مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر
الحزب في السلطة
إن المحك الأساسي بالنسبة لأية حركة سياسية هو الحكم، وباستلام الحزب للسلطة في قطري العراق وسورية بعد انقلابي الثامن من شباط والثامن من آذار 1963، وُضِع الحزب لأول مرة أمام هذا المحك الخطير، وغدت قيادات الحزب وقواعده في مواقع المسؤولية، وأصبحت الضرورة ملحة لرسم ملامح المستقبل الذي يجب على الحزب بناء تجربته الخاصة وفقها، وطُرِحت معالم الطريق في تقرير عقائدي وآخر تنظيمي على المؤتمر القومي السادس تشرين الأول 1963، ومع طرح التقرير العقائدي الذي كانت قد أعدته لجنة حزبية بإشراف القيادة القومية، ظهرت الأزمة مجدداً وبكل حدتها، وهي الأزمة القديمة التي حملت معها بذور التناقضات الجديدة، بدءاً من المؤتمر التأسيسي إلى المؤتمر القومي الثاني، إلى المؤتمر القومي الثالث، إلى المؤتمر القومي الرابع، مروراً بالمؤتمر القومي الخامس فالمؤتمر القومي السادس، واستمرت فيما بعد إلى المؤتمر القومي السابع شباط 1964، ومن ثم إلى المؤتمر القومي الثامن نيسان 1965.
لقد وضع المؤتمر القومي السادس الصيغ العقائدية (بعض المنطلقات النظرية) والتنظيمية (تعديل النظام الداخلي) حيث وجوب تجسيد فكرة الحزب الثورية في بنيته التنظيمية، ولقد مثلت مقررات المؤتمر القومي السادس خطوات أساسية في تطوير فكر الحزب وكانت قفزة في طريق الثورية والعلمية والاشتراكية وفي طرح قضايا النضال العربي طرحاً طبقياً، كما بيّن هذا المؤتمر الأخطار التي تنجم عن التداخل والتماهي بين الحزب والسلطة، وإلى محاذير انغماس قيادات الحزب وقواعده في أعمال الحكم اليومية ومخاطر الابتعاد عن جماهير الشعب،كما أكدت تلك المقررات على ضرورة ارتقاء التنظيم الحزبي ليُصبح قادراً على قيادة الأغلبية الساحقة للجماهير، وعلى ممارسة الديمقراطية المركزية في منظماته، وأوصى هذا المؤتمر القيادةَ القوميةَ التي ستُنتخَب منه، الطلب إلى القيادة القطرية في كل من سورية والعراق للمباشرة الفورية ببناء الجيش على أساس عقائدي، وهذا يعني تحويل الجيش إلى أداة ثورية.
فقد الأستاذ ميشيل عفلق ومؤيدو وجهة نظره في هذا المؤتمر زمام المبادرة، وكثيرة هي المرات التي غادر فيها قاعة الاجتماع كوسيلة احتجاج على توجهات المناقشة فيه، كما أنه بذل ضغوطاً كبيرة للحيلولة دون إقرار التقرير العقائدي، ولكن تلك الضغوط لم تلق تأييداً إلاّ عند عدد قليل جداً من المؤتمرين، وفي الوقت ذاته، أُصيب الأستاذ صلاح البيطار بفشل كبير لعدم انتخابه في عضوية القيادة القومية.
إن المؤتمر القومي السادس كان مؤتمراً نوعياً ومتميزاً للحزب لسببين:
أولهما، أن التقارير المطروحة على المؤتمر مثلث دليلاً للنهج الذي سينشئ حكم الحزب تجربته وفقها.
ثانيهما، أن جل أعضائه، وخاصة مندوبي سورية والعراق ولبنان، كانوا منتخبين من القواعد الحزبية في أقطارهم، بعد أن كانت الممارسة الحقيقية للديمقراطية في الحزب معدومة في كل المستويات، وكان التنظيم خلالها رهن إرادة مؤسسية، يتكيفون به حسب مشيئتهم.
