وثائق سوريا
كلمة غورو في الوليمة التي أقيمت على شرفه بدمشق في 7 آب 1920

أشكركم على حضرة رئيس الوزارة على الكلمات التي وجهتموها لي فآمالكم سوف لا يكون نصيبها الخفوق، فإن فرنسا ما جاءت إلى هذه البلاد كمستعمرة وسترونها راغبة بكل إخلاص في أن تضمن استقلالكم في ظل عهد الانتداب الحر، ولكن بشرطان لا يغدو الاستقلال ضاراً بها وأنكم تعلمون بكل آسف أن الأمر كان على غير ما نشتهي حينما عاد الأمير فيصل من فرانسا، وذلك في شهر كانون الثاني الأخير كان قد أبرم اتفاقاً مع المسيو كلمنصو الذي كتب لي يومئذ عن هذه الاتفاق ، وأن الأمير يعود إلى سوريا ليعرب عن نزاهته ويثبت نفوذه في تهدئة الخواطر، حتى إذا لم يستطع أن يأت ببرهان واستمرت حوادث تلكلخ ومرجعيون على سيرها فإن الحكومة الفرنسية تجد نفسها مطلقة من كل قيد وتعمل أعمالها بحرية.
وفد أكد لي الأمير في بيروت صدق وعوده، واعترف بأنه هو الذي أعطى في بارس الأمر بإثارة تلك الهجمات التي شكوت منها، وزاد على ذلك أنه سيخمد بسهولة تلك الحركات التي عمل هو على اثارتها، وتعلمون أيها السادة كيف أن الأشهر التي تعاقبت حطت كل يوم من قيمة تلك الوعود الجميلة فإن الأمير رجع إلى دمشق في السابع عشر من كانون الثاني اذا لم أكن مخدوعاً في ظني فإنه ومنذ الثامن والعشرين من الشهر المذكور حاول أحد ضباط الأمير المدعو فؤاد سليم أن ينسف مع عصابة مؤلفة من خمسين شخصاً الجسر الواقع على نهر الليطاني في غرب جديدة مرجعبون وقد ذهبت المجهودات المبذولة في هذا السبيل عبثاً، وتعددت مثل هذه المهاجمات التي يصعب علينا سردها، حذراً من أن يتسرب الملل والضجر، وقد كانت هذه الهجمات تتوالى تارة من الشمال وتارة من الجنوب، على طول الحدود، أي من تخوم فلسطين إلى لواء الاسكندرونة.
ومما هو جدير بالذكر أن العصاة التي كانت تهاجمنا لم تكن متشكلة من الأشقياء فقط بل كان يقوم على رأسها ضباط الجيش النظامي، وهذه العصابات ممدودة بالأسلحة والاعتاد والمال ومع أن فتكها لم يكن شديداً في جنودنا فإن أضرارها كانت عظيمة على الأهلين المسالمين إذ هدمت بيوتهها ودمرتها تدميراً، وأحرقت القرى والدساكر ونهبت الأموال والمواشي، وقد كانت أعمال الحكومة الشريفية الرسمية لا تقل بإزاء فرنسا عداء عن أعمال صعاباتها.
فهل يجب أن أعيد أمامكم ذكرى رفض العملة السورية ومنع تصدير الحبوب إلى المنطقة الغربية، ورفض الانتداب لسوريا الذي أنيط بفرنسا من قبل مؤتمر السلم.
ثم القرار القاضي بالخدمة الإجبارية، وهو تكليف ثقيل ترزح تحت أعبائه الشعوب، وفوق ذلك فإن هذه الخدمة الإجبارية تعد عملاً عدائياً موجهاً ضد فرنسا.
ومن ثم فإن الأمير وحكومته قد رفضا ان يتركا لنا حرية استعمال الخطوط الحديدية الفرنسوية من رياق إلى حلب مع أن هذه الخطوط كانت ضرورية لنا لمتابعة أعمالنا الحربية ضد الأتراك وكل ذلك في سبيل سلامة سوريا وهذه الأعمال هي التي حملت رجلاً تحترمونه وهو – الكولونيل تولا- وكثيراً ما سعى هذا الرجل مثل سعيي- على تنبيه الأمير إلأى مهواة الخطر التي ينحدر إليها وقد كان يقول لسموه ان ابائكم علينا خط حلب هو طعنة خنجر تصوب إلى ظهور جنودنا، وأنا بنفسي أظهرت للأمير الخطر الذي تنقاد إليها البلاد بواسطة أعماله وأعمال المحدقين به.
لقد صبرت فرنسا صبراً طويلاً ولكن صبرها صار إلى النفاذ وجاء اليوم الذي لا ينفع فيه صبر ولا تؤدة فأمرتني الحكومة الفرنسوية أن أرسل إلى الأمير الإنذار الذي تعرفون أمره وتعرفون أيضاً أن البرقية التي كان من شأنها أن تمنع جنودنا عن الزحف إلى الأمام لم تصلنا في مساء 20 تموز لأن الأسلاك البرقية كانت قد أجهزت عليها احدى عصابات اللصوص التي تشجعها الحكومة والأمير فنالوا هكذا جزاء أعمالهم.
وفي اليوم الحادي والعشرين من تموز لما عملت البرقية أصدرت الأوامر بإيقاف سير الحملة بكل صدق مع مافي توقيفها من الموانع فيما لو استؤنفت الحركات لأن هذه التوقيف يسمح للجيش الشريفي أن يعزز مواقعه التي كان يتبجح بصدنا فيها ويقوي مراكزه فيقوم بحركاته ضدنا ولكنني حرصاً على شرف وتقاليد البلاد التي انتسب إليها، وشرفي أيضاً لم أتردد برهة في إصدار الأمر بتوقيف الحركات، وتعلمون أيضاً أنه في الثاني والعشرين من تموز – وخلال تلك الهدنة- كيف أن كتيبة عربية خرجت من حمص مغيرة على جنودي في تلكلخ فانهزمت الكتيبة وأخذ منها 51 أسيراً بينهم ضابطان وثلاثة مدافع وعشرة مدافع رشاشة.
فأصبح من الواجبات المحتمة أن نعاقب هذه الخيانة، وفي ليل الثالث والعشرين من تموز أعطيت أوامري بالمهاجمة وكنت شديد الوثوق بإدرك الظفر، لأني قضيت أربعة أعوام في معالجة المعارك الكبرى، وكنت واثقاً أيضاً من بسالة جنودي الباهرة ومن قوة السلاح الذي يحملونه في أيديهم.
وفي صباح الرابع والعشرين من تموز تداعت قوى الجيش الشريفي بعد معركة دامت ساعات معدودة، ولولا حكمتكم في قبولكم الأمر الواقع لما كانت مدينة دمشق تخصلت من التدمير تحت وابل القنابل.
ويجب أن تعتقدوا أيها السادة بأنني لا أسر بذكر الحوادث التي كانت الباعث إليها خطأ حكومتكم ورأس تلك الحكومة فقد كانت عاملاً قوياً على إذكاء العداورة ولكنني أردت أن أشرح لكم بكل إيضاح أن فرنسا بالغت في خطة الصبر وأن المسؤولية في ذلك تقع على الحكومة السابقة وعلى الأمير فلنغمض الطرف عن الماضي ولننظر إلى المستقبل.
إن سلوك الجنود الحسن، دليل على حسن نظامهم، وبسالتهم كما أنه دليل قاطع يقضي على تلك الاعتقادات والوشايات التي كانت توجه إليهم.
إنكم تنتظرون مني كلمات تعملون منها نيات فرنسة فلأذكر لكم من منشوري وان كان ذلك من باب التكرار.
إن فرنسا ترغب بل أنها ترى من واجباتها نجاز شروط الانتداب الذي عهد به إليها مؤتمر السلام ولكنها وفقاً لماضيها الشريف ترى من نفسها في تحقيق هذا الانتداب ما هو صالح ومفيد لسوريا وإنماء ثروتها مع ضمانة استقلال شعوبها التي اعترف بها رسمياً.
ان فرنسا تود أن تبذل مساعدة رجالها الفنيين لتنظيم المصالح العامة،وأن تنفق الأموال في استثمار منابع الثروة المحلية، أفلا يعد أسلوبنا هذا عظيماً وكثير النتائج؟
ان النجاح لا يدرك إلا إذا تعاون الفريقين واتحدا اتحاداً لا يستغنى عنه الانتداب، وإنني هنا أكرر ما قلته لكم وهي أنا لم نأت إلى هذه البلاد بقصد التسلط عليكم، ولا بصفة مستعمرين ولا بصفة أعداء الإسلام، ولو لم تشهد لي ايامي السالفة ومالي من عواطف الاحترام للدين الإسلامي والميل إلى المسلمين لكفت الثمانية الأشهر التي قضيتها في سوريا أن توجد بي عطفاً حيال المسلمين وكذلك نحو المسيحيين لما أجد فيها أصدقاء لفرنسا.
إنكم إذا قمتم بالشروط التي قدمتها في إنذاري ووبالتي كانت نتيجة الأعمال العدائية التي لابد من تقيدها فإنكم ستحدون مساعدي وأنا أيضاً نتوق للعمل في ظل “….” لإنماء الثروة هذا البلد الجميل.
السلام هو ضروري جداً لسوريا كافة ولكن الشام عانت أكثر من بيروت لقرب هذه الأخيرة من البحر وقد كان الضرر على الشام أشد مما كان على غيرها بسبب الخطة السيئة التي كانت ترمي إلى إحداث حاجز بين شعبين لا مناص من اتفاقهما لأن ليس في وسع أحدهما الاستغناء عن الآخر على أن الحاجز قد ازاحه مدفع خان ميسلون وسأبذل مجهودي في محو العثرات، بعد أن تتحروا من تلك القيود الاقتصادية التي كثيراً ما لحقت الضرر بتجارة الشام، بعد أن تتخلصوا من عبء الخدمة العسكرية الثقيل فيمكنكم أن تبذلوا مجهوداتكم إلى استصفاء منابع الثروة في البلاد فتزدهر زراعتكم وتجارتكم وصناعتكم.
إن صبري الطويل حيال الحكومة القديمة “واعتمالي” في المفاوضات، ثم تلك المعارك تدل دلالة أكيدة على أني مع تصميمي ومقدرتي على صيانة حرمة وطني، فإنني لم أت إلى سوريا ظامئاً إلى المجد العسكري، فحسبي ورفقائي ما نلناه من مفاخر الحرب الكبرى .
آمالي هي أن اشتغل لخير سوريا برمتها وستكون مهوداتي مبذولة بصورة خاصة في سبيل اسعاد هذه المدينة التي هي لؤلؤ الإسلام المرصعة بزمرد فراديسها الغناء.
إنكم يا معشر السوريين في أشد الحاجة إلى معونة فرنسا وأنا في حاجة إلى مشاركتكم فلا تبتعدوا عنا وأقبلوا يدي الممدودة إلى مصافحتكم باسم فرنسا.