You dont have javascript enabled! Please enable it!
من الصحافة

سامي الشمعة: ذكرياتي عن محطة إذاعة دمشق

صحيفة "آخر دقيقة" الدمشقية

    في عام 1940- 1941 قابلني السيد ميشيل أبو راشد القائم بشؤون المراقبة في دائرة المطبوعات, وقال لي بأن الفرنسيين أنشأؤا محطة إذاعة في دمشق وسألني إذا كنت أقبل الإشراف عليها وإدارتها, وأخذ يقنعني بأن ” استلام ” هذه المحطة – إذا لم يكن من مصلحتي – فهو على كل حال في مصلحة القضية السورية وقضية الحلفاء !.

ووعدت أبا راشد بدرس الموضوع, وزيارة المحطة, وكان لي ما أردت…
وسألت القائم على شؤون المحطة من الناحية الفنية, عن قوتها فقال بأن قوتها لا تقل قوة عن محطة موسكو ولندن وبرلين !.
وسألت عن المسافات التي تصل إليها الموجات, فقيل لي أن المحطة تُسمع في شوارع لندن, والباراغواي, والهند الصينية !.
وسألت عن موازنة المحطة المالية, فقيل لي ان ” الحلفاء لا يقصرون ” وهم حريصون على تأمين النفقات !.
وسألت عن الغاية من إنشاء المحطة فقيل ان غايتها : ( إذاعة الأخبار بسرعة وإعداد برنامج موسيقي وغنائي واسع … في سبيل تأمين ” كيف ” الشعب السوري الكريم ) !.

ولم أجد في هذا الاقتراح – اقتراح مديرية المطبوعات – ثمة ما يحول دون الموافقة على ” استلام ” المحطة ولكنني ترددت !.
وما هي إلا ثلاثة أيام حتى تلقيت كتاباً من دائرة المطبوعات يبلغني فيه مديرها بأنني عينت مشرفاً على المحطة, كما يبلغني قرار من المفوض السامي ينص على : ( ان هذه الوظيفة تابعة لقرار مصادرة ” الطنابر ” والبغال, والموظفين خلال الحرب ) وان الاستقالة منها لا يمكن أن تتم إلا بموافقة المفوضية ! …

واستلمت المحطة – محطة ” هنا محطة دمشق العربية ” تذيع عليكم على موجة طولها, وعرضها, وذبذبة الخ …. – وبدأت المشاكل منذ اليوم الأول !.

فقد كانت المحطة – الشبيهة بمحطة موسكو – عبارة عن راديو, و” فونوغراف” و” علبة صغيرة” وبضع اسطوانات قديمة, ولا تزيد قوتها عن ثلث الكيلووات !..

وهذه المحطة تستطيع أن “تذيع ” … ولكن على من يريد أن يسمعها أن يكون في “الأستوديو” أو في الحي الذي أنشئت فيه – وهو حي الحبوبي – وقل من يتمكن من سماعها في عرنوس … أو ساحة الشهداء وباب الجابية !!.
‏أما موازنة المحطة … فقد كانت عبارة عن … ثمانمئة وسبعين ليرة سورية, نفقات برنامج موسيقي, وغنائي واسع ! .. وبدأنا بالبحث عن المطربين, والموسيقيين وأخذنا نفاوضهم: – الحفلة بثلاث ليرات … يدفع فوقها المطرب من جيبه خمس ليرات ثمن قطعة وسبع ليرات تلحين … كما يدفع أجرة “الاوركسترا” إضافة للتركة !..

أما قارئ القرآن الكريم – فإن راتبه – تشجيعاً للمتدينين, وتنفيذاً لخطة إرضاء المسلمين المؤمنين … لا يزيد عن ثلاث ليرات سورية, يدفع منها ضريبة تمتع وثمن وصل, وضريبة حرب, نصف المبلغ أو يزيد !.

 وكم كنت أخجل عندما يخرج المطرب من غرفة “الأستوديو” – وهي من حصير ؟! – والعرق يتصبب من وجهه, وجسمه, وأعطيه – مع أعضاء الأوركستر الكريم – أربع أو خمس ليرات … بما فيها التمتع وثمن الطابع والوصل, وضريبة الحرب ؟!..
أما مقرؤو القرآن الضريرون فقد كانوا ينتقلون من الميدان إلى الصالحية .. لتلاوة آى الذكر الحكيم .. في سبيل ثلاث ليرات !..
وأما المحاضرون – الدكاترة والأساتذة, وأعضاء المجمع العلمي, فقد كان من المقترح دعوتهم إلى إلقاء المحاضرات, لقاء أربع ليرات سورية وربع ! .. ودعوت بعض أعضاء المجمع العلمي, فقبل القسم الأكبر منهم إذاعة محاضراته – إرضاءً لي – ولكنهم لم يبحثوا في أجر المحاضرات !.
وهل يمكن أن يكون الأجر أقل من محطة القاهرة, أو الشرق الأدنى وهما تدفعان للمحاضر أجرة الطريق, كما تدفعان له 25 جنيهاً عن كل محاضرة على الأقل ؟!.
وذهبت للمرة الأولى إلى دار الأستاذ محمد كرد علي, ورافقته إلى المحطة تحت وابل من المطر, وفي ظلام دامس, فألقى محاضرته …
ورافقت في اليوم التالي الأستاذ المغربي, وأديب التقي, والأمير مصطفى الشهابي … وكانت محاضراتهم موضع الاهتمام وحديث الناس !.
وخجلت أن أدفع لعضو مجمع علمي خمس ليرات – كما هو مقرر – وطلبت أن يكون المبلغ 25 أو 30 على الأقل فقيل لي : (وافق … شريطة أن يقتصر برنامج المساء على المحاضرة, والقرآن الكريم فقط دون غناء ودون موسيقى, ووجع رأس ) ؟!.
ولكن المحاضرة وآي الذكر الحكيم , لا تستطيع “إملاء” البرنامج مدة خمس ساعات !؟ – لا مانع ! نستطيع أن نضع بدل المطربين والموسيقيين اسطوانات, ولدينا منها عدد كبير !.
وراجعت قائمة الاسطوانات فإذا بها تبدأ باسطوانة ” يا منعنشة” و “سلام على حسن يد الموت” و “يا عرقسوس” ومعظمها “يشحط” ويكاد لا يسمع !. وقد استعيرت من محطة إذاعة بيروت بعد أن فنيت !.
وطلبت أن يكون في المحطة ( فرقة إذاعة ) فقيل لي : ( ألف فرقة إذاعة … ولكن على حسابك ) !.
وبالرغم من سخافة هذا الرأي … فقد ألفت فرقة الإذاعة, وكنت مضطراً لإشغال القسم الأكبر من البرنامج بها .. فبدلاً من محاضرة ( عضو مجمع علمي ) تُكلف 25 ليرة .. لتعزف فرقة الإذاعة معزوفة حبي لعبد الوهاب, أو تحميلة رست لسامي الشوا !.
وبدلاً من غناء المطرب الفلاني … لتعزف الفرقة ( مارش ) الخديوي .. أو ( قوموا روحوا, قوموا روحوا.. )!. ولم يكف هذا .. بل كانت تصلني كل يوم خمسون محاضرة أو مقالة عن قوة الحلفاء – وكانوا إذ ذاك يفرون من دنكرك – أو عن قوة فرنسا – وكانت إذ ذاك قد استسلمت من أول دقيقة – فكنت أخفي المحاضرات في “درج” المنضدة وأضع بدلاً منها اسطوانة ( سلام على حسن يد الموت .. ) أو ( خدعوها بقولهم حسناء ) … أو إحدى معزوفات فرقة الإذاعة ؟!.
وأخذت أطلب إلى الدوائر العليا زيادة المخصصات, قائلاً بأن الفنانين, المحاضرين والمقرئين, بدؤوا يحتجون على ( التعرفة ) ويرفضون الغناء, والعزف, والكلام قيل لي : ( ضع بدلا منهم اسطوانات ) !, وعندما قلت للدوائر بأن ( الاسطوانات قديمة جداً, وسخيفة جداً, ومهترية جداً) قيل لي : ( لا بأس أن تغني أنت, ويعزف المحاسب ويتكلم المذيع … فالموازنة لا يمكن زيادتها ) !.
وتلقيت ذات يوم شكوى من الدوائر العليا … بأني لا أذيع ( نشرات الدعاية ) أو أنني ألخصها, وأذيع ما يروق لي منها, وأن أحد سكان “ليون” نبهها إلى هذه الناحية ! مع أنني كنت أعلم أن صوت المحطة لا يصل إلى دوما !.
وتحملت هذه المشاكل سنة ونصف السنة, وأنا آمل بتوسيع البرنامج وزيادة المخصصات, فلم أنجح … ولو أنني نجحت في الاستقالة !

المصدر
 سامي الشمعة، صحيفة "أخر دقيقة " الدمشقية - العدد 3 - 19/ 07/ 1946م، نقلاً عن موقع عائلة آل الشمعة الدمشقية



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى