مقالات
د. سعد طه كيّالي : ذكريات المكتب السلطاني .. في خواطر القجّة والكوراني
د. سعد طه كيّالي – التاريخ السوري المعاصر
ذكر الأستاذ العلّامة محمد قجَة في المقالة التي نُشرت في العدد الخاص من مجلة العاديات، الصادر في 2017 – 2018 بمناسبة ذكرى مرور 125 عاماً على افتتاح ثانوية المأمون، مستنداً إلى ما رواه الشيخ راغب الطبّاخ في ” إعلامه ” أنّ البدء ببناء المكتب الإعدادي الملكي كان في عام 1304 للهجرة / 1887 م وافتُتح عام 1310 للهجرة / 1892 حيث صار اسمه ” المكتب السلطاني ” وذلك في عام 1330 للهجرة / 1012 م ليتحوّل اسمه سنة 1920 م إلى ” تجهيز حلب ” .
ويستطرد الباحث القجّة قائلا ً: (وحينما افتتحت مدارس ثانوية أخرى، أطلِق عليه اسم “التجهيز الأولى” اعتبارا ً من سنة 1942 م ثم أصبح اسم المدرسة “ثانوية المأمون” عام 1947 وهو اسم اقترحه مديرها المرحوم المربّي عبد الغني جودة فكان اختيارا ً موفّقا ً، لأنّ الخليفة المأمون كان رمز النهضة العربية في التاريخ العربي، وهو صاحب بيت الحكمة ).
وكان الوزير والقانوني أسعد الكوراني قد خصّص عدة صفحات حول ” المكتب السلطاني” في كتابه ” ذكريات وخواطر ” حيث تطرّق إلى الحديث عن أساتذته وبعض الزملاء بين الأعوام 1924 و 1027 وهي الفترة الزمنية الدراسية، التي قضاها في المكتب السلطاني (تجهيز حلب).
يذكر الكوراني في معرض حديثه أنّ الفضل في إنشاء المكتب (الإعدادي) السلطاني يعود إلى والي حلب آنذاك المشير جميل حسين باشا، حيث بلغت كلفة البناء ثلاثين ألف ليرة عثمانية ذهبا ً.
شُيّد البناء على مساحة أرض كبيرة غربيّ حلب في حيّ الجميليَة (نسبة ً إلى الوالي جميل باشا المذكور سابقاً)، كما يُشير الكوراني إلى ما يُروى، بأنّ المهندس الذي أشرف على البناء هو فرنسيّ الجنسية، بدون أن يجزم، وإنّما استنادا ً إلى الطراز المعماري الأوروبي للمبنى.
أمّا الأساتذة الذين كان لهم الفضل في التعليم، فيذكر في طليعتهم الشيخ بدر الدين النعساني، إذ نوّه إلى قوة شخصيته، وعلمه الواسع في الشعر والنثر، وتمكّنه من اللغة العربية بفضل دراسته في الأزهر وعمله في الصحافة المصرية قُبَيل عودته إلى حلب سنة 1908 م، كما يُشيد الكوراني بدوره في رفع سويّة اللغة العربية لدى الطلاب، من خلال دروس النحو والإنشاء …
أمّا الأستاذ وهبي الوفائي فكان مدرّسا ً لمادة الفيزياء، والأستاذان مصطفى السوّاس وباكير فكرت المستت للرياضيات، اللذان كانا ضابطين في الجيش العثماني، فالأول برتبة ( البنباشي/ مقدّم ) والثاني الأصغر سنا ً برتبة (يوزباشي / نقيب).
وأمّا الدكتور الطبيب فؤاد حمدي عيسى (من أسرة آل عيسى الحلبية) فكان أستاذ الكيمياء، وهو من خرّيجي كلية الطِبّ في الأستانة، وقد تولّى لاحقاً إدارة ثانوية حمص.
أمّا الشيخ عبد اللطيف الكركوكي، وهو من مدينة كركوك العراقية، فكان مدرساً للعلوم الدينية.
وفي العلوم العربية والدين والفلسفة الإسلامية كان أستاذ تلك المواد الشيخ محمد الطيّب التونسي.
ولمادة التاريخ كان الدكتور عارف حكمت آغا القلعة، وللجغرافيا الدكتور عبد الوهاب بركات الذي كان بارعا ً في رسم الخرائط، وللرسم الأستاذ منيب النقشبندي.
أمّا الموسيقى والرياضة فكان يتولاها الأستاذ المصري شرف الدين الفاروقي، الذي يكتنف وجوده بحلب الكثير من الغموض، إضافةً إلى شأنه الكبير في الماسونية، وتجسّد ذلك من خلال انتخابه خطيباً لمحفل الإنبعاث في حلب.
وكان أستاذ اللغة الفرنسية المسيو (بوران) يقضي وقته بالمطالعة بدلاً من التدريس، وكثيراً ما كان ينصرف إلى عمله كمراسل في وكالة ” هافاس ” الإخبارية، مما أدى إلى ضعف مستوى الطلاب في اللغة الفرنسية، وتجلّى ذلك في فحص الباكالوريا، بناءً على ما ذكره الكوراني.
أمّا السيد توفيق الجابري خريج كلية الإدارة في الأستانة (مكتب الملكية) فكان مديراً للمدرسة، ومعاونه في الإدارة الشاعر والخطيب السيد عارف الرفاعي.
ولا بدّ من الإشارة إلى بعض أسماء التلامذة التي ذكرها الكوراني، ضمن سياق حديثه عن المدرسة، سنة 1924 م ، ومنها السيد أحمد الأشرفي الآتي من المدرسة الشرقية برفقة الوزير الكوراني، وبداية دراستهما في الصف التاسع،حيث كانوا تسعة طلاب، ويذكر على التوالي كلاّ من السادة التالية أسماؤهم:
وهبي الحريري الذي غادر المدرسة، وتوجّه إلى الصناعة والتجارة، المحامي والقانوني عبد الجواد السرميني المُشارك في نهضة التشريع، القاضي بهاء الدين ناولو الذي أصبح رئيساً لمحكمة الإستئناف، والطبيب حكمت المسلاتي والصيدلي مصطفى المنصوري والمحامي علي الشعباني الذي صار نقيباً للمحامين في حلب، والمهندس عبد اللطيف ضاشوالي الشهير بموهبته في الرسم الكاريكاتوري، أمّا أحمد الأشرفي فقد صار أميناً عاماً لبلدية حلب، وبعد عام انضم إلى الصف المهندس صالح بساطة الذي كان أحد نوابغ الرياضيات ولذلك أوفدته الحكومة إلى الجامعة اليسوعية في بيروت، لدراسة الهندسة، وقد أصبح لاحقاً أحد أساتذة كلية الهندسة في جامعة حلب.
ولا بدّ لي من الإشارة إلى ما ذكره الباحث الأستاذ محمد قجّة في مقالته التاريخية، حول الكتاب الوثائقي الذي يحمل عنوان ” المأمون، الذكرى الماسية ( 75 عاماً ) وشارك في تحريره عدد من المدرسين والخريجين ( مرحلة ما بعد العشرينات من القرن المُنصرم ) ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، السادة:
عبد السلام العجيلي، زكي الأرسوزي، فاخر العاقل، سليمان العيسى، عبد الغني جودة، محمد الفاضل، عفيف البزري، علي أسعد الخانجي، هيثم الكيلاني، نور الدين حاطوم، يوسف شقرا، نظيم الموصللي، مظفر سلطان، حسيب كيّالي، مواهب كيّالي، مصطفى الحاج إبراهيم، أحمد القادري، عبد الرحمن حميدة، عبد الرحمن أكتع، عبد الكريم الأشتر، جورج سالم …
وأختم منشوري، بهَذيْن البَيْتين للشاعر الأستاذ ” سليمان العيسى ” من قصيدة أوردها الباحث القجّة في مقالته:
تقيّلِ الصخرَ، وارشُفْ نسمة ً بَرَدتْ
على رُباها عَرفتُ الشعرَ …..والعربا
تباركتْ صخرةٌ بيضاء ………يابسة
تُعطي العباقرَ سمّاها الهوى ..حلبا
الدكتور سعد طه كيّالي
المراجع والمصادر
– ذكريات وخواطر، أسعد الكوراني، دار الريس.
– العاديّات، المدير المسؤول محمد قجّة، رئيس التحرير تميم قاسمو، مدير التحرير يعرب كاشور، عدد خاص ٢٠١٧ – ٢٠١٨
– الصورة من غلاف مجلة العاديات، بعدسة محمود ميلاجي، المدرس في ثانوية المأمون
انظر:
د. سعد طه كيّالي : إطلالة على ملفات الكتلة الوطنية
د. سعد طه كيّالي : الزغاريد والهنهونات الحلبيّة في مؤلفات الأسدي
د. سعد طه كيّالي : المبادرات الأهلية في دعم التعليم بحلب ..
د. سعد طه كيّالي : حكاية أولى السيارات في حلب
د. سعد طه كيّالي: “رقص السماح” بين التصوّف والتراث الشعبي
د. سعد طه كيّالي: سعد الله الجابري والصحافة
د. سعد طه كيّالي: الكهرباء في حلب .. من البداية إلى التأميم
د. سعد طه كيّالي: الأحزاب السياسية “الفئوية” في حلب في عهد الانتداب الفرنسي
د. سعد طه كيّالي: قصة إنشاء “الترامواي” الكهربائي في حلب
د. سعد طه كيّالي : تاريخ وتطور صناعة “الشوكولا” في حلب
د. سعد طه كيّالي : إطلالة على دور المرأة “الحلبيّة” في النضال .. حقبة الانتداب الفرنسي أنموذجاً