إن ما عُرف بـ (القيادة التاريخية) كانت تقف بشكل دائم في وجه الإرادة الحزبية التي تتمثل في الأغلبية الكبيرة من القواعد الحزبية، تلك الإرادة التي تخلص لمنطق التطور التاريخي وتتمسك بمقررات مؤتمرات الحزب، كما أن محاولات القيادة التاريخية، التي كانت تتكرر، لإحداث ردة على مقررات مؤتمرات الحزب ومواقفه العقائدية كلما كانت لا تتوافق مع أفكارها، وتجلى ذلك بشكل واضح في الموقف من مقررات المؤتمر القومي السادس، وخاصة موقف الأمين العام الأستاذ ميشيل عفلق من التقرير العقائدي، وكان يرى أن ما ورد فيه هو تضحية بالمستقبل من أجل تبرير الحاضر. ولم يكن قادراً لا فكرياً ولا نفسياً على تبنيه أو اعتناقه، ولذلك كان مصير التقرير الإهمال وتمييع أمر توزيعه على منظمات الحزب بذريعة عدم انجاز كتابة مقدمة ذلك التقرير التي كُلف الأمين العام بكتابتها، كما أن القيادة التي استمرت طويلاً في السيطرة على الحزب لم تكن قادرة ثقافياً على الانسجام مع الطرح الطبقي، الذي أقره التقرير، للقضايا النضالية العربية.
إن المؤتمر القومي السادس، قد تعرض إلى نقد بعض الأفكار والآراء التي خلّفها قصور الحزب الفكري، وأتاح بالتالي تطوير عقيدة الحزب الفكرية ووضوحه الأيديولوجي وتماسكه التنظيمي، وكفل مواجهة علمية ثورية لقضايا النضال العربي، كل ذلك ضمن إطار قومي أتاح تطويراً عميقاً يستشرف المستقبل بوضوح دون انقطاع عن ماضي الحزب وتراثه، ولتأكيد ذلك قرر المؤتمر حذف مقدمة التقرير العقائدي وترك أمر صياغتها من جديد للرفيق الأمين العام على أن توافق عليها القيادة القومية، ولم تنجز كتابتها إلا بعد تأكيد المؤتمر القومي السابع شباط 1964، على ضرورة صياغتها وإقرارها وإصدار التقرير العقائدي وتعميمه على المنظمات الحزبية.
إن الخلافات التقليدية في الحزب بعد هذا المؤتمر يجب أن تُطرح طرحاً مبدئياً، يتناول الفكر، والتطبيق، والتنظيم، بعد أن كان الطرح في الماضي منصبّاً على النواحي التنظيمية، كما أن هذا المؤتمر قد حدد علاقة الحزب بالحكم، كما حدد صلاحيات المؤسسات الحزبية، كالتالي:
ـ المؤتمر القومي كأعلى سلطة في الحزب، يضع الأسس العامة للبرنامج المرحلي الذي تحوله القيادة القومية إلى برامج مرحلية عملية تشمل جميع الأقطار، ولها الرأي الأول على مستوى التخطيط العام وعلى مستوى التشريع والسياسة العليا، أما في الأمور الأخرى فلا يجوز ذلك حتى لا تصبح القيادة القومية هي قيادة القطر.
–القيادة القطرية، طالما الحزب حاكم في قطر من الأقطار، هي التي تضع الخطط التفصيلية لتنفيذ البرامج التي تُقرها القيادة القومية على مستوى قطرها، وتكون هي مراقبة لتصرفات الحكم، أي أن الحكم مسؤول أمامها.
وفي توصيات سياسية متفرقة، أقر المؤتمر:
أنْ تُقبل قواعد الوحدويين الاشتراكيين والقطريين الذين كانوا حزبيين سابقين ولم يسيئوا للحزب، على أن يبقوا تحت التجربة والمراقبة لفترة سنة على الأقل وبصورة فردية، أما بالنسبة للوحدويين الاشتراكيين والقطريين كتنظيم فيجب محاربتهم بشدة، لأنهم يعادون الحزب بشراسة.
اقرأ:
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)
البلاغ رقم 3 لحركة 23 شباط 1966
بيان ميشيل عفلق حول إنقلاب 23 شباط 1966
محمود جديد : المقدمات والأسباب المباشرة لحركة 23 شباط 1966
صحيفة المنار 1966- التنافس الروسي – الصيني في سورية