You dont have javascript enabled! Please enable it!
سلايدمقالاتموضوعات مختارة

ياسر مرزوق: وجوه من وطني.. مرعي باشا الملاح

ياسر مرزوق – العدد 170 سوريتنا

في سوريا أعرق مدنيةٍ في البشرية غالباً ما سبقت المدينة رجالاتها، بحيث يندر أن تنسب مدينةٌ لرجلٍ أو عائلة إلا أن رجالات سوريا تركوا بصماتٍ لا تمحى في مدنهم، نذكر آل العابد والعظم ومدحت باشا وناظم باشا في دمشق، وإذا ما اتجهنا إلى عاصمة الشمال تبدو بصمات مرعي باشا الملاح راسخةً في تاريخ حلب وحاضرها.

ولد محمد مرعي بن الحاج صالح آغا المـلاّح في حلب عام 1856، لواحدةٍ من أعرق الأسر الحلبية وأكثرها وجاهة والتي تنتمي لعشيرة البو خميس المتفرعة عن عشيرة الدليم، ويتصل نسبها بالصحابي الجليل عمرو بن معدي كرب الزبيدي، وقد استوطن أسلافه مملحة الجبول في أواسط القرن السابع عشر، فأقرهم العثمانيون فيها، وانتقل جده “علي أبو بكر آغا” أمين الجبول إلى حلب، حيث تولى قيادة الجيش عام 1775، ثم أصبح متسلم حلب عام 1776، وجمع بينهما حتى عام 1780.

والده صالح آغا عين أعيان حلب وأكبر تجارها، وأمه كرجية الأصل نشأت في قصر السلطان عبد المجيد الأول، وكرجية تعني أن أصولها من جورجيا، ويبدو أن الجورجيات اشتهرن بحسنهن في حريم سلاطنة آل عثمان، حتى بات الاسم لقباً لأي فتاةٍ جميلة.

تلقى الملاح علومه الأولية في كتاب المدينة، ثم تلقى علومه اللغوية والشرعية في المدرسة المنصورية، ثم الرشدية وأتم دراسته في المعهد السلطاني في الأستانة مشمولاً برعاية السلطان عبد العزيز الأول، حيث تخرج منه في عام 1876. وأتقن إلى جانب العربية التركية والفارسية والفرنسية والإيطالية والأرمنية وألم بالإنكليزية.

في تلك الفترة ورغم انحسار نفوذها السياسي، بلغت الدولة العثمانية أعلى مراحل التنظيم الإداري، ابتداءً بالتنظيمات التي صدرت عام 1839 مروراً بالتنظيمات الخيرية الصادرة عام 1856 إلى أن بلغت ذروتها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876، حيث استوعبت الدولة خيرة الإداريين من جميع الأقاليم الخاضعة لسلطتها.

في العام نفسه عين الملاح عضواً في لجنة الرقابة المحاسبية والإدارية لدى نظارة الخزينة الخاصة المكلفة بالإشراف على إدارة الأراضي السلطانية، ثم مفوضاً فوق العادة قائم بوظيفة رئيس دائرة الشرطة في ولاية حلب عام 1880، انتقل بعدها عضواً ملازماً في محكمة استئناف الحقوق بعد اجتيازه الفحص المسلكي عام 1882.

وفي العام 1885 عين رئيساً لمحكمة التجارة المختلطة في ولاية حلب، تنقل بعدها في المناصب الإدارية، وكلما عهد إليه بإدارة أحد المناصب، قام بعمله على الوجه الأكمل من مجلس العدلية في ولاية حلب، ثم مجلس العدلية في ولاية بغداد، ورئاسة بلدية حلب، والهيئة الاتهامية، والمصرف الزراعي إلى أن بلغ عام 1905 رتبة “روم إيلي بكرلبكي” وهي تعادل رتبة فريق، وصار بذلك من أصحاب المراتب، ونال حظوة عند السلطان عبد الحميد وأوكل إليه التفتيش في عدد من مفاسد الدولة العثمانية، ومنها تحقيقه في تجاوزات أمير اللواء إبراهيم باشا الملّي القائد الأعلى للكتائب الحميدية في عام 1905، وانتخب نائباً عن ولاية حلب في مجلس المبعوثان العثماني عام 1908.

