You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

سلامة عبيد: مخالفة فرنسا لصك الانتداب

من كتاب الثورة السورية الكبرى 1925-1927 (3)

سلامة عبيد: الثورة السورية الكبرى 1925-1927 على ضوء وثائق لم تنشر بعد


لم تكتف فرنسا بأن وضعت نصوص انتداب كثر فيها الطعن بل تجاوزت ذلك إلى الإخلال بتلك النصوص نفسها، لقد كان الخطأ الأكبر أنها دخلت سورية دون رضى السوريين وتقدمت إليهم “بانتداب على رؤوس الحراب”، مفضلة خرق هذا الانتداب على استشارة السكان، ولما كانت تعرف بأن الانتداب لا يمكن فرضة، وان الدولة التي يفتح لها هذا الانتداب حرة في رفضه، وأن الميثاق يوصي نصاً بقبول المنتدب عليه، راحت تؤكد بأنها قد تسلمت هذا الانتخاب “بإرادة الشعوب”، وبأنها كلفت بهذه المهمة بقرار من عصبة الأمم. إلا أن الواقع يثبت أن فرنسا فرضت نفسها ولم تستطيع ان تثبت إلا بقوة السلاح وأن انتدابها  على سورية ولبنان قد أعطى في سان ريمو سنة 1920 بناء على قرار المجلس الأعلى للحلفاء فلم تشترك فيه عصبة الأمم، وأن تدخل المجلس الأعلى لا تفسير له إلا المطامع السياسية، حتى أن السكرتير العام لعصبة الأمم قد وجّه مذكرة للمجلس بتاريخ 30 يوليو 1922 يضمنها عدم اعترافه بأية قيمة حقوقية لهذا الاتفاق.

استمرت فرنسا في سعيها لتثبيت انتدابها على سورية ولبنان بانتزاع موافقة عصبة الأمم، فلم تفز بذلك إلا في والرابع والعشرين من يوليو/ تموز 1922 أي في الذكرى الثانية ليوم ميسلون، إلا أنها عادت فتجاهلت هذه العصبة، فلم ترسل إليها، كما نص الانتداب، نسخ القوانين والتعليمات التي تصدر في خلال السنة لتضم إلى التقرير السنوي، وأهملت العرائض المحولة إليها من اللجنة الدائمة للانتدابات ولم تعلق عليها، وأخفقت كذلك الاتفاقيات ومن أهمها اتفاقية استقلال جبل الدروز التي كانت من العوامل الفعالة في نشوب الثورة.

وقد أقدمت فرنسا على مخالفات أخرى منها: مخالفة البند الرابع بتنازلها لتركيا عن مساحة من الأرض السورية قدرت بأربعين ألف كيلو متر مربع ووضع نظام خاص لسنجق الاسكندرون قررت فيه اللغة التركية لغة رسمية بموجب البند السابع من اتفاقية أنقرة وعدم مراعاتها البند السادس من الانتداب القاضي بوجوب إيجاد نظام عدلي يضمن حقوق الأهالي والأجانب معاً إذ أنها استغلت هذا البند لتسليم إدارة القضاء إلى قضاة افرنسيين “مارسوا في الواقع دكتاتورية عدلية” ولتأليف محاكم مختلطة، تذكر بالمحاكم القنصلية التي ألغى الانتداب اسمها، فثارت عليها الخواطر واضرب المحامون في بيروت ودمشق احتجاجاً(1) وقد سمح كون البلاد تحت الحكم العرفي أن يتدخل القضاء العسكري في كل مشكلة أراد التدخل فيها، كما أنها خالفت البند الثامن الذي نص على وجوب عدم التحيز لفئة دون فئة من السكان على اختلاف مذاهبهم وألسنتهم وجنسياتهم، وخالفت كذلك المعونة والمشورة المجانتين، فاستغلت مرافق البلاد وحملت الخزينة السورية نفقات باهظة.

كما أنها سوفت في إصدار قانون الآثاء الذي قضي صك الانتداب على الدولة المنتدبة بإصداره في خلال سنة وأغفلت الفقرة الثانية من البند الرابع عشر بالتعويض على مكتشفى الآثار، خصوصاً في منطقة جبل الدروز الغنية بآثارها.

شعر أهالي سورية، أن الانتداب مساوِ للاحتلال. بل أنه شرّ منه إذ أن مسؤولية الأخطاء في المستعمرة تقع على المستعمر نفسه أما في الانتداب فالحكومات المحلية تتحمل تبعات أخطاء الدولة الحاكمة. وجاءت الأحداث تؤكد هذه النظرية ففرنسا التي دخلت دمشق “لن تخرج منها البتة” وليس من السهل أن تكره أمة مثل فرنسا على الانسحاب من أرض تثبت أقدامها فيها هذه الأرض التي أضيفت إلى “المشاع الاستعماري الفرنسي” فأصبح يضم تونكان وأنام ومدغشقر.. والسودان- الفرنسي- وشاطئ العاج ومراكس، والكمرون وسورية ولبنان، فالفرنسيون على حد تعبيرهم “هنا وسيبقون”، وليس علينا أن ننسى – يقول الكابتن بورون أن هناك غلطة جسيمة قد ارتكبتها السياسة الفرنسية، وهذه الغلطة قديمة العهد ولا تزال، وهي أننا بترددنا المستمر وارتباكاتنا قد جعلنا كلاً من أصدقائنا وأعدائنا، يعتقدون بأننا ما بقينا في سورية عن طيبة خاطر وليس بقاؤنا إلا بصورة مؤقتة”، وهذا الاحتلال، أي الاستمرار الزمني في الحكم، رافقته إدارة مباشرة نزلت بالانتداب من درجة (أ) إلى درجة (ج) حيث تسيطر شرائع المنتدب، فتجاهلت فرنسا أن غايتها “كما جاء في رسالة الليوتنان كاترو هي مساعدة البلاد التي تحت انتدابها وترقيتها وإبلاغعا لدرجة تؤهلها إلى الاستقلال التام وإدارة شؤونها كسائر الدولة الراقية، وأن الافرنسيين كما جاء في خطاب بونكاريه ليسوا إلا مساعدين ومرشدين لشعوب متمدنة مدعوة إلى حكم نفسها بنفسها إلى أقصى مدى.

ولهذا عندما نشبت الثورة “1925” كان من أسباب نشوبها أن المدة التي حددها البند الأول من الانتداب لسن دستور البلاد كانت قد انقضت، إلا أياماً والحكم العسكري المباشر كان ولا يزال سائداً، ومهدداً بالاستمرار. ولكن لا تبدو هذه الإدارة إدارة مباشرة أنشأ الفرنسيون مجالس تمثيلية “ما يشبه مجالس النواب” او حكومات محلية، ولكنها أشبه باللعين لا ينفذ لها قرار إلا إذا صادق عليه المفوض السامي أو من ينيبه، كما أنه يحق للمفوض السامي تأجيل اجتماعات هذه المجالس التمثيلية وإلغاؤها “إلغاء المجالس والاجتماعات معاً”. ولا تكون جلستها قانونية إلا إذا حضرها أحد المندوبين الفرنسيين كما أنه يجب أن يسمع صوته عندما يطلب ذلك، وإذا انسحب المندوب فقد فقدت الجلسة صبغتها القانونية. أما طريقة إيجاد ممثلين أو النواب فقد مرت بأدوار متفرقة ولكنها حافظت دائماً على طريقة الانتخاب على درجتين، وعلى نسبة معينة من النواب تتراوح بين النصف والثلث يعينهم المفوض السامي مباشرة…

ولم يقتصر تدخل السلطة المنتدبة على الأمور الجسيمة بل تدخلت في أتفه المسائل وأحقرها مستعينة على ذلك بتقليد ” مناصب الدولة ووظائفها للذين عرفوا بفساد الأخلاق والضمائر والاستسلام إلى مشيئة الحاكم، وبالتغاضي عن المغالات التي أظهرها المستشارون في إظهار ميولهم إلى الحلول محل السلطات المحلية، كما جاء الانتداب يتحول إلى نظام إدارة مباشرة تدريجياً، فازدادت النقمة سواء في سورية أو في لبنان وراحت الهوة بين “الحاكم” و”المحكوم” تتسع وتندذر بالخطر.


(1) صحيفة البشير، العدد 1325 الصادر في 29 أيلول 1920، العدد 2768 الصادر في 22 كانون الثاني 1924، العدد 3214 الصادر في الرابع والعشرين من كانون الثاني 1925م.


اقرأ:  

سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)

سلامة عبيد: مغامز صك الانتداب (2)


للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر  بحسب الأيام

انظر أيضاً :

أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات

سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000
المصدر
عبيد (سلامة)، الثورة السورية الكبرى 1925-1927 على ضوء وثائق لم تنشر بعد، صـ 22-23



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى