ولد محمد مرعي بن الحاج صالح آغا المـلاّح في حلب عام 1853م.
ينتسب لإحدى الأسر الحلبية ذات النفوذ والمكانة التي تنتمي لعشيرة البو خميس المتفرعة عن عشيرة الدليم، استوطن أسلافه مملحة الجبول في أواسط القرن السابع عشر، فأقرهم العثمانيون فيها، وانتقل جده الأعلى “أبو بكر آغا” أمين الجبول إلى حلب، حيث تولى قيادة الجيش عام 1775، ثم أصبح متسلم حلب عام 1776، وجمع بينهما حتى عام 1780.
والده الحاج صالح آغا الملاّح عين أعيان حلب.
والدته كرجية الأصل نشأت في قصر السلطان عبد المجيد الأول، وكرجية تعني أن أصولها من جورجيا.
زوجته: السيدة أسماء الأوبري.
الأبناء: سيف الدين بك، عبدالقادر ناصح بك، أحمد نصرة بك، محمد صبحي بك، عبدالمحسن كامل بك، محمد علي بك.
الدراسة:
درس في مدارس حلب قبل ان ينتقل إلى استتنول لدراسة الحقوق.
حمل شهادة في الحقوق بعد اجتيازه الامتحان المسلكي لدى نظارة العدلية بالأستانة،
الحياة العملية:
عين رئيساً لبلدية حلب حتى عام 1907م.
تقلب في مناصب الدولة العثمانية حتى بلغ درجة “االمتصرف” (محافظ) في عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، معيناً متصرفاً لسنجق مرعش (1907) ثم سنجق أورفة (1908).
انتخب نائباً عن ولاية حلب في في مجلس المبعوثان – الدورة التشريعية الأولى (المشروطية الثانية): عام 1908 وحتى عام 1909.
في عام 1909 تولى إدارة أوقاف ولاية حلب وبقي فيها مدة سنتين، ثم استقال بعدما سيطر الاتحاديون على نظارة الأوقاف. وفي غضون ذلك عين في عام 1911 عضواً في اللجنة التي عهد إليها بالتحقيق في الحفريات التي تم إجراؤها تحت قبة الصخرة في الحرم القدسي الشريف على يد بعثة أثرية بريطانية برئاسة الكابتن مونتاغو باركر، وما تردد عن قيامها بسرقة آثار تعود إلى عهد الملك سليمان، وقد أثبتت التحقيقات عدم وقوع السرقة لانتفاء وجود تلك الآثار أصلاً. وعين بعدئذ رئيساً ثانياً للمجلس العمومي لولاية حلب (1913-1914).
في السابع والعشرين من تشرين الأول من عام 1918 دخلت القوات العربية بقيادة الشريف ناصر حلب. كما دخلتها القوات البريطانية بقيادة الجنرال ماك أندرو. وأقر مرعي باشا الملاّح رئيساً للحكومة المحلية التي كانت قائمة بحلب.
بعد أيام قليلة ومع وصول الجنرال اللنبي إلى حلب قام الأخير بإنهاء تكليف الملاّح برئاسة الحكومة المحلية، وعين الفريق كامل باشا القدسي حاكماً عسكرياً عاماً وبدأ الحكم الفيصلي فيها. وأما الملاّح فقد عين عضواً في مجلس شورى الدولة بالعاصمة دمشق.
في كانون الأول 1918 سمي متصرفاً لدير الزور، التي كانت تضم الفرات والجزيرة،وعين بعد ذلك قائمي مقام في قضاء الميادين والبوكمال، وكان ينوي توسيع سيطرته لتشمل عانة في العراق.
ولما دخل الإنكليز دير الزور بعد شهر رفض تسليمهم إدارة المنطقة وإنزال العلم العربي. ولّما تشبث بموقفه، حصل الإنكليز على وثيقة رسمية من الحاكم العسكري العربي بحلب تؤكد إقرار الحكومة العربية بخضوعها للحكم البريطاني، فما كان منه إلا أن استقال من منصبه احتجاجاً.
وفي شباط من عام 1919 اعتقلته السلطات البريطانية في مقدمة من اعتقلتهم من زعماء حلب بتهمة التحريض على الفتنة إلا أنه أطلق سراحهم بعد نحو شهر بمسعى من الأمير فيصل الذي كان ما يزال يرأس الوفد العربي إلى مؤتمر الصلح في باريس.
وفي العام نفسه انتخب رئيساً ثانياً للمؤتمر السوري العام بدمشق، واشترك في صياغة قرار الاستقلال، ومبايعة فيصل الأول ملكاً، ووضع أول دستور للبلاد.