شارك الملاّح في تأسيس “جمعية الاتحاد العثماني”، التي كان هدفها التمسك بالدستور والدفاع عنه. وفي صيف عام 1909 استقال من النيابة لمعارضته تدخل الاتحاديين بشؤون الدولة على نحو مناف للدستور.

ولي إدارة أوقاف ولاية حلب في عام 1909، فبقي فيها مدة سنتين، ثم استقال بعدما سيطر الاتحاديون على نظارة الأوقاف. وفي غضون ذلك عين في عام 1911 عضواً في اللجنة التي عهد إليها بالتحقيق في الحفريات التي تم إجراؤها تحت قبة الصخرة في الحرم القدسي الشريف على يد بعثة أثرية بريطانية برئاسة الكابتن مونتاغو باركر، وما تردد عن قيامها بسرقة آثار تعود إلى عهد الملك سليمان، وقد أثبتت التحقيقات عدم وقوع السرقة لانتفاء وجود تلك الآثار أصلاً، عين بعدها عضواً في المجلس العمومي في حلب.

في 27 تشرين الأول من عام 1918 دخلت القوات العربية بقيادة الشريف ناصر حلب. كما دخلتها القوات البريطانية بقيادة الجنرال ماك أندرو. وأقر مرعي باشا الملاّح رئيساً للحكومة المحلية التي كانت قائمة بحلب.

بعد أيام قليلة ومع وصول الجنرال اللنبي إلى حلب قام الأخير بإنهاء تكليف الملاّح برئاسة الحكومة المحلية، وعين الفريق كامل باشا القدسي حاكماً عسكرياً عاماً وبدأ الحكم الفيصلي فيها. وأما الملاّح فقد عين عضواً في مجلس شورى الدولة بالعاصمة دمشق، إلا أن إقامته في العاصمة لم تطل بحيث سمي في كانون الأول من العام نفسه متصرفاً لدير الزور.

التي كانت تضم الفرات والجزيرة، والتي حررها الملاح نهائياً من الحكم العثماني، وألحقها بالحكومة العربية بدمشق، ونظم الإدارة فيها، وعين قائمي مقام في قضاء الميادين والبوكمال، وكان ينوي توسيع سيطرته لتشمل عانة في العراق.

ولما دخل الإنكليز دير الزور بعد شهر رفض تسليمهم إدارة المنطقة وإنزال العلم العربي. ولّما تشبث بموقفه، حصل الإنكليز على وثيقة رسمية من الحاكم العسكري العربي بحلب تؤكد إقرار الحكومة العربية بخضوعها للحكم البريطاني. فما كان منه إلا أن استقال من منصبه احتجاجاً.

وفي شباط من عام 1919 اعتقلته السلطات البريطانية في مقدمة من اعتقلتهم من زعماء حلب بتهمة التحريض على الفتنة إلا أنه أطلق سراحهم بعد نحو شهر بمسعى من الأمير فيصل الذي كان ما يزال يرأس الوفد العربي إلى مؤتمر الصلح في باريس.

وفي العام نفسه انتخب رئيساً ثانياً للمؤتمر السوري العام بدمشق، واشترك في صياغة قرار الاستقلال، ومبايعة فيصل الأول ملكاً، ووضع أول دستور للبلاد.

في عهد الانتداب الفرنسي أسند إليه منصب مدير الداخلية العام “وزير” ووكالة الحاكمية العامة في دولة حلب في عام 1920، لكنه ما لبث أن استقال في العام التالي بسبب تعدي الفرنسيين على صلاحياته، وفي كانون الثاني من عام 1924 شغل منصب حاكم دولة حلب العام، وأخيراً، سمي في عام 1925 والياً على حلب بدرجة “وزير” على أثر إعلان “دولة سوريا” من اندماج دولتي دمشق وحلب.

في مطالع عام 1926 استقال الملاّح من ولاية حلب احتجاجاً على سقوط ثمانية قتلى وعدد من الجرحى بنيران قوات الانتداب في مظاهرات شعبية كان السبب المباشر لها مقاطعة الانتخابات التي دعا إليها المفوض السامي دي جوفنيل، والمطالبة بإطلاق سراح الزعماء الوطنيين الداعين للمقاطعة ومن بينهم نجله عبد القادر ناصح بك الملاح؛ فاعتزل العمل السياسي وانصرف للاهتمام بالأعمال الزراعية والعمرانية، حتى وفاته عام 1930.

وبالرغم من فعاليته السياسية في مختلف مراحل التاريخ السوري التي عاشها إلا أن انجازاته العمرانية هي ما ستذكره الأجيال لاحقاً نذكر منها: إنشاء برج الساعة في ساحة باب الفرج إحياءً لذكرى مرور خمسة وعشرين عاماً على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني العرش عام 1900، كما وضع أول قانون للتجميل العمراني وفق أسس تنظيمية حديثة، وأحدث منطقة السريان إثر هجرة أهل أورفه إلى حلب، وحول المكتب الرشدي الكائن تحت القلعة إلى مدرسة صنائع ثانوية، كما أشرف على تشييد كل من قصر الناعورة واتخاذه مقراً للمجلس النيابي لدولة حلب “المتحف القديم”، وقد أزيل في عام 1959 ليقام في مكانه مبنى يشغله حالياً “متحف حلب الوطني”، ومبنى قيادة الدرك السورية العامة بالجميلية، ومستوصف يحمل صفة المشفى “بجب القبة” لمعاينة الفقراء مجاناً، على قطعة أرض يملكها وقد تبرع بها لإقامة هذا المشروع الإنساني فسمي باسمه “مستوصف مرعي باشا”، والكلية العلمانية “اللاييك” وتدعى اليوم “صفية القرشية للفنون النسوية” وقسمها الآخر “ثانوية العروبة”.

كما قام بتأسيس مصلحة الغراس ونظم بستان مرعي باشا في العزيزية وحوله إلى حديقة عامة عرفت باسمه “حديقة مرعي باشا الملاح”، إضافةً لحديقة عامة أخرى “بجب القبة” أطلق عليها اسم الجنرال بيوت مندوب المفوض السامي آنذاك وما تزال قائمة إلى يومنا هذا مع إزالة الاسم الفرنسي.

كما قام بتدشين طريق باب النيرب، وطريق المسلمية، وطريق الميدان، وشارع الجنرال دو لاموت “العزيزية” وشارع باريس وشارع قويق بعدما تم تعبيدها جميعاً بمادة الإسفلت، وأعاد بناء جسر الناعورة، ودشن كلاً من المسلخ البلدي، ومستودع المواد المشتعلة، ودار العجزة، وشق طريق حلب ـ أنطاكية، وحلب ـ اللاذقية، وحلب ـ دمشق.

إضافةً لتشييد مشفى الرازي، والشروع في تمديد خطوط الترامواي والكهرباء، وتأسيس كلية حلب الأمريكية، إضافةً لإحداث الدائرة البيطرية، وبناء المدارس والمستوصفات ودور الحكومة والجسور في الكثير من المدن والأقضية والنواحي، وتحضير العشائر، وتشجيع زراعة القطن، وجر المياه إلى إدلب. كما نفذ مشاريع كثيرة أخرى يطول حصرها.

ومما امتاز به أيضاً حبه للعلم والأدب؛ فساهم في تأسيس الدراسات الإسلامية في حلب بإحيائه المدرسة الخسروية، وجمع مكتبة قيمة أوقفها في حياته على كل من المدرسة الخسروية ودار كتب الأوقاف الإسلامية بحلب، وكان من مؤازري المجمع العلمي العربي بدمشق في طور تأسيسه. وله الفضل في إقامة كل من جمعية العاديات ودار كتب الأوقاف الإسلامية.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى