قضايا
سيطرة القوات البريطانية – الديغولية على سورية عام 1941
جاءت سيطرة القوات البريطانية والديغولية على سورية في حزيران عام 1941م، بعد صراع وتنافس مع قوات فيشي، استمر لأكثر من عام.
قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة في سورية
على أثر هزيمة فرنسا أمام المانيا النازية عام 1940 تمكن المارشال “بنتان” من السيطرة على فرنسا التي أعلن عن استسلامها، ما عدا نفر قليل من الضباط ورجال السياسة.
قاوم الجنرال “ديغول” الاستسلام ولم يجد من يؤيده في فرنسا في ذلك الحين، فتمكن من الهرب إلى لندن بطائرة الجنرال “سبيرس” ضابط الارتباط الإنكليزي مع الجيش الفرنسي آنذاك، وأعلن من لندن مواصلة الكفاح حتى النصر، وقال أن فرنسا خسرت معركة ولم تخسر الحرب! وطلب من الفرنسيين حمل السلاح والالتحاق به لمتابعة القتال وتحرير الأرض.
في مطلع شهر حزيران عام 1940 تلقى جميع ممثلي فرنسا في مختلف الأصقاع التي كانت تتواجد فيها قوات فرنسية نداءً شخصيا من الجنرال شارل ديغول يدعوهم فيه إلى المقاومة.
بقي في لندن يشكل قوات فرنسا الحرة. ثم انتقل إلى “برازافيل” عاصمة مستعمرة فرنسية في غربي إفريقيا وهي المستعمرة الأولى التي استجابت لندائه.
بدايات الصدام في سورية:
وصلت إلى سورية عدة طائرات ألمانية وتحديداً إلى مطار المزة لدراسة إمكانية المتابعة إلى العراق والعمل ضد القوات البريطانية هناك.
سلم القنصل البريطاني العام في بيروت في أيار عام 1941 مذكرة رسمية إلى المبعوث السامي لفرنسا «فيشي» صادرة عن صاحبة الجلالة. ومفادها أنها تعبر السماح بهبوط الطائرات الألمانية في سورية خرقا لاتفاقيات الهدنة وعملا ينافي التزاماتها. وبالتالي تعتبرها مسؤولة عن ذلك الوضع.
وفي الأول من شهر حزيران 1940 كان البريطاني ونستون تشرشل والفرنسي شارل ديغول قد عقدا اتفاقا ينص على «قيام الجنرال بتشكيل قوة فرنسية من المتطوعين بحيث تضم وحدات بحرية وبرية وجوية وعناصر تقنية وعلمية، بهدف محاربة الأعداء المشتركين. ولا يمكنها أبدا أن تشهر السلاح ضد فرنسا».
ونظراً لأن سورية منطقة حساسة وخوفاً من أن تشكل ممراً ومستقراً لجيوش” هتلر” من الشمال، كان من الضروري احتلالها، لذلك جرى اتفاق أن تدخل قوات رمزية من فرنسا الحرة تدعمها بريطانيا مع قيادة بريطانيا لاحتلال سورية.
وفي الثامن من شهر يونيو 1941 قامت قوات بريطانية ـ فرنسية باختراق الحدود السورية من جهة الأردن كي تقاتل قوات فيشي في سورية.
وقد أطلق الجنرال كاترو الفرنسي قائد الهجوم نداءً للجنود في قوات فيشي، قال فيه : إن القوات الفرنسية الحرّة وقوات الحلفاء ستجتاز الحدود. إنها لم تأت لقتالكم وإنما لمهاجمة العدو واسترجاع المواقع التي سلمها له اتفاق مخل بالشرف. فلا تحاربوا لصالح ألمانيا ولا تجعلوا من أجسادكم مصدّا لطياري العدو المقيمين في رياف وحلب وتدمر.
موقف الحلفاء (بريطانيا وفرنسا الحرة) من قوات فيشي في سورية:
شددت بريطانيا من الحصار الاقتصادي المفروض على سورية منذ تموز عام 1940م، وأغلقت أنبوب النفط العائد لشركة النفط العراقية، والذي كان يزود فرنسا بـ 25% من نفط العراق، وأوقفت المبادلات التجارية بين سورية ولبنان من جهة والبلدان العربية المجاورة من جهة أخرى.