في عهد الانتداب الفرنسي أسند إليه منصب مدير الداخلية العام “وزير” ووكالة الحاكمية العامة في دولة حلب في عام 1920، لكنه ما لبث أن استقال في العام التالي بسبب تعدي الفرنسيين على صلاحياته.
في كانون الثاني من عام 1924 شغل منصب حاكم دولة حلب العام، وأخيراً، سمي في عام 1925 والياً على حلب بدرجة “وزير” على أثر إعلان “دولة سوريا” من اندماج دولتي دمشق وحلب.
في مطالع عام 1926 استقال الملاّح من ولاية حلب احتجاجاً على سقوط ثمانية قتلى وعدد من الجرحى بنيران قوات الانتداب في مظاهرات شعبية كان السبب المباشر لها مقاطعة الانتخابات التي دعا إليها المفوض السامي دي جوفنيل، والمطالبة بإطلاق سراح الزعماء الوطنيين الداعين للمقاطعة ومن بينهم نجله عبد القادر ناصح بك الملاح؛ فاعتزل العمل السياسي وانصرف للاهتمام بالأعمال الزراعية والعمرانية.
تقاعده:
صدر أول استثناء لأصحاب المناصب من قيد تحديد السن في الدولة السورية من أجل دولة مرعي باشا الملاح (1853-1930)؛ وذلك حينما أُعيد إلى الخدمة بعد إحالته على التقاعد نظراً لبلوغه سن الخامسة والستين، معيناً أولاً حاكماً عاماً لدولة حلب في العام 1924، وهو في الواحدة والسبعين من عمره، ثم تسميته والياً على حلب على أثر إعلان (دولة سوريا) من اندماج دولتي دمشق وحلب السابقتين في العام 1925، وهو في الثانية والسبعين من عمره.
في الثالث والعشرين من كانون الأول 1926م أصدر الداماد أحمد نامي بك القرار ذي الرقم (636) القاضي بتخصيص راتب تقاعد إلى دولة مرعي باشا الملاح والي حلب السابق وحسابه مجدداً على أساس خدماته لتاريخ انفكاكه من مقام الولاية، ويتضمن الإشارة إلى استثنائه من قيد تحديد السن حينما صدر القرار باستخدامه حاكماً ثم والياً.
إنجازاته العمرانية
إنشاء برج الساعة في ساحة باب الفرج إحياءً لذكرى مرور خمسة وعشرين عاماً على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني العرش عام 1899، كما وضع أول قانون للتجميل العمراني وفق أسس تنظيمية حديثة، وأحدث منطقة السريان إثر هجرة أهل أورفه إلى حلب، وحول المكتب الرشدي الكائن تحت القلعة إلى مدرسة صنائع ثانوية، كما أشرف على تشييد كل من قصر الناعورة واتخاذه مقراً للمجلس النيابي لدولة حلب “المتحف القديم”، وقد أزيل في عام 1959 ليقام في مكانه مبنى يشغله حالياً “متحف حلب الوطني”، ومبنى قيادة الدرك السورية العامة بالجميلية، ومستوصف يحمل صفة المشفى “بجب القبة” لمعاينة الفقراء مجاناً، على قطعة أرض يملكها وقد تبرع بها لإقامة هذا المشروع الإنساني فسمي باسمه “مستوصف مرعي باشا”، والكلية العلمانية “اللاييك” وتدعى اليوم “صفية القرشية للفنون النسوية” وقسمها الآخر “ثانوية العروبة”.
كما قام بتأسيس مصلحة الغراس ونظم بستان مرعي باشا في العزيزية وحوله إلى حديقة عامة عرفت باسمه “حديقة مرعي باشا الملاح”، إضافةً لحديقة عامة أخرى “بجب القبة” أطلق عليها اسم الجنرال بيوت مندوب المفوض السامي آنذاك وما تزال قائمة إلى يومنا هذا مع إزالة الاسم الفرنسي.
كما قام بتدشين طريق باب النيرب، وطريق المسلمية، وطريق الميدان، وشارع الجنرال دو لاموت “العزيزية” وشارع باريس وشارع قويق بعدما تم تعبيدها جميعاً بمادة الإسفلت، وأعاد بناء جسر الناعورة، ودشن كلاً من المسلخ البلدي، ومستودع المواد المشتعلة، ودار العجزة، وشق طريق حلب ـ أنطاكية، وحلب ـ اللاذقية، وحلب ـ دمشق.
إضافةً لتشييد مشفى الرازي، والشروع في تمديد خطوط الترامواي والكهرباء، وتأسيس كلية حلب الأمريكية، إضافةً لإحداث الدائرة البيطرية، وبناء المدارس والمستوصفات ودور الحكومة والجسور في الكثير من المدن والأقضية والنواحي، وتحضير العشائر، وتشجيع زراعة القطن، وجر المياه إلى إدلب. كما نفذ مشاريع كثيرة أخرى يطول حصرها.
ومما امتاز به أيضاً حبه للعلم والأدب؛ فساهم في تأسيس الدراسات الإسلامية في حلب بإحيائه المدرسة الخسروية، وجمع مكتبة قيمة أوقفها في حياته على كل من المدرسة الخسروية ودار كتب الأوقاف الإسلامية بحلب، وكان من مؤازري المجمع العلمي العربي بدمشق في طور تأسيسه. وله الفضل في إقامة كل من جمعية العاديات ودار كتب الأوقاف الإسلامية.
بلغ رتبة “روم ايلي بكلربكي” التي هي من أرفع الرتب المدنية التي يلقب حاملها بالباشا وتعادل رتبة “الفريق” العسكرية في الهرمية العثمانية. ونال العديد من الأوسمة العثمانية والفرنسية والسورية.
مرعي الملاح واتفاقية أنقرة:
دولة حلب في البرلمان الفرنسي- نائب فرنسي ينقل احتجاج حاكمها مرعي باشا الملاح على تحديد الحدود السورية وفق اتفاقية أنقرة الأولى
شهد خريف العام 1924 عقد المجلس النيابي الفرنسي جلسة تتعلق بتداعيات احتدام الخلاف التركي البريطاني بشأن مسألة/ قضية الموصل الغنية بالنفط على مدينة حلب ودولتها، واحتمال الانزلاق إلى حرب إقليمية، والضغوطات التي كان يمارسها الأتراك على الفرنسيين في سوريا من أجل السماح لهم بنقل قواتهم إلى الموصل عبر الأراضي الواقعة تحت الانتداب الفرنسي؛ وذلك عن طريق التهديد بالاستيلاء على حلب والاسكندرونة، واستخدام ورقة المياه بوصفها سلاحاً في الخلافات السياسية عبر تحويلهم مجرى مياه نهر القويق الذي ينبع من الأناضول عن حلب.
وكان لافتاً في هذا السياق نقل النائب الفرنسي المسيو إدوار سولييه (Edouard Soulier) احتجاج حاكم حلب الوطني آنذاك مرعي باشا الملاح على تحديد الحدود السورية وفق اتفاقية أنقرة الأولى المبرمة بين الفرنسيّين والأتراك الكماليّين، التي تنازلت فرنسا بموجبها عن (18) ألف كم2 من الأراضي السوريّة التي كانت تابعة لولاية حلب، وشملت كيليكيا وقسماً كبيراً من الجزيرة (مرعش وأورفة وكلس وعنتاب). كما أنها نصت على منح لواء إسكندرونة وضعاً خاصاً يتمتع فيه السكان الأتراك بامتيازات للحفاظ على ثقافتهم وعلى جعل اللغة التركية لغة رسمية في اللواء.
ومما قاله النائب سولييه في مداخلته التي نشرت في الجريدة الرسمية الفرنسية: “لقد سمعت حاكم حلب الوطني يحتج بصفته الشخصية احتجاجاً قوياً على تحديد الحدود السورية الحاضرة، لأنه يحرم مدينته ودولته من الثروة المعدة لحضارتها. وقد احتج خاصة لاحتلال الأتراك لعينتاب وكلس حيث منابع المياه التي تسقي مدينة حلب”.
ولا ريب أن احتجاج حاكم حلب الملاح على اتفاقية أنقرة الأولى كان مبعثه استشعاره تضاؤل اقتصاديات حلب في ظل الانتداب وتراجعها بفعل سلخ لواءي أورفة وعينتاب اللذين كانا تابعين لولاية حلب وضمهما لتركيا الكمالية بموجب الاتفاقية تلك، وتعيين الحدود الجديدة مع المنطقة الخاضعة للانتداب البريطاني، ولاسيما في العراق. مما أدّى إلى إلحاق الضرر بتجارة المسافات البعيدة التاريخية لحلب عقب قيام الحدود الجمركية والسياسية “المصطنعة” التي رسمتها فرنسا وبريطانيا إثر الانهيار العثماني، وعزل حلب عن عمقها الاقتصادي في الأناضول والعراق، بالإضافة إلى تأكيده على أهمية استمرار تدفق مياه نهر القويق إلى حلب، والذي يمثل شريانها المائي والزراعي والحيوي.
ولا يمكن عزل موقف حاكم حلب الملاح عن تحولات الهوية الحلبية من “العثمنة” إلى “السورية”، التي بدأت بالتكوُّن بالفعل بحلول أوائل العشرينيات من القرن المنصرم، ما رسم قطيعة تاريخية مع الحقبة العثمانية في أعقاب زوال الإمبراطورية العثمانية وإعلان الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال في عام 1923.
الأوسمة والتكريم:
وسام الشرف للاستحقاق السوري من الدرجة الأولى.
الوفاة:
توفي ودفن في حلب عام 1930.
أنظر:
قرارات مرعي الملاح في دولة حلب
توقيع محمد مرعي باشا الملاح حاكم دولة حلب عام 1924
البطاقة النيابية العثمانية لمرعي باشا الملاح
مجموعة الطوابع التذكارية المهداة إلى مرعي باشا الملاح
قرار قبول استقالة الملاح باشا والي حلب وتكليف محمود الحكيم عام 1926
قرار رئيس دولة سورية حول تخصيص راتب تقاعدي إلى مرعي باشا الملاح
من جامعة القاهرة.. رسالة دكتوراه تناقش مرعي باشا الملاح ودوره الإصلاحي
صور مرعي الملاح:
صور عام 1909:
الصورة الرسمية لنائب حلب مرعي باشا الملاح في مجلس المبعوثان
صور عام 1925:
الدكتور رضا سعيد في ضيافة مرعي باشا الملاح
توقيع محمد مرعي باشا الملاح حاكم دولة حلب العام في الثالث عشر من آذار عام 1924م.
الدكتور رضا سعيد في ضيافة مرعي باشا الملاح عام 1925
البطاقة النيابية العثمانية لمرعي باشا الملاح
مجموعة الطوابع التذكارية المهداة إلى مرعي باشا الملاح
الشاهدة الغربية لقبر مرعي الملاح
الشاهدة الشرقية لقبر مرعي الملاح
اقرأ ايضاً:
المراجع والهوامش:
(1). جرى تعيين صالح كتخدا رئيس غرقة التجارة في حلب رئيساً لبلديتها. انظر: صحيفة البشير- بيروت، العدد 1824 الصادر يوم الاثنين الثالث والعشرين من أيلول عام 1907
(2). السوريون في مجلس المبعوثان - الدورة التشريعية الأولى (المشروطية الثانية): 1908- 1912
(3). الحكومة المحلية في حلب 1918
(4). من مذكرات أدهم آل الجندي: مرعي باشا الملاح والكباش العربي البريطاني في دير الزور
(5). المؤتمر السوري العام (1919- 1920)
(6). قرار قبول استقالة الملاح باشا والي حلب وتكليف محمود الحكيم عام 1926
(7). قرار رئيس دولة سورية حول تخصيص راتب تقاعدي إلى مرعي باشا الملاح
(8). عمرو الملاح، التاريخ السوري المعاصر
(9). صحيفة "مرآة الغرب" (نيويورك)، س 26، ع 22، تا 7 تشرين الأول 1924، إعداد: عمرو الملاح 28.05.2024
(10). الجريدة الرسمية - دمشق، العدد 24 الصادر في 31 كانون الأول عام 1928م.
المراجع والهوامش:
(1). جرى تعيين صالح كتخدا رئيس غرقة التجارة في حلب رئيساً لبلديتها. انظر: صحيفة البشير- بيروت، العدد 1824 الصادر يوم الاثنين الثالث والعشرين من أيلول عام 1907
(2). السوريون في مجلس المبعوثان - الدورة التشريعية الأولى (المشروطية الثانية): 1908- 1912
(3). الحكومة المحلية في حلب 1918
(4). من مذكرات أدهم آل الجندي: مرعي باشا الملاح والكباش العربي البريطاني في دير الزور
(5). المؤتمر السوري العام (1919- 1920)
(6). قرار قبول استقالة الملاح باشا والي حلب وتكليف محمود الحكيم عام 1926
(7). قرار رئيس دولة سورية حول تخصيص راتب تقاعدي إلى مرعي باشا الملاح
(8). عمرو الملاح، التاريخ السوري المعاصر
(9). صحيفة "مرآة الغرب" (نيويورك)، س 26، ع 22، تا 7 تشرين الأول 1924، إعداد: عمرو الملاح 28.05.2024
(10). الجريدة الرسمية - دمشق، العدد 24 الصادر في 31 كانون الأول عام 1928م.