مقالات
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1917 ..سنة الجوع .. سنة الغلا.. سنة الحميضة
حمصي فرحان الحمادة – التاريخ السوري المعاصر
يقول المقل الرقي: (أطول من سنة الجوع)، ويضرب هذا المثل للدلالة على المعاناة والشدة التي تمرّ على الإنسان.
كما سميت هذه السنة بـ (سنة الغلا) وواضح من الأسم ارتفاع الأسعار بشكل جنوني مع ندرة المواد. ولدينا مثل رقي يقول: (سنة الغلا ياختي تفوت ونعاتب ال غبت لبنها) ومعنى المثل واضح.
وسميت بـ (سنة الحميضة) لاعتماد الناس بطعامهم على نبتة برية تسمى (الحميضة).
فماذا حدث في هذه السنة؟
هذه مقالة للباحث الأستاذ “مهند القاطع” تصور لنا جانباً بسيطاً من معاناة أهل الشام والعراق ومنهم طبعاً أهل منطقة الرقة في سنة الجوع.
قبل مئة عام تماماً، عانت البلاد العثمانية بشكل عام من شحة في الطعام والغذاء، إلا أن أكثر المناطق تضرراً والتي أصابتها المجاعة هي: لبنان والموصل وكوت وخانقين.
تحديداً في شهر نيسان من عام 1916 بدأت المجاعة في عموم البلاد الشامية بعد وفود أسراب كثيفة من الجراد والتي قضت على الأخضر واليابس فلم تبق ولم تذر، وارتفعت أسعار الحبوب وعمّ الغلاء، وكان أشدّه في لبنان التي فُرض عليها الحصار البحري بعد اشتداد الحرب، ولم تكن تزخر بكميات كافية من زراعة الحبوب بسبب طبيعتها الجبلية.
لن أطيل في الشرح والتفصيل، وسأكتفي بنقل بعض الصور المؤلمة التي تتحدث عن المجاعة وفق العديد من شهادات المؤرخين عاصروا المجاعة أو نقلوا عمن عاصرها، وأخصهم بالذكر على الوردي الذي كان يعطي كل موضوع حقه من النقل والتفصيل بأسلوبه الشيف المعروف.
في العودة إلى المجاعة الشامية في القرن الماضي، فهذا أحد المعاصرين لتلك الحقبة وهو الكاتب عمر أبو نصر ينقل لنا في كتابه الحرب العالمية الأولى، أنه سمع جائعاً يشكو إلى الله شدة جوعه ويقول: (يارب أكلة عدس وأموت).
والكثيرون باعوا بيوتهم ، وباعت النساء حليهن وملابسهن، بل واضطرت بعضهم لبيع أنفسهن بالحلال “أو الحرام” جراء المجاعة، فلا تستكثر هذا فالجوع كافر وكافر وكافر.
يذكرُ جورج انطونيوس بأن عدد ضحايا المجاعة في الشام بلغ ثلاثمامئة ألف نسمة أو أكثر، فقد تلاشت قرى بأكملها فقرية مثل البترون كان عدد سكانها 5000 نسمة قبل المجاعة أصبح 2000 بعدها.
جرجيس الخوري يذكر في مذكراته التي نشرها سنة 1921 ويقول : (الذين لم يهربوا إلى سورية الداخلية لطلب القوت صاروا من جملة الشحاذين الذين بحثوا في النفايات وجثث الحيوانات الميتة عما يسد جوعهم، والذين لم يستطيعوا ارتموا على جانب الطرقات يستغيثون المارة بأيد ممدودة وأصوات ضعيفة).
رجل آخر تركي اسمه فالح رفقي بك يروي “رؤيته لأطفال عراة في شوارع بيروت منتفخي البطون يجتمعون على قشور البرتقال يلتهمونها من شدة الجوع، وهياكل نساء تستر أجسادهن قطع بالية ارتمين على الطرق يلتمسن كسرة خبز”.
أما بلدية بيروت فقد خصصت عربات تجرها خيول لنقل عشرات من جثث الموتى من الشوارع.
بديعة صمباني تروي رؤيتها لطفلة تتضور جوعاً وتبحث في القمامة، فأخذت بيدها ووضعت أمامها مقادير من الأطعمة، الطفلة انكبت عن الأكل دون توقف، فلم تبق بعد ذلك سوى أسبوع واحد فقد ماتت من التخمة وليس من الجوع”.
لم يمنع ذلك الأغنياء والتجار المحتكرين أن يزدادوا غناء وثورة، وأن يستمروا في بذخهم المعتاد وإقامة الحفلات الفخمة الساهرة كتلك التي أقامها أحد أغنياء بيروت على شرف جمال باشا كما ينقل فالح رفقي بك، والتي احتوت على ما لذ من الأطعمة والمأكولات والأشربة في الوقت الذي كانت الشوارع مملوءة بالجياع وجثث الموتى.
وربما الاغرب من كل هذا ما وصلت إليه الحالة لدى امرأة في قرية في القلمون قامت بذبح ابنها وأكل لحمه! أو ما ينقله الأب بولس سيور عن الفتاتين في ميناء طرابلس اللاتي كانتا يجتذبن بعض الأطفال لقتلهما وأكلهما من شدة الجوع ولم يكتشف أمرهما إلا وقد بلغت عدد الجماجم التي عثر عليها في بيتهما 24 جمجمة.
المراجع والهوامش:
(1). حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 100-105.
المراجع والهوامش:
(1). حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 100-105.