التراث اللاماديمحافظة دمشق
الأخوان .. من الحكايات الشعبية الشامية
الأخوان.. من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي الصالحية
توثيق الباحث نزار الأسود
كان ياماكان حتى كان، كان في قديم الزمان أخوان. الأخ الأول عنده سبع بنات، والأخ الثاني عنده سبعة صبيان. فكان يصبح وينادي أخاه في كل صبا: (صباح الخير يا أبا السبع دبلات) فيجيبه أخوه قائلاً: صباح الخير يا أبا السبع شمعات.
ومرّت الأيام على هذه الحال. وذات يوم دخل أبو البنات إلى بيته حزيناً مكسور الخاطر. فسألته ابنته عن حاله، وعن همه..! فقال لها: عمك يا ينيتي يصبح علّي، كل يوم، ويقول لي: (صباح الخير يا أبا السبع دبلات).. وكأنه يعيرني ببناتي السبع. فأراد عليه وأبارك عليه وأبارك له بما أنعم الله عليه، وأقول له: صباح الخير يا أبا السبع شمعات.. ومن العار أن أنعم الله علّي بالبنات..!؟
فكّرت البنت في الأمر ملياً. ثم قالت لأبيها متحدية: أخبر عمّي أن يشد لأحد أبنائه تجارة، وشد لي أنا أيضاً تجارة.. فقال الأب: لماذا يا بنتي؟ قالت البنت: يجب أن نعرف يا أبي، من أبو السبع دبلات، ومن أبو السبع شمعات؟ فقال لها: بارك الله بك يا بنتي!
في اليوم التالي، قال أبو البنات لأبي البنين: شد لأحد أولادك تجارة، وأنا سأشد لابنتي الشغرى تجارة.. على أن يذهبا معاً. وسوف يعرف الجميع، أن ابنتي أشطر من ابنك.
وافق الأخ على عرض أخيه، وقبل التحدي. وفي اليوم التالي، ركب أشجع أولاده فرساً.. وركبت البنت الصغرى فرساً. ومع كل منهما بضاعته. وقالا: يا مهوّن يا كريم..
بعد أيام من المسير، اعترضهما أربعة طرق. طريق من الشمال، وآخر من الجنوب. وطريق من الشرق، وآخر من العرب.! فتوقفت البنت وقالت لابن عمها: يجب عليك أن تختار طريقاً. وأنا سأختار طريقاً. ونفترق، وبعد أن نعود من تجارتنا، نلتقي في حارتنا.
أما الشاب فلم يحسن اختيار طريقه. فما أن أظلم الليل، وهدّه التعب من المسير، حتى حط في مكان موحش. فإذا باللصوص يضربونه، ويأخذون ما معه..!؟ ويتركونه بالقميص والسروال.
مشى الشاب طويلاً، وجاع!؟ فشاهد قرية عن بعد، فقصدها، ووصل إليها بعد جهد جهيد. فرأى خاناً صغيراً، يبيت فيه المسافرون. دخل الشاب الخان وقال لصاحبه: أرجوك أن ترضى بي في هذا الخان، ولو خادماً بلقمتي.! وألح الشاب حتى رضي به صاحب الخان خادماً.
أما الفتاة فقد أحسنت اختيار طريقها. وسارت في طريق تجارية مأمونة. يسلكها التجار عادة. حتى وصلت إلى سوق تجارية ملتقى التجار من كل جنس ولون. فباعت واشترت، وتعاملت مع الرجال، تعامل تاجر متمرس في المهنة أباً عن جد فأصبحت حكاية الناس، وتفكهة السمار، إلى أن وصلت أخبار ذكائها إلى الملك فأرسل يحضرها إليه؟
وما ان وصل الرسول إلى الفتاة، وعرفت مراد الملك، حتى تنكرت وغيرت ثيابها، مرتدية ثياب الرجال، وألصقت شاربين، وخالاً على خدها، وألقت علي كتفيها عباءة، وكذلك وقفت أمام الملك تخاطبه وتحدثه..
سأل الملك، متعجباً من أمر هذا الفتى، وكان يظن، كما قيل له أنها فتاة.. من أنت وما اسمك؟؟ قال الفتى: أنا أسمي “حسن الصّدي” وبعد أن تبادل معه الحديث، أعجب الملك بأخلاق حسن، وذلاقة لسانه وشطارته، فعرض عليه أن يستضيفه في قصره، فلم يكن أمام الفتى من خيار، إلا أن يقبل عرض الملك راضياً.
أضاف الملك حسناً سبعة أيام، وما يزال في حيرة من أمره، ومن لباقته، وعذب حديثه، فقال في نفسه: ما أظن هذا الفتى إلا فتاة متنكرة. ثم أسرّ ما في نفسه إلى أمه. وكان يحدثها كل يوم، من شكه في أمره إلى أن قالت له الأم ذات مساء: أظن أن الفتى فتاة وظني لا يخيب أبداً، على كل حال، ما عليك إلا أن تخبره بنفسك، لتعرف سره..
وفي الليلة الأولى، لعب الملك مع حسن بالشطرنج، على شرط أضمره الملك في نفسه إلا أن حسناً غلب الملك.
وفي الليلة الثانية، قالت الأم لابنها الملك: نفرش سرير حسن بالياسمين فإن ذبل الياسمين خلال النوم عليه كانت أنثى. إلا أن البنت الذكية، كانت تكشف خطط الملك وأمه وتنجو.
وفي الليلة الثالثة اصطحب الملك حسناً معه إلى الصيد ليختبره، وهل تجيد النساء الصيد؟ إلا أن البنت الذكية أثبتت للملك أنها صيادة ماهرة كالرجال.
وفي الليلة الرابعة، قرر الملك أن يصطحب معه حسناً إلى الحمام. وهنا سيفضح أمره. إلا أن البنت الذكية كانت تعتذر مرة بعد مرة، حتى كانت الليلة السابعة فانتهت زيارتها لقصر الملك. وأعدت كل ما تحتاج إليه في سفرها الطويل. وقبل أن تودع الملك، أعطته عنوانها، ليرسل إليها ما تحتاج من بضائع. كذلك أخذت عنوانه لتبعث إليه بما يطلب من طيب وعطور. وقبل أن ترحل كتبت ورقة وضعتها تحت وسادة الملك. ثم ودعته وسافرت.
وفي الليل، دخل المكل غرفته لينام، فرفع وسادته فوجد تحتها ورقة مكتوب عليها بخط واضح:
“حسن الصّدي فتت بنية، طلعت بنية بختم ربي”.
فجن جنون الملك، وذهب إلى غرفة أمه وقال لها: انظري أماه! ألم أقل لك إنها فتاة، خذي واقرئي ما كتبت على هذه الورقة.
قرأت أم الملك ما كتبت الفتاة فأعجبت بها. وقالت للملك: أتستطيع فتاة أن تفعل كل هذا يالها من فتاة ذكية! إنها الزوجة المناسبة لك يابني، فهل تقبلها؟
قال الملك: نعم يا أمي إنها هي الفتاة التي كنت أبحث عنها، وأمر الملك أن يجُهر للسفر..
وبينما كانت البنت في طريق عودتها إلى أهلها إذ نزلت في خان على الطريق لتستريح قليلاً من السفر، فنادت الخادم، فإذا هو ابن عمها، يخدم المسافرين متنقلاً من خان إلى خان. ثم جلس بجوارها وحكى لها ما جرى معه. فقالت له: خذ إذناً من صاحب الخان، وامضي معي إلى بلادنا.
وعند وصول البنت والصبي، رحب الأخوان بهما، وفرحا بوصول ولديهما سالمين من السفر، وفي الصباح الباكر، قال أبو الصبيان لأبي البنات: صباح الخير يا أبا السبع شمعات، فقال له أبو البنات: صباح الخير يا أبا السبع دبلات. وقال أبو البنات لأخيه أرأيت يا أخي من أبو الشمعات. ومن أبو الدبلات. فقال له: نعم يا أخي.
وبعد خمسة أيام، أذن مؤذن بوصول الملك، ومن ورائه الخدم والحشم. ولدى وصول الملك، سأل عن دار أبي البنات، وخطب البنت الذكية من أبيها، فوافق الأب، وقال الملك للبنت: لماذا تخفيت؟ فقصت عليه قصتها، فقال لها: يالك من بنت داهية، واتخذها زوجة.
وتوتة توتة خلصت الختوتة، طيب الله السامعين، وإن شاء الله تكون الكاية قد أعجبتكم.
وتشبه هذه الحكاية في فكرتها حكاية، سبع سعدات، وسبع عكسات. كتاب الكتاب الحكايات الشعبية في اللاذقية- أحمد بسام الساعي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي.
انظر:
