You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

خالد بكداش: مكافحة التدخل الاستعماري

نشر خالد بكداش أمين الحزب الشيوعي السوري مقالاً بعنوان: (أليس الأجدى لوطننا ولمستقبله ولسمعته في العالم مكافحة التدخل الاستعماري ومحاربة البؤس والفقر والجهل! في صحيفة الغد، العدد 28 السنة الثانية الصادرة في القدس في الثالث عشر من أيلول 1946م.

تعرض خالد بكداش في مقاله إلى تصريحات سعد الله الجابري رئيس الحكومة التي أدلها بها في الاسكندرية.

شكل سعد الله الجابري حكومته الثالثة في السادس والعشرين من نيسان 1946 واستمرت حتى السابع والعشرين من كانون الأول عام 1946م.

فيما يلي نص المقال:


ذهب صاحب الدولة السيد سعد الله الجابري رئيس الوزراة السورية إلى الإسكندرية، وحضر إجتماع وزراء خارجية الدول العربية، ثم عاد إلى دمشق. وقد ذهب مصحوباً بالسلامة، وعاد متمتعاً بتمام العافية، ولكنه خلال رحلته طلع على الناس بمفاجأة غريبة لا تتصل بأي سبب بالمهمة التي ذهب وعاد من أجلها، وهي التشاور مع زملائه في قضية فلسطين.

لقد أدلى صاحب الدولة بتصريحات عن سوريا إلى مراسل الوكالة الفرنسية في القاهرة. وليس في ذلك أية مفاجأة. فمن الطبيعي أن يتكلم رئيس وزارة عن بلاده خصوصاً وهو في بلاد أخرى. فذلك من أولى واجباته في الدعاية لوطنه.

إنما المفاجأة في ما قاله صاحب الدولة، أو في ما رأى من المفيد قوله وإعلانه عن بلاده في مثل هذه المرحلة من تطور القضية العربية أولاً، ومن تطور الأوضاع الدولة ثانياً.

إن أبسط مواطن سورية يفهم بالبداهة أن الواجب الوطني والعربي يقضي على كل مسؤول في مثل هذه الظروف، أن يتكلم عن أشياء وأمور من شأنها أن توطد موقف العرب في تضامنهم الوطني، وأن ترفع سمعة سوريا أمام الرأي العام العالمي: فيشرح وجهة نظر سوريا، المجاورة لفلسطين، في القضية الفلسطينية، ويبين أنها قضية استقلال وحرية وحق صريح تفرضه المبادئ الديمقراطية ويقرره ميثاق الأمم المتحدة نفسه.. ثم يبين ان سوريا التي سبقت شقيقاتها العربيات في تحقيق الجلاء عازمة عزماً أكيداً على أن تكون أمام شعوب الأرض قاطبة مثالاً حياً لما يجب أن يكون عليه ولما يستطيعه البلد العربي المستقل المتحرر من الاحتلال العسكري الأجنبي..

ولذلك فهي ستحافظ على هذا الاستقلال، وستحميه من كل تدخل أجنبي جديد.. ولن تكون كذلك ذيلاً لأية دولة أخرى في سياستها الدولية، بل ستكون أمينة لمبادئ  الميثاق بالدفاع عن الحق وعن السلام..

هذا ما كان ينتظر كل مواطن سوري أن يسمعه من مسؤول كبير يخاطب الأجانب عن بلاده في مثل هذا الوضع الدولي الحاضر!

ولكن صاحب الدولة سعد الله الجابري لم يتكلم عن شي من هذا كله. فهو بعد أن تكلم عن العلاقات الديبلوماسية مع فرنسا ومع تركيا، قال حرفيا: “ان سورية لا تعترف بشرعية الحزب الشيوعي وتقوم بمكافحة الشيوعية برغم عدم وجود قوانين بهذا الصدد. وعمل الشيوعية محدد. واستطيع التأكيد أن الحكومة السوفياتية لا تتدخل بأعمال الحزب الشيوعي في بلادنا وانها لا تساعد الشيوعية”.

هذا ما رأى صاحب الدولة أن يقوله عن بلاده لمراسل الوكالة الفرنسية في الإسكندرية!

وقبل ان نتناول ما ورد في التصريح نفسه نتسائل عنه بمجموعة : لم هذا التصريح في هذا الوقت؟ .. ومن الذي يستفيد منه؟ هل أريد به يا ترى إرضاء دول صدقي باشا رئيس الوزارة المصرية ودعم موقفه أمام الرأي العام المصري على التدابير الأخيرة التي اتخذت ضد الحركة الوطنية في مصر باسم “مكافحة الشيوعية”؟ .. وإذا كان ذلك كذلك، أفلم يأت هذا التأييد متأخراً بعد ان قرر القضاء المصري إطلاق 159 شخصياً من أصل 170 الذين اعتقلوا تحت “تهمة” الشيوعية؟ ونتسائل ايضاً: ألم يكن من الواجب أن ينتبه صاحب الدولة إلى أن مراسل الوكالة الفرنسية ربما أراد استدراجه إلى مثل هذا التصريح لأجل إضعاف موقف سورية في الميدان الدولة، ولأجل إعطاء الأوساط الرجعية في باريس ولندن حجة تطعن في سمعة سوريا وفي استقلالها أمام الرأي العام الديمقراطي في العاصمتين؟

وسؤال أخير، هل يستفيد من هذا التصريح غير تلك الأوساط الاستعمارية المعروفة التي تريد أن تبرر سياستها في الشرق الأدنى، وأن تبرهن للملأ ان الطبقات الحاكمة في البلاد العربية، من القاهرة إلى دمشق، غير مستقله في سلوكها بل هي تسير في ركابها ورهن اشارتها، كما أنها تكره الحرية كرهاً شديداً، فلا تستحق أي عناء في دعمها وتأييدها؟

أما النقاط الواردة في التصريح فهي – بأكثرها – لا تقل غرابة عن مغزى التصريح بمجموعة. فإن صاحب الدولة يقول ان سوريا لا تعترف بشرعية الحزب الشيوعي. وهو يريد طبعاً ان الحكومة السورية هي التي لا تعترف بشرعية الحزب الشيوعي أو أن دولته لا يعترف به. وإلا لا يكون لهذا الكلام أي معني. لأن جماهير الشعب السوري لم يؤخذ رأيها في الحزب الشيوعي السوري حتى يقال باسمها أن “سوريا لا تعترف به”. ولكن كان على صاحب الدولة أن يقول للمراسل ايضاً: ان الحكومة السورية لا تعترف بشرعية أي حزب من الأحزاب، لا الحزب الشيوعي وحده، وان جميع الأحزاب والهيئات السياسية في سوريا موجودة نفسها، وتعمل نفسها دون ان يكون لديها اي اذن أو أي ترخيص من الحكومة السورية، فذلك كان شأن الاستعمار مع الأحزاب، لا يعترف بها، فتعمل رغماً عنه، ولا تزال الحال على ذلك بعد زوال الاستعمار، بسنة الاستمرار أو بغير ذلك من الأسباب، ولكنها دون جدال حالة مؤسفة في هذا العهد الاستقلالي الذي ينتظر منه الشعب أن يتخلى عن ارث الاستعمار، وان ينبذه بكليته: بعقليته وأساليبه جميعاً.

أما الحزب الشيوعي السوري، فهو   كما يعلم صاحب الدولة نفسه، موجود في سوريا منذ سبعة عشر عاماً، وهو بنضاله الطويل الشاق ضد الاستعمار، وبخوضه جميع المعارك الوطنية ضد الاستعمار، وبوقوف قادته ومناضليه أمام محاكم الانتداب هاتفين للجلاء والحرية والاستقلال، وبدخول هؤلاء المناضلين للسجون شهوراً طوالاً جنباً إلى جنب مع المناضلين الوطنيين القدماء الذين أصبح قسم منهم اليوم مسؤولين وزراء – بما فيهم دولة السيد سعد الله الجابري نفسه الذي قضى أشهراً كما يذكر دون ريب مع الشيوعيين- وبينهم فؤاد قازان ومصطفى العريس- في غرفة واحدة في سجن حلب- بهذا كله، وبنضاله العنيد في سبيل الديمقراطية والحرية، وبدفاعه المستمر عن خبز الشعب ومطالبه الحيوية، نال الحزب الشيوعي اعترافاً به من الرأي العام السوري، بل ومن الرأي العام الديمقراطي العربي قاطبة، وانتزع هذه المكانة المحترمة التي يحتلها الحزب وقادته في الحركة الوطنية السورية، وبين العمال والفلاحين والمثقفين المتحررين بل بين المناضلين الوطنيين جميعاً، على اختلاف هيئاتهم واتجاهاتهم وسياساتهم. وقد يختلف الناس في سوريا على المبدأ الشيوعي، وقد تتباين آراؤهم في فلسفته، ولكن من يستطيع إنكار هذا الاجماع التام بين الشعب السوري – وقسم من المسؤولين أنفسهم- على الاعتراف بماضي الحزب الشيوعي في الحركة الوطنية، والاعتراف بوطنية قادته واحترامهم وتقديرهم؟

* * *

ويقول صاحب الدولة بأن سوريا – وهو يعني طبعاً الحكومة السورية أي حكومة دولته- “تقوم بمكافحة الشيوعية برغم عدم وجود قوانين بهذا الصدد” وهل ثمة اعتراف أوضح من ذلك بأن مكافحة الشيوعية في سوريا غير دستورية وغير قانونية؟ .. ان دولته نفسه يقول ذلك بكل صراحة.

وهنا نسأل دولته: كيف يمكن اذن تبرير مثل هذه “المكافحة” التي يتكلم عنها، في بلد جمهوري دستوري، ومفروض فيه انه ديمقراطي، وبالرغم من عدم وجود قوانين بهذا الصدد؟

واليوم أليس في سوريا شي تنبغي مكافحته سوى الشيوعية؟ أليس من الأجدى لوطننا وسمعته ولمستقبله مكافحة التدخل الاستعماري الأجنبي ومكافحة مشاريع الاستعمار والصهيونية التي تهدد كيان بلادنا ونظامها الجمهوري كمشروع المملكة الهاشمية الأردنية الكبرى وغيره؟

أليس من الأجدى مكافحة عملاء الاستعمار ودعاة التفرقة والتهديم الذين يستوحون عمان وما وراء عمان؟

أليس من الأجدى اليوم مكافحة النفوذ الاقطاعي الرجعي الذي يمنع توطيد وحدة وطننا القومية!

أليس الأجدى مكافحة الفقر والبؤس والجهل وكل ارث الحكم الاستعماري البغيض؟

أليس كل ذلك أجدى من الدعوة إلى مكافحة الشيوعية؟

ولكن “المكافحة” غير متجهة اليوم في سوريا نحو ذلك كما أنها ليست متجهة نحو ” الشيوعية” وحدها. فحرية الاجتماع ممنوعة، ونقابات العمال تلقى التضييق ايضاً: وبالأمس رفضت الحكومة السماح لفريق من المناضلين النقابيين بإقامة اجتماع شعبي أرادوا أن يظهروا فيه تضامنهم مع عمال العالم جميعاً ضد الفاشستية وضد نظام فرنكو في اسبانيا تنفيذاً لتوصيات اللجنة التنفيذية لاتحاد النقابات العالمي! ولا يسمح للمناضلين الديمقراطيين بإصدار صحف تنطق باسمهم! والتعطيل الاداري يصيب كثيراً من الصحف التي تكتب ضد الاستعمار الانكليزي وضد التدخل الأجنبي في سوريا، وتنتقد أساليب الحكم الموروثة من عهد الاستعمار!

ولا يلقى الرعاية إلا الصحف والأناس والهيئات التي توافق اتجاهاتها مشارب بعض المسؤولين!… فهل يجري كل ذلك أيضاً لحماية سوريا من خطر “الشيوعية”؟ أم أن مكافحة الشيوعية ستكون وسيلة لتغطية كل هذه الأعمال التي يتذمر منها الشعب السوري ويريد الخلاص منها!

* * *

وأخيراً يقول دولته “واستطيع التأكيد أن الحكومة السوفياتية لا تتدخل بأعمال الحزب الشيوعي في بلادنا وانها لا تساعد الشيوعية” وهذا صحيح تماماً وقد صرحنا به دائماً ونحن نسجل اليوم هذا القول على صاحب الدولة الرئيس الجابري! نسجله ونتساءل: اذا كان دولته يؤكد أن الحكومة السوفياتية لا تتدخل في شئون الحزب الشيوعي السوري ولا تساعد الشيوعية في سوريا …، وهو بذلك يرد على جميع عملاء الاستعمار والرجعين الذين يتهمون الحزب الشيوعي بالصلة بالاتحاد السوفياتي ويستعملون هذه التهمة الباطلة كالسلاح الرئيس بل السلاح الوحيد لتبرير دعوتهم إلى مكافحته، نقول إذا كان دولته مقتنعاً بهذه الحقيقة التي يؤكدها في تصريحه فأية حجة بقيت اذا لتبرير مكافحة الشيوعية في سوريا؟ … الا يعني قوله بداهة وصراحة ان الحزب الشيوعي هو حزب وطني له أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة مشروحة في ميثاقه الوطني الذي ينشره الشيوعيون في البلاد بعشرات الألوف منذ سنين، وقد قدموا أخيراً بصورة رسمية إلى وزارة الداخلية، وفقاً لبلاغها الذي يقضي على جميع الأحزاب والهيئات بتقديم برنامجها ونظامها الداخلي إلى هذه الوزارة؟

لقد كانت حجة الداعين إلى مكافحة الشيوعية سواء منهم الهتلريون في أوربا وعملاء الاستعمار والرجعية في الشرق كله، وفي الشرق العربي ايضاً، هي “الاتصال” بموسكو و”خدمة الأجنبي”. فإذا كان دولة الجابري مقتنعاً ببطلان هذه الحجة وفساد هذه التهمة كما يقول في تصريحه فما الذي يبرر اذا في نظره مكافحة الحركة الشيوعية في سوريا!

ان الحزب الشيوعي السوري الذي كافح الاستعمار دون هوادة يناضل اليوم لأجل توطيد الاستقلال ويناضل اليوم لأجل توطيد الاستقلال ويناضل ضد التدخل الأجنبي والتغلغل الاستعماري ويناضل لحماية الجمهورية السورية من مشاريع التكبير والتصغير الاستعمارية والصهيونية، ويناضل لأجل الديمقراطية وحرية الرأي ويناضل ضد الفقر والبؤس والجهل والبطالة، ويناضل لرفع مستوى العمال والفلاحين وكل جماهير الشعب السوري العاملة الكادحة…

أفلاجل هذا تقوم الدعوة للمكافحة؟…

الا يعني ذلك أن الغاية هي مكافحة هذه المطالب الوطنية والديمقراطية لا مكافحة الحزب الشيوعي بالذات؟

إننا نحاول عبثاً ان نجد معني آخر لمكافحة الشيوعية!

خالد بكداش




 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى