You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

نيقولاس فان دام: الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (16)

فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.

الفصل الثالث –  الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والأقليات الأخرى

 التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية


ان الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية إلى معسكرات منافسة قد صعب الأمر للغاية بالنسبة للقيادة القومية من حيث إيجاد وزير دفاع جديد يكون مقبولاً لدى المجموعتين ويكون قادراً أيضاً على استعادة الانضباط العسكري(1).

وطبقاً لما يذكره الرزاز فان اثنين فقط من كبار الضباط البعثيين وهما محمد عمران وفهد الشاعر  (درزي) كانا مؤهلين لمنصب وزير الدفاع لعدم انتمائها لأحد الأطراف المتنافسة. وكان عمران هو الوحيد من بين كبار الضباط العلويين الذي لم ينضم للمعسكر الذي سيطر عليه جديد، حيث أن جديد (شأنه شأن الأسد والحافظ) كان ضمن المسؤولين عن إبعاد عمران من سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 1964(2). وكان من المحتمل ان يفسر تعيين ضابط سني وزيراً للدفاع كإهانة شخصية من قبل الضباط العلويين، وبالتالي، كان من الممكن أن يبرز هذا الصبغة الطائفية في الصراع على السلطة.

وعليه، فإن اقتراحاً بتعيين محمد رباح الطويل (سني من اللاذقية) وزيراً للدفاع قد رفُض(3). وأخيراً، فضلت الغالبية داخل القيادة القومية بمن فيهم أمين الحافظ أن يكون عمران وزيراً للدفاع، حيث انضم الأخير في 2 يناير (كانون الثاني) 1966 لوزارة صلاح الدين البيطار الجديدة بهذه الصفة.

وكانت الحجة الرئيسية المستخدمة في صالح تعيين عمران أنها ربما تنزيل الصبغة الطائفية في الصراع على السلطة عن طريق تهدئة الضباط العلويين(4). كما أن لتعيينه مزايا تكتيكية لأمين الحافظ ومعظم القيادة القومية، بيد أنه يمكن أن يسبب تصدعاً في الاجتماع النسبي بين الضباط العلويين، حيث يمكن ان يتجمع جزء منهم حول عمران، بينما يبقى الجزء الآخر موالياً لجديد، ومثل هذا الانشقاق قد يقوى مركز أمين الحافظ ومعظم القيادة القومية، فتنجح بالتالي في تنفيذ خططها.

ان الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية إلى معسكرات منافسة قد صعب الأمر للغاية بالنسبة للقيادة القومية من حيث إيجاد وزير دفاع جديد يكون مقبولاً لدى المجموعتين ويكون قادراً أيضاً على استعادة الانضباط العسكري.

وطبقاً لما يذكره الرزاز فان اثنين فقط من كبار الضباط البعثيين وهما محمد عمران وفهد الشاعر  (درزي) كانا مؤهلين لمنصب وزير الدفاع لعدم انتمائها لأحد الأطراف المتنافسة. وكان عمران هو الوحيد من بين كبار الضباط العلويين الذي لم ينضم للمعسكر الذي سيطر عليه جديد، حيث أن جديد (شأنه شأن الأسد والحافظ) كان ضمن المسؤولين عن إبعاد عمران من سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 1964. وكان من المحتمل ان يفسر تعيين ضابط سني وزيراً للدفاع كإهانة شخصية من قبل الضباط العلويين، وبالتالي، كان من الممكن أن يبرز هذا الصبغة الطائفية في الصراع على السلطة.

وعليه، فإن اقتراحاً بتعيين محمد رباح الطويل (سني من اللاذقية) وزيراً للدفاع قد رفُض. وأخيراً، فضلت الغالبية داخل القيادة القومية بمن فيهم أمين الحافظ أن يكون عمران وزيراً للدفاع، حيث انضم الأخير في 2 يناير (كانون الثاني) 1966 لوزارة صلاح الدين البيطار الجديدة بهذه الصفة.

وكانت الحجة الرئيسية المستخدمة في صالح تعيين عمران أنها ربما تنزيل الصبغة الطائفية في الصراع على السلطة عن طريق تهدئة الضباط العلويين(8). كما أن لتعيينه مزايا تكتيكية لأمين الحافظ ومعظم القيادة القومية، بيد أنه يمكن أن يسبب تصدعاً في الاجتماع النسبي بين الضباط العلويين، حيث يمكن ان يتجمع جزء منهم حول عمران، بينما يبقى الجزء الآخر موالياً لجديد، ومثل هذا الانشقاق قد يقوى مركز أمين الحافظ ومعظم القيادة القومية، فتنجح بالتالي في تنفيذ خططها(5).

ان اسلوب الحافظ العدائي تجاه الضباط العلويين، حيث فقد الثقة بشدة في معظم، جعل أي نوع من التعاون المثمر بينه وبين محمد عمران امراً مستبعداً للغاية. وخلال أيام قليلة من تعيين عمران وزيراً للدفاع توترت العلاقات بينهما، بحيث أصبح من العسير إجراء تنقلات لوحدات عسكرية أقل حساسية لمن هم أكثر تهديداً لنظام القيادة القومية، أي سليم حاطوم وعزت جديد (علوي) وأحمد سويداني.

وكان منيف الرزاز يرى أن إجراء التنقلات لهؤلاء الضباط الثلاثة كان ممكناً خلال 20 فبراير (شباط) 1966 بمساعدة أبرز وأهم أنصار عمران العلويين، وهو علي مصطفى، قائد كتيبة باللواء السبعين، الذي ساند معظم القيادة القومية. ولكن أمين الحافظ الذي كان قد اكتسب في هذا الوقت تقريباً عقدة نفسية ضد العلويين وأصبح يعتبر جميع العلويين تقريباً أعداء شخصيين له رفض أن يقوم علوي وأحد مؤيدي القيادة القومية، والذي كان معارضاً لعسكريين أمثال حاطوم وجديد وسويداني بحشد وحداته العسكرية. وعندما قام علي مصطفى بذلك، وبناء على اقتراح الرزاز، أمر أمين الحافظ بإلغاء هذه الخطوة على الفور.

وعليه، فقد أصبح مستحيلاً إتخاذ الإجراءات الاحتياطية الضرورية لنقل أخطر معارضي القيادة القومية العسكريين، كما أصبح الطريق مفتوحاً أمام أنصار جديد للقيام بإنقلاب عسكري ناجح(6).

وثبت أن كتلة الضباط العلويين التي تجمعت خلف عمران بعد عودته من المنفى ضعيفة نسبياً. وبعبارة أخرى، فلم يتسبب تعيينه في انشقاق خطير بين الضباط العلويين كما كان مأمولاً ومتوقعاً من قبل أمين الحافظ ومعظم القيادة القومية.

ولقد قوبل تعيين محمد عمران بنقد شديد داخل القوات المسلحة، فبدأ وكأنه شخص غير مرغوب فيه بين جميع الضباط غير العلويين وبين الغالبية العظمى من الضباط العلويين، الذين انتقدوا بشدة ممارساته الطائفية التي يحيكها خلف الكواليس، وفضلوا رحيله على شغله مركزاً عسكرياً مهماً كهذا(7).

وكانت المهمة الرئيسية المسندة لعمران كوزير للدفاع هي استعادة الانضباط العسكري بالقوات المسلحة. ولكن بعد تعيينه أخذت التوترات الطائفية في التصاعد بدلاً من التلاشي. وطلب بعض أعضاء الحزب العسكريين إبعاده من الحزب والسلطة معاً بسبب ممارساته الطائفية العلنية. فقد عارضوا أي نوع من الطائفية والإقليمية، وبلغ بهم الحد لأن يقترحوا محاكمة الأشخاص الذين يقعوا تحت تأثير هذه العوامل(9). وكل هذا كان مؤشراً واضحاً للموقف المتأزم حينذاك داخل القوات المسلحة السورية.

وفي 23 فبراير (شباط) 1966 تمت الإطاحة بالرئيس أمين الحافظ ومعارضي جديد الآخرين بالقيادة القومية عن طريق انقلاب عسكري تم تنفيذه ولعب فيه سليم حاطوم وعزت جديد دوراً رئيسياً.

وقد احتشدت على الفور الوحدات المسلحة التمركزة حول دمشق والواقعة تحت سيطرة الضباط العلويين والدروز وراء الإنقلاب. وجاءت المعارضة الرئيسية من وحدات الجيش المتمركزة بعيداً عن العاصمة كاللاذقية وحماة وحمص وحلب، حيث حاول العديد من الضباط السنيين المساندين لأمين الحافظ تحويل الموقف العسكري والسياسي لصالحهم(10).

وحقيقة أن وحدات الجيش التمركزة حول دمشق مباشرة أبدت القليل من المقاومة تجاه الانقلاب هي نتيجة للتكتيكات السابق ذكرها الخاصة بأعضاء الأقليات بالقيادة العسكرية السورية: ضباط “موثوقون” بناء على خلفيات طائفية، نظراً لانحدارهم من طوائف أقلية دينية واحدة، تمركزوا بالقرب من دمشق، بينما أولئك غير الموثوقين “لأسباب مشابهة لكونهم سنيين تمركزوا بالقرب من الجبهة الإسرائيلية أو بعيداً عن العاصمة بالقرب من شمال البلاد”(11).

وأسفر الإنقلاب الجديد عن تصفية بعض جماعات الضباط السنيين البارزة، كما تم تسريح أهم أعضاء كتلة عمران. وفي غضون عام 1966 تم تصفيتهم أيضاً بصفة رسمية من تنظيم الحزب العسكري بتهمة إدانتهم بتكوين كتل طائفية وإقليمية و/أو عشائرية داخل القوات المسلحة السورية(12).

ان نسبة كبيرة وملفتة من الذين تمت تصفيتهم بهذه الطريقة كانت من السنيين، وقد نتج عن هذا ازدياد تمثيل أعضاء الأقليات الدينية مرة أخرى، وخاصة المسلمين غير السنيين(13)، مما لم يكن في صالح السنيين.


(1) قدمت وزارة الدكتور يوسف زعين والتي تتكون أساساً من مؤيدي صلاح جديد استقالتها في 22 كانون الأول 1965م، أي بعد حل القيادة القطرية السوريةبوقت قصير.

(2) منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 181- 182.

(3) التقرير الوثائق، صـ 96.

(4) كان هناك حجة إضافية للبيطار، رئيس الوزراء، لتعيين عمران وهي أنه شخصياً مؤيد ببعض أنصار عمران العلويين (مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر 1974).

(5) مقابلة مع منيف الرزاز، عمان، 22 نوفمبر 1974م، مقابلة مع شبلي العيسمي، بغداد، 30 اغسطس 1971م، منيف الرزاز، التجربة المرة، صـ 160، قارن:

Macintyre, The Arab Ba’th Socialist Party, pp. 370, 382;

  المناضل، العدد 8 أوائل سبتمر 1966م، صـ 13، التقرير الوثائقي، صـ 36، 39، 43، 44. صرح حافظ الأسد فيما بعد أن القيادة القومية آنذاك قد اقترحت تعيين عمران وزيراً للدفاع للاستفادة من أواصر عمران وأمين الحافظ مع بعض الكتل داخل القوات المسلحة، وذلك لتصفية القيادة القطرية بمساعدتهما، وبالتالي التخلص من عمران بتحريضهما الواحد ضد الآخر. (الأنوار، 15 نوفمبر، 1970).

(6) مقابلة مع منيف الرزاز، عمان، 22 نوفمبر 1974

(7)المصدر السابق.

(8) يبدو من المشكوك فيه أن يكون أعضاء القيادة القومية مثل عفلق قد اعتقدوا فعلاً أن عمران قادر على استعادة الانضباط العسكري بالقوات المسلحة، حيث أنه اشتهر باستغلال المشاعر الطائفية الجماعية من أجل تعضيد مركزه الشخصي.

(9) التقرير الوثائقي، صـ 65- 66

(10)المصدر السابق، ص 194- 108

(11) انظر منيف الزاز، التجربة المرة، ص 159، انظر التقرير الوثائقي، ص 33-34، حيث يذكر أن الحافظ كان مؤيداً بشكل خاص من قبل ضباط في المخابرات، ولاسيما هؤلاء المتمركزين في دمشق وحمص وحلب واللاذقية والقنيطرة.

(12)المناضل، العدد11، منتصف كانون الأول 1966،ص 9، الحياة، 30 كانون الأول 1966م. لذلك اتهم مصطفى عمران بالاشتراك في قيادة كتلة طائفية وعشائرية أو بعبارة أخرى الاشتراك في قيادة جماعة من الضباط العلويين لعبت فيها عائلة عمران دوراً رئيساً.

(13) قارن نشرات القيادة القطرية السورية لحزب البعث 14، 17 يوليو 1966. وللحصوص على بيان أسماء الضباط المسرحين انظر:

Van Dam, De Rol van Sektarisme, Regionalisme en Tribalisme, p. 143, n. 84.


 اقرأ:

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :

نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية

نيقولاس فان دام (2):  الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال

نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون

نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:

نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي

نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث

نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث

نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني

نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965

نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963

نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:

نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية

نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية

نيقولاس فان دام (14) : فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران

نيقولاس فان دام (15) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965

المصدر
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 75-82



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى