مقالات
سينما العبّاسيّة تبتهج وتبارك بميلاد الجمهوريّة العربيّة المتّحدة 1958
يظهر الرئيسان شكري القوّتلي وجمال عبد الناصر فوق لوحة إعلانيّة كبيرة لفيلم الكوخ الصغير بطولة النجمة Ava Gardner. المصدر مجلّة Paris Match الفرنسيّة وعددها الصادر في الثامن من آذار عام 1958.
فلننظر إلى المناورات الخفيّة قبيل الوحدة كما رواها مستشار حكومة الولايات المتّحدة الأمريكيّة لشؤون الشرق الأوسط السياسيّة السيّد Gordon H. Torrey في كتاب “السياسات السوريّة والعسكريّون” الصادر عن Ohio State University عام 1964.
داخل غلاف الكتاب إهداء بخطّ يد المؤلّف لمدير المخابرات المركزيّة الأمريكيّة 1961-1965 السيّد John A. McCone. يعتبر هذا الكتاب مع دراسة “الصراع على سوريا” للصحفي البريطاني Patrick Seale من أفضل ما حرّر عن تاريخ سوريا السياسي منذ الاستقلال حتّى الوحدة وكلاهما ترجم إلى العربيّة.
الأسطر التالية مأخوذة من الصفحات 377 – 379 :
{مع نهاية كانون أوّل 1957 احتدم الصراع على السلطة من وراء الكواليس بين البعث من جهة وبين الشيوعييّن وخالد العظم ورئيس الأركان عفيف البزري من جهة ثانية وبدأ إعلام البعث حملة اتّهم فيها الشيوعييّن بمعاداة الوحدة ممّا يعتبر وقتها هرطقة في سوريا…..بقي عبد الحميد السرّاج في هذه الفترة صامتاً يتأمّل المشهد من بعد بينما استعمل المصريّون نفوذهم الكبير لمساعدة البعث ضدّ البزري. تحالف أمين النفوري مع العظم والبزري بينما مثّل أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار والعقيد مصطفى حمدون الجانب الآخر.
إلى جانب مهاجمة الشيوعييّن وعدم إخلاصهم المزعوم للطموحات القوميّة العربيّة شنّ حزب البعث أيضاً حملة إعلاميّة انتقد بها الطريقة التي عالج فيها خالد العظم الاتّفاقات السوريّة الاقتصاديّة مع تشيكوسلوفاكيا والاتّحاد السوفييتي…في نفس الوقت عادت المنشورات المعادية للشيوعيّة إلى الظهور في المكتبات السوريّة ولدى باعة الصحف.
وصل وفد من ضبّاط الجيش السوري برئاسة عفيف البزري فجأة إلى القاهرة في الثاني عشر من كانون ثاني 1958 ليناشد عبد الناصر أن يقيم وحدة فوريّة بين البلدين وتلاه بعد أربعة أيّام وزير الخارجيّة صلاح الدين البيطار لينضمّ إلى المباحثات. لم يتمّ الكشف عن التفاصيل ومع ذلك كان من المعلوم أنّ عبد الناصر تحفّظ على أخذ مسؤوليّة سوريا ومشاكلها على عاتقه وكان هذا متّفقاً مع موقفه السابق. في النهاية رضي الرئيس المصري بعد أن أقنعه السوريّون بخطر استيلاء الشيوعييّن السلطة في مستقبل وشيك إلّا أنّه أصرّ على وحدة شاملة وليس اتّحاد فدرالي كما اقترح السوريّون ووافق الوفد السوري على ذلك نظراً لانعدام البدائل. صرّحت وكالة أخبار الشرق الأوسط التي يتحكّم بها المصريّون في الثالث والعشرين من كانون ثاني أنّ إعلان الوحدة بين البلدين سيتمّ قريباً وكانت هذه نقطة لا عودة بالنسبة للسورييّن.
يمكن اعتبار هذا بمثابة إكراه الشيوعييّن على حضور جنازة حزبهم وكان ردّ فعلهم الأوّل إصدار قرار ترحيب بالوحدة “المعزّزة لتضامن الدول العربيّة والقوى الآسيويّة-الإفريقيّة المناهضة للإمبرياليّة” ولكنّهم خشوا سياسة عبد الناصر المعادية للشيوعيّة وبناءً عليه صرّحوا أنّ الوحدة يجب أن تقام على “أسس ديموقراطيّة” سليمة وأتى ردّ فعلهم سريعاً وشديداً عندما تبيّن لهم أنّ الوحدة ستؤدّي إلى امتصاص سوريا من قبل مصر وليس إلى الاتّحاد الفدرالي المنشود. رفض خالد بكداش توقيع إعلان الوحدة وصرّح أنّ الحزب الشيوعي لم يحلّ نفسه في أي مكان في تاريخه وأنّه لن يفعل ذلك الآن في الوحدة الجديدة ومن ثمّ قاطع جلسة البرلمان التي أعلن فيها عبد الناصر “بالإجماع” رئيساً للجمهوريّة العربيّة المتّحدة”.}