مقالات
غسان كنفاني 1969: دمشق .. ماذا تريد؟
وسط تصاعد الخلاف بين صلاح جديد وحافظ الأسد وبعد انتحار عبد الكريم الجندي نشر غسان كنفاني مقالاً في صحيفة الأنور بعنوان: (دمشق .. ماذا تريد؟ ):
العنوان تناول الصراع في سورية وحمل عنوان: (دمشق.. ماذا تريد).
نص المقال:
سيقيس المواطن السوري أية حكومة جديدة تتولى السلطة في دمشق بمقاييس محددة لم تكن في أي يوم مضى أوضح مما هي عليه الآن، فبعد خبرة طويلة في مجال التعامل مع البرامج والبيانات والأشخاص والمقررات مارسها المواطن السوري منذ 1949، باتت مقاييسه تتجاوز مجرد التجاوب أو عدم التجاوب مع البرنامج والبيان الشخصي والقرار، وصار يضع اهتماماً أكبر لمسألة العمل في مواجهة قضايا ملحة.
وفي هذا النطاق فإن ما يهم المواطن السوري، أكثر من أي شيئ آخر هو أن تجتاز أية حكومة، أياً كانوا رجالها، امتحاناً أولياً يتعلق بموجهات مجددة، أولها التصدي للخطر الإسرائيلي، وكسر طوق العزلة الداخلية والخارجية، الذي يحاصر الوضع العسكري.
في المجال الأول، مجال مواجهة الخطر الإسرائيلي، فليس ثمة إلا الالتزام بالقيادة الشرقية الموحدة التي اتخذ قرار إنشائها في حزيران قبل الماضي، والتي تضع قائداً عراقياً على رأس هيئة أركان مقرها في دمشق، تقود الجبهة الشرقية من الجيوش العربية الثلاثة المعنية بالمواجهة على تلك الجبهة أكثر من سواها.
فمن المعروف أن ذلك القرار الحيوي لم يوضع قط، بالنسبة لسوريا، موضع التنفيذ، وتأتي عن ذلك انخفاض محسوس في طاقة الجبهة الشرقية، وكان السبب في التعقيدات التي شهدتها تلك الجبهة، كما كان أحد الأسباب التي أدت إلى أحكام طوق العزلة حول سوريا.
وربما كان الإلتزام بمثل هذا القرار يمد جسراً بين سوريا وبين الدول العربية الأخرى مازال مفتقداً منذ وقوع الانفصال في عام 1961 تقريباً، ولكن من المؤكد أن مثل هذا الجسر لا يستطيع أن يكون فعلاً تماماً مالم تقدم دمشق حلاً للمعضلة الداخلية، وتشرك أوسع جبهة ممكنة من القوى الوطنية والتقدمية في الحكم.
ومما لا ريب فيه أن الحكم السوري خلال السنوات القليلة الماضية وقد أنجز سلسلة من خطوات التقدم على الصعيد الاقتصادي وفق البرنامج الحيوي الذي وضعه الحكم آنذاك، ومن المفيد للغاية أن نحمل هذه الإنجازات على م حمل الجد، وألا تضيع في غمار عملية تسوية الحسابات، أو ربما في غمار عملية “الإصلاح” أو أن تتعرض للتناولات، ولكن مما لا شك فيه أنه يمكن تطويرها وأحداث إضافات عليها وتطويعها أكثر فأكثر لمصلحة القوى العمالية والفلاحية، ولكن مع ذلك، وعلى أهمية ذلك، فإن المقاييس الأكثر إلحاحاً الآن بالنسبة للمواطن السوري، للحكم على أية حكومة جديدة تتولى قيادة البلاد، مازال ينحصر أولاً في تفحص إنجازات تلك الحكومة.
وعلى صعيد مواجهة الخطر المحدق بسوريا على بعد عدة أميال من دمشق، ومدى فعالية مثل تلك الاجراءات في كسر طوق العزلة السورية من الداخل والخارج، وبناء القوة الشعبية والنظامية القادرة على تلك المواجهة.
ومن خلال الظروف السورية والعربية القائمة الآن، فإنه من المشكوك فيه أن يكون أي مقياس آخر قادراً على أن يمنح أية حكومة جديدة في سوريا شرعيتها.
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة الأنوار - بيروت، العدد 2998 الصادر يوم الثلاثاء الرابع من آذار عام 1969م
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة الأنوار - بيروت، العدد 2998 الصادر يوم الثلاثاء الرابع من آذار عام 1969م
