهاز الحزب المدني بشغل أهم مراكز الحزب المدنية بمؤيديه. وهكذا تم خلق ما يسمى بـ “ازدواجية السلطة” مؤسستا السلطة السورية الرئيسيتان وهما القوات المسلحة وجهاز حزب البعث المدني قد تم السيطرة عليهما من قبل جماعات مختلفة من الحزب او الجيش بتعارض كل منهما بشدة مع الآخر ويتبع كل منهما سياسيات مختلفة.
(1) قارن صحيفة الأنور، 15 تشرين الثاني 1970م.
(2) الراية، 12 تموز 1971م، صـ 17. قارن النهار، 14 شباط 1967، الأنوار 1و9 شباط 1967، البعث 12 شباط 1967، إذاعة دمشق 13 شباط 1967م.
(3) انظر:
Dishon (ed.), Middle East Record 1968, pp. 711-13.
(4) المصدر السابق، صـ 711- 712، وحول التنافس بين نظامي البعث والعديد من محاولات المصالحة الفاشلة انظر:
Eberhard Kienle, Ba’th v Ba’th: The Conflict between Syria and Iraq 1968-1989, (London 1990);
and Nikolaos van Dam, “Union in the Fertile Crescent”, Middle East International, 20 July 1979.
(5) محاضر جلسات المؤتمر القومي الاستثنائي العاشر لحزب البعث، الراية، تموز 1971م.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :
نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
نيقولاس فان دام (2): الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:
نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:
نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (14) : فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
نيقولاس فان دام (15) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
نيقولاس فان دام (16) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
نيقولاس فان دام (17) : التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (18) : تنظيم سليم حاطوم السري
نيقولاس فان دام (19) : الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
نيقولاس فان دام (20) : الدعاية الطائفية ضد العلويين
نيقولاس فان دام (21) : التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
نيقولاس فان دام (22) : تصفية الجماعات الحورانية البارزة