وأقامت مركزاً للبث الإذاعي باسم فرنسا الحرة في مدينة حيفا، بينما كان الجنرال كاترو يشن حملته الدعائية عبر إذاعة القاهرة.
حاول الحلفاء إعادة استقطاب رجال الانتداب وشريحة كبيرة من الموظفين العاملين في الحكومة السورية ودوائرها، وكذلك حاول استقطاب عناصر الجيش.
موقف قوات فيشي في سورية 1940 – 1941:
شعرت حكومة فيشي بأن هناك شيئاً يحاك ضدها في أوساط رجال الانتداب في سورية، فأوفدت الكولونيل فورجييه ومعه تفويض مطلق من المارشال بيتان للقضاء على هذه المؤامرة، وبالفعل تمكن من كشف خيوط مؤامرة ضد قوات وإدارة حكومة فيشي في سورية. وقام بحملة تطهير في الدوائر المدنية والعسكرية الفرنسية في سورية، واستبدل عدداً كبيراً من المدنيين والعسكريين الذين أعيدوا إلى فرنسا برجال أوفياء لحكومة فيشي.
ثم أصدر الجنرال بيتان أمراً عزل فيه الجنرال ميتلهاوز من منصبه، ثم استبدل المفوض السامي بيو بالسيد جاك شياب الذي لم يصل إلى دمشق بسبب سقوط طائرته في البحر. فأسرع المارشال بيتان إلى تعيين الجنرال دانتز مندوباً سامياً في سورية.
تمكنت حكومة فيشي نتيحة لهذه الاجراءات السريعة الحد أو إحباط تحرك الحلفاء في سورية، الأمر الذي أثبط عزيمة الحلفاء وثارت لديهم الشكوك حول جدوى المضي في تنفيذ خطة ضم او إعادة السيطرة على سورية.
ورغم ذلك استمرت أوضاع قوات فيشي في سورية مضطربة، وكان عليها مواجهة اضطرابات البلاد المتواصلة وتحركات الوطنيين للقضاء على الانتداب، وكان عليها مواجهة أزمات البلاد الاقتصادية، كما كان عليها مواجهة النفوذ العسكري المتزايد لألمانيا، ومواجهة غزو بريطاني فرنسي محتمل لسورية. وكان أكثر من يؤثر في معنويات الجنود الفرنسيين، عدم قدرتهم على تصور الجندي الفرنسي يواجه الجندي الفرنسي بالسلاح.
التمهيد للسيطرة:
بدأ البريطانيون والديغوليون يمهدون لحملتهم العسكرية على سورية، بسلسلة التصريحات السياسية التي تؤكد العطف على تطلعات الشعب السوري نحو الاستقلال.
ففي العاشر من أيار عام 1941 أدلى أنتوني إيدن وزير الخارجية البريطاني بتصريح جاء فيه : (تؤكد حكومة صاحب الجلالة عطفها الكبير الذي تكنه لتطلعات الشعب السوري نحو الاستقلال).
وأبدي تشرشل رغبته بإعلان استقلال سورية ولبنان، واقترح أن يلقب خليفة المفوض السامي دانتز باسم :” الممثل العام لفرنسا”.
لكن الجنرال ديغول أعلن بأن “فرنسا الحرة التي ستخلف سلطات فيشي في سورية ولبنان، ستعلن عن استقلال هاتين الدولتين، ومع ذلك فإن فترة الانتداب لن تنهي إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، وسيضمن هذا الوعد بالاستقلال بمعاهدة تحدد العلاقات المتبادلة بين فرنسا والمناطق الموضوعة تحت انتدابها”.
تحرك القوات البريطانية وفرنسا الحرة:
وفي الخامس والعشرين من أيار أنهت أركان الجنرال ويفل قائد القوات البريطانية في الشرق الخطط العسكرية اللازمة لغزو سورية بقوات مشتركة (بريطانية – فرنسية) تتألف من 35 ألف رجل يدخلون سورية على محورين: المحور الأول ويضم قوات فرنسة الحرة وقوات هندية وبريطانية مشتركة تتحرك من الحدود الفلسطينية والاردنية باتجاه دمشق، أما المحور الثاني فيساير الساحل باتجاه بيروت وتتحرك عليه الفرقة الاسترالية مدعومة بالاسطول البحري البريطاني، على أن تبدأ العمليات الحربية للمحورين خلال الأسبوع الأول من شهر حزيران عام 1941م.
في الثامن من حزيران عام 1941 وقبيل إطلاق الحملة للسيطرة على سورية نداء أعلن فيه استقلال سورية.
وفي التاسع منه عبرت قوات بريطانية الحدود السورية – اللبنانية وبدأت أولى الاشتباكات.
وأصدرت الحكومة البريطانية بياناً لتبرير تدخلها في سورية قالت فيه “رغم الإنذار الذي وجهته حكومة صاحب الجلالة يوم الأول من تموز عام 1940 والذي أعلنت فيه بأنها لن تسمح بأن تكون سورية ولبنان عرضة للاحتلال، من قبل قوات أجنبية أو أن تستخدمان كقاعدة للعدوان. فإم حكومة فيشي ثابرت على سياسة التعاون مع قوى المحور. وقد وضعت القواعد الجوية السورية تحت تصرف ألمانيا ولا يمكن أن ينتظر أحد من حكومة صاحب الجلالة أن تتحمل مثل هذه التصرفات التي تتناقض بوقاحة مع التصريحات الأخيرة للمارشال بيتان التي قال فيها إن الشرف يمنع فرنسا من القيام بأي عمل معاد لحليفتها السابقة. لهذه الأسباب دخلت قوات فرنسا الحرة تساندها القوات البريطانية إلى سورةي صباح هذا اليوم”.
وردت حكومة فيشي على البيان البريطاني بنفي أي تعاون مع ألمانيا، وسلمت السفير الأميركي مذكرة لنقلها الى الحكومة البريطانية جاء فيها: (تود وزارة الخارجية الفرنسية لفت نظر الولايات المتحدة الأميركية إلى حقيقة عدم وجود أي تعاون فرنسي – ألماني في سورية، أما العتاد الجوي والعناصر الألمانية التي جاءت إلى سورية خلال أحداث العراق، فقد سحبت بكاملها عدا طائرتين أو ثلاث معطلة وحوالي عشرة رجال. وأن الحكومة الفرنسية مصصمة على الدفاع عن مناطقها وممتلكهاتها بكافة الوسائل والإمكانات المتوفرة لديها إذا ما تعرضت لأي هجوم، ونظراً للخطر الكامن حاليا نتيجة الموقف الحالي فإن الحكومة الفرنسية ستتجنب ،حتى وصول معلومات جديدة، اتخاذ أي تدابير يقود إلى تعقيد أو توسيع الصراع).
دخول القوات البريطانية والديغولية دمشق:
دخلت القوات البريطانية والفرنسية بقيادة الجنرال كولييه دمشق في الحادي والعشرين من حزيران عام 1941م، وفي صباح هذا اليوم نشر خالد العظم رئيس الوزراء بياناً.
(تبلغت الحكومة الآن القرار الذي اتخذته السلطة الفرنسية بضرورة إخلاء الجيش الفيشي مدينة دمشق، وانسحب منها بصورة رسمية، وفي هذه الفترة، ربما تسمع طلقات نارية أو دوي مدافع مدة من الزمن، فعلى جميع الأهلين ان يحافظوا على سكينتهم وهدوئهم حتى يتم الامر، والحكومة ساهرة على تنفيذ ما اتخذته من القرارات والتدابير الكفيلة بحفظ الامن واستنبابه وراحة الاهلين).
وبعد ظهر ذلك اليوم دخلت قوات الحلفاء إلى دمشق بعد ان تقدم وفد من دمشق وحمل محافظ دمشق الممتازة علماً أبيضاً.
دخلت القوات ووصلت الى مبنى الحكومة واجتمعت قيادة القوات مع خالد العظم رئيس الحكومة.
وفي الثالث والعشرين من حزيران عام 1941 وصل كاترو الى دمشق، وفي اليوم التالي وصل إليها الجنرال ديغول الذي أصدر مرسومين الاول يقضي بتعيين الجنرال كاترو مفوضاً عاماً مطلق الصلاحية في المشرق، والثاني ويتضمن تحديد مهمام الجنرال كاترو.
وفي الثالث من تموز عام 1941 سقطت تدمر في أيدي البريطانيين، وفي السادس من تموز سقطت الدامور، وأصبح الجنرال دانتز مطوقاً من جميع الجهات، وصار محاصراً في حلب برتل بريطاني قادم من الفرات.
في الثاني عشر من تموز عام 1941 اقترح الجنرال دانتز وقف إطلاق النار، لكنه اشترