You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

ميشيل عفلق: طموح البعث

من كتاب في سبيل البعث، الجزء الأول، الباب الثاني (15)

نيسان عام 1957


المعرفة لا تكون صحيحة الا اذا امتحنت بالعمل، فالعمل يغنيها ويصححها. ان نضال الأمة العربية نضال طويل لم يبتدئ مع حركة البعث ولن ينتهي معها. وكل ما في الامر ان هذه الحركة خرجت من حاجات امتنا في مرحلة معينة لتستفيد من التجارب السابقة، ولترفع مستوى النضال إلى الحد الذي يتكافأ مع عظم قضيتنا وعظم أهدافها ومع عظم الاخطار المحدقة بها، ومع روح هذا العصر، فكانت محاولة صادقة نرى اليوم أنها أثمرت بعض الثمار.

ان طموحنا كبير، طموحنا هو طموح الانسان وطموح كل شعب اصيل شاعر بشخصيته مقدر لمعنى وجوده الانساني، طموحنا لا يقتصر على دفع الاخطار والتخلص من الاعداء ومن ظلمهم الذي لحق بنا زمنا طويلا. طموحنا لا يقف عند حدود السلبية والرفض والتخلص وانما هو في أعماقه طموح ايجابي بناء في أن نعمل وان نسترجع من جديد تجاوبنا الصادق مع الحياة، وان تساهم في بناء الحضارة ونساهم في اخصاب القيم الانسانية وفي الدفاع عنها وفي تجسيدها تجسيدا صادقا في حياتنا وسلوكنا.

عندما طلع علينا الاستعمار مؤخرا بنظرية الفراغ، قائلا ان بلادنا فيها فراغ يستدعي ان يملأ بالاستعمار والاحتلال، خطر لي -بالمقارنة- ان الفراغ قائم فعلا ولكن ليس في شعبنا وبلادنا، وانما في هذا القسم من العالم الذي مسخ القيم وزيفها ووصل في النفاق الى حد التناقض مع ما يدعيه من مبادئ. ويخطر لي دوما ان ثمة في العالم فراغا مخيفا، ولا يستبعد أن تكون أمتنا من بين الأمم التي ستطالب بأن تملأ هذا الفراغ في وقت أقصر مما نظن. ان حضارة المستعمرين تنذر بالانهيار والفشل طالما انها تتجنى على الشعوب الضعيفة مثل هذا التجني، وتغالط وتكاد لا تعرف أنها تغالط، أي ان الزيف امتزج في نفوسها واذهانها إلى حد انه اصبح طبيعيا فيها ومن صميم مفاهيمها. من يعيد الى هذه القيم التي أفرغت من معناها ومحتواها في الغرب.. من يعيد اليها الحياة والدم الا الشعوب التي عانت الظلم، وعانت تجربة الألم الى الأعماق؟ فكأن القدر يهيؤها لان تحتل مكانها قريبا وان تكافأ على آلامها بأن تظهر هذه المبادئ والقيم الخالدة التي لا غنى للانسان عنها، والتي لا تستقيم بدونها الحياة. لعل القدر يهيئ شعوب افريقيا وآسيا وكل الذين عانوا الظلم الخارجي والداخلي، ان يخرجوا من هذه التجربة بثمرة يانعة لا تقتصر فائدتها عليهم فحسب، وانما تشع على الانسانية كلها. لذلك قلت ان طموحنا لا يقف عند حد اخراج المستعمرين من أرضنا، وايقاف المستغلين في الداخل عند حدودهم، ولا يتوقف عند حد تأمين الحرية والرخاء للشعب، وانما هي كلها وسائل لكي تنطلق عبقرية هذه الامة نحو الابداع، نحو المساهمة الجدية في حمل الاعباء الانسانية.

وهذا في الواقع ما كان ينفرنا من الحركات الوطنية السابقة. وهذا ما أشعرنا بأن ثمة واجبا علينا وان ثمة مهمة جديدة لنا، فأنتم تعرفون في أي مستوى كانت تحيا وتعمل الحركات في مختلف اقطارنا العربية، في أي مستوى مقلد سطحي سلبي.

يأخذون على الاستعمار أشياء كانوا هم أنفسهم يرتكبونها يوميا، ينادون بالحرية لا ايمانا منهم بالحرية ولكن دفعا لتهمة الغرب الموجهة الينا باننا لا نقدر معنى الحرية، ينادون بالمساواة والرقي وغير ذلك لا عن قناعة، ولا عن معاناة وتجربة عميقة لهذه الأشياء، وانما في المظهر والاعلان لدفع التهمة. اذن لم تكن تلك الحركات اصيلة، لم تكن تنبع من الشعب، ولم تكن تعبر عن حقيقته وامكانياته لأنها لم تكن تعتمد عليه ولا تثق به.

ولعلكم سمعتم أكثر من مرة أولئك الزعماء والسياسيين في أحاديثهم الخاصة: “الشعب لا يفهم، لا يعي، لا يقدر”، وفي خطبهم يشيدون به ويمتدحون فضائله ويستغلون غروره.

الثقة الحقيقية بالشعب هي أعمق من تلك، تبدأ بالصدق، أي ان يكون المناضلون صادقين في عملهم وواثقين من أنفسهم، وبعد ذلك لا بد أن يكسبوا ثقة الشعب لان امكانيات شعبنا غزيرة وعميقة، ولكن اكثرها دفين ومغمور.

كنا اذن نشعر بأن مرحلة جديدة يجب ان تبدأ، وان تظهر فيها الامة العربية على مستوى جديد غير المستوى السلبي الذي كانت عليه في الماضي، غير مستوى التشكي والتظلم والمواربة والتستر بعناوين المبادئ لكي ترفع عنها التهم الموجهة اليها من الاعداء. مرحلة جديدة تقف فيها أمتنا لتواجه مصيرها وجها لوجه.. تواجه حقيقتها بصراحة وجرأة، ولا تعبأ باستعمار ولا أجنبي. الأصل انها موجودة، ولكن تريد ان يكون وجودها صادقا وعميقا، و لا تتلكأ عن رؤية أخطائها ونواقصها لأن هذا أول دليل على نضجها وبلوغها سن الرشد. والواقع ان المرحلة الجديدة التي بدأناها لم تغفل قيمة الشعب في خوض المعركة ضد الاستعمار، فقد وجهنا انظار الشعب إلى نفسه وإلى أمراضه. و هذا تشجيع للشعب وثقة فيه لم تكن الحركات السابقة تجرؤ عليها، بل كانت تداريه وتداجيه. لذلك لم يكن يثق بها ولم يكن يمشي وراءها الى آخر الطريق.

أما مرحلتنا فكانت تنظر الى الاستعمار بأنه نتيجة اكثر منه سببا، نتيجة لما يشوب مجتمعنا من نقص ومن تشويه. وأعتقد بأن هذا ما يجب ان نلح عليه وأن نزداد جرأة في المضي فيه، وأن نعتبر اننا دخلنا النطاق العالمي، ونقوم بدورنا الذي تجاوز حدود وطننا وحدود قوميتنا، وانه يجب ان نواجه هذا المستقبل الايجابي بثقة وتفاؤل واقدام. قد يبدو لكم كل ذلك الآن شيئا طبيعيا وسهلا يسيرا، ولكن عندما بدأنا حركتنا قبل خمسة عشر عاما كانت هذه اللغة صعبة الفهم وصعبة التقبل، لان الجو الذي خلقته الحركات السابقة التي قامت على الهواة والمحترفين، وعلى المترفين الذين كانوا يتسلون بالسياسة لا على المناضلين الصادقين، كان جوا مزيفا حجب عن الشعب حقيقة قضيته، فلم يكونوا يريدون أن يسمعوا ان قضيتنا مرتبطة بقضية الانسانية كلها. ولم يكونوا يتقبلون ان تكون مرحلة نضالنا ضد الاستعمار مرتبطة بالنضال الاشتراكي في الداخل، ولم يكونوا يفهمون ويستسيغون أن قضيتنا في كل الاقطار العربية هي قضية واحدة، ويجب توحيد النضال، وأن تنسجم خطوطه، وأن التجزئة التي فرضت على بلادنا هي مصطنعة

وعارضة، وأن في أعماق الشعب ما هو كفيل بأن يجلو الصدأ ويزيل الزيف ويظهر حقيقة أمتنا وأنها أمة واحدة. وها نحن بدأنا نشاهد الصدأ يجلى والحقيقة يبرز وجهها ناصعا، عندما اتخذت مصر طريقها السوي إلى العروبة بعد أن كانت مضللة مدة طويلة، وكادت تفقد بذلك حركة النضال العربي اكبر وزن واكبر ثقل. هذا الذي يراه الكثيرون وكان يراه الساسة القدماء كمعجزة ليس لها تفسير، كنا نؤمن بأنه آت لا ريب فيه، وان حقيقة مصر العربية ستظهر في يوم من الأيام.

تسمعون أيضا اصواتا ناشزة تقول: ان ما حصل الآن من ائتلاف وتقارب بين أجزاء الأمة العربية هو شيء حسن ولكنه ليس شيئا اصيلا وليس شيئا محتما وأن ظروفا معينة اقتضته، هي ظروف الكفاح ضد الاستعمار، وانه لا يغير شيئا في حقيقة الاقطار، الاقطار التي تؤلف وطننا الواسع، فلكل قطر تاريخه وماضيه وشخصيته وظروفه، وان القومية العربية شعار لمرحلة!

هذه آراء مستوردة لا تنبع من صميم القضية وفيها تناقض، اذ ان هذه السرعة التي تم فيها الانسجام وانجلاء الوعي العربي بين أقطارنا تدل على أن ثمة حقيقة كانت كامنة ولم تتطلب جهدا كبيرا حتى تظهر وتكشف عن نفسها، في حين أنه لو لم تكن هذه الحقيقة قائمة موجودة، لو لم تكن مقومات الامة موجودة في شعبنا العربي كله، لاستحال ان يظهر هذا الانسجام بين أقطار كانت متباعدة في أكثر الاشياء، وانه كان يكفي ان تزال طبقة من السياسيين المحترفين حتى تعلن هذه الحقيقة عن نفسها وتفرض نفسها فرضا. وهذا التجاوب ما كان يتم لو لم يكن مستندا الى واقع حي.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى