You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

سلامة عبيد: سلطات المفوض السامي

من كتاب الثورة السورية الكبرى 1925-1927 (4)

سلامة عبيد: الثورة السورية الكبرى 1925-1927 على ضوء وثائق لم تنشر بعد


بدا هذا الاحتلال المباشر جسماً في السلطة التي تركت للمفوض السامي، فهو جنرال قائد أعلى للجيوش ومفوضاً سامياً معاً، يسن القوانين والأنظمة وينشرها، وهو المستشار والمراقب الأعلى لحكومات الدول المنتدب عليها، يجمع في قبضته السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية معاً وهذا مما يجعله حاكماً فرداً لسورية ولبنان، ولاشريط له فهو في الواقع مماثل لحاكم عام للمستعمرات، ولا حد لسلطته. وهو المرجع الأعلى للدوائر الآتية:

– الدائرة المدنية.

– الاستخبارات.

– الصحافة

– الدعاية.

– الأمن العام.

– العدلية.

– الأشغال العامة.

– التربية والتعليم.

-المالية.

– التشريع

– الآثار.

– الجمارك.

– الأوقاف.

ـ الصحة والإسعاف العام.

– التجارة والبحرية والبواخر.

– المونوبول (حصر الدخان).

– دائرة الحماية الأدبية والفنية والصناعية.

– المناجم.

– الطب البيطري.

– الشركات وذوات الامتياز الخ..

إن هذه السلطات الواسعة التي تركت للمفوض السامي، وعلى الأخص هذه الصفة العسكرية التي لازمت المفوضين الثلاثة غورو، فيغان، ساراي، والقانون العرفي الذي ظل سائداً في عهدهم واستغلال هذا المركز العظيم استغلالاً شخصياً لفرض الهيئة والسلطان، كل ذلك جعل النفوس في ثورة ضد هذا النظام المغاير للديمقراطية لفرض فشنت عليه حملة كلامية (والحرب أولها كلام) وكان كلاماً جارحاً مراً، نثبت منه نموذجاً من كتاب غبريال منسى   (الانتدابات وتطبيقها في الشرق):

(إن إفلاس سياسة المفوضية السامية أمر واقع…

(إننا نتهم المفوضية بإفساد الضمير العام.. بالتوجيه نحو الخيانة والانحطاط.

(إننا نتهم المفوضية بالاستبداد العسكري .. وابتلاع الملايين.

(إن سلطة المفوض السامي تكون خطراً داهماً لبلادنا. إنه يبدو كعاهل لها.. إذ يكفي أن نراه يمر بعظمة في شوارع بيروت حتى يخيل إليك أنك تشهد استعراضاً في (السلاملك) على ضفاف البوسفور في العهود البائدة.

(إن سياسة المفوضيات سياسة مخجلة مفضوحة.

(لم نعد نريد عسكريين. أنهم لم يخلقوا ليكونوا قادة سياسيين وإداريين للشعوب.. لم نعد نريد أن ننحني تحت نير السف)

تغير المفوضيين:

لم يضج الأهالي من هذه السلطات الواسعة التي تركت للمفوض السامي فحسب، بل من هذا التغيير المستمر بالفوضين والذي لا يؤدي إلا إلى الفوضى والخراب وسوء التفاهم وقد اعتبر السوريون أنفسهم ضحية للصراع الحزبي في فرنسا فلا يبدأ المفوض الجديد يدرس المسألة التي لا يعرف منها غالياً قبل وصوله إلا ما يعرفه القارئ الفرنسي، حتي يستبدل به غيره، مما حدا بالكاتب بروناردي أن يطلق عليهم اسم “الطيور الراحلة”.

وكثيراً ما كان يرافق عدم الاستقرار هذه المنافسات والخصومات فكل قادم جديد يستصحب رجاله الذين يثق بهم، والذين لا يرجعهم كلهم معه طبعاً، وإلى باريس.. فينجم عن ذلك “حرب مكاتب” سلاحها التقارير السرية وغالباً ما تكون سافلة حتى أن كوبلنز يثبت تصريحاً لسراي يقول فيه أن عاني من جي كيه ودي ريفي (معاونيه) من المتاعب، أكثر مما عاني من أدهي اليسوعيين.

كان جورج بيكو أول المفوضين الساميين إلا أنه ظل مرتبطاً إلى حد بالقيادة العامة الإنكليزية، وخلفه الجنرال غورو الذي اقترن وصوله باحلال الجيوش الفرنسية محل الإنكليزية وقد تخوف منه الرأي العام لما عرف عنه من ميول أكليريكية وتلمذة للمارشال “ليوتي” مدوخ الغرب، وطموح إلى عصا المارشالية قابلته الصحف بالنقمة وتخوفت من حبه لسفك الدماء، وتجسمت عداوة السوريين له على أثر فتح دمشق، وتجزئة البلاد إلى دول خمس، فلم ينج من الإغتيال إلا بأعجوبة. وتجاوزت هذه النقمة عليه وعلى إدارة المفوضية في سورية إلى فرنسا حتى راح الجنرال يتعجب من عدم مناصرة الرأي العام والصحف الفرنسية له ولسياسته، كما كان يحق له أن ينتظر حسب زعمه.

 خلف الجنرال غورو (الساذج) الجنرال فيغان (التقي) والاستعماري الأكليريكي وكان وصوله صدفه أو تعمداً، نهار الأربعاء 9 مايو 1923 فاستقبل المهنئين وبكر في اليوم الثاني ليشترك في القداس الرسمي في الكاتدرائية اللاتينية، بمناسبة خميس الصعود.

بدأ فيغان أخف وطآة من سلفه، وإن ظل حازماً، ولكنه ما كاد يتم دورته للتعرف إلى البلاد السورية، ويلحوح باتحاد سورية استجابة لرغبات الوحدة السورية التي أبدين مراراً ماكان يلوح بذلك، حتى استدعي برقياً في 29 نوفمبر 1924، إلى باريس ولكنه لم يترك البلاد حتى ترك خلفه أمام أمر واقع محرج بإعلانه اتحاد دولتي دمشق وحلب بقرار رقم 2980 وبتاريخ  5 ديسمبر 1924. ولا ندري الغاية التي رمى إليها الجنرال، أكان يذكر أماني السوريين عندما أقدم على ذلك، وقد بلغ قرار الاستدعاء قبل إصداره هذا بأسبوع.. أنه كان يريد أن يحرج موقف خلفه الجنرال (ساراي) “الماسوني وعدو الأكليروس”.

وصل الجنرال ساراي، المفوض السامي الثالث بل الرابع إلى بيروت، وهو عجوز منهوك يجهل تماماً المتاعب السورية التي كانت قد وصلت حينئذ إلى ذروتها وهو بالإضافة إلى ذلك عديم المرونة كجلمود صخر رقيق العواطف ولكنه نزق قليل الجلد.

وكان وصوله خلفاً لقائدين أكيريكيين، نذيراً لأصدقاء فرنسا الكاثوليكية، فما كادت رجله تطأ الشاطئ اللبناني حتى بدأ النزاع العنيف بينه وبين رجال الدين في لبنان وكان يتهم الآخر بأنه هو المسؤول عن هذا النزاع حتى قيل أن المدارس الكاثوليكية التزمت الصمت دقيقة واحدة، لدى وصول الجنرال ساراي إشارة على الحزن الوطني وأن موظفي المفوضية العليا بدؤوا يرجفون بحق الجنرال القادم ويطعنون في سلوكه الشخصي، فما كان يضع رجله على رصيف بيروت حتى كان مغلوباً، وأشدت النقمة عندما أرسل مندوباً عنه ولم يتجه بنفسه لحضور قداس قنصلي تقليدي لم يعتبره قداساً رسمياً، وعندما انتظر قدوم غبطة البطريرك الماروني للسلام عليه قبل ان يتوجه هو أي الجنرال لتقديم هذه الواجبات.

وازدادت هذه النقمة عندما حاول هو ومسيو كايلا حاكم لبنان، إلغاء توزيع الكراسي في المجلس التمثيلي حسب المذاهب وتشجيع المدارس العلمانية ماديا ًوأدبياً وشجب التعليم الديني.

ولم يوافقه الحظ في دمشق أيضاً فقد رفض استقبال المحامين السوريين وطلب إليهم أن ينسحبوا من حضرته، كما أن قراراه بالغاء الحكم العرفي لم يغير شيئاً من الحكم الاستبدادي العسكري وقد جاء في هذا القرار: (أن كل عمل يمس بسلامة الجيش الفرنسوي أو مصالحة يحاكم صاحبه أمام القضاء العسكري الفرنسوي)، وسنبين مسؤولية هذا المفوض عن اندلاع الثورة.


اقرأ:  

سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)

سلامة عبيد: مغامز صك الانتداب (2)

سلامة عبيد: مخالفة فرنسا لصك الانتداب (3)




 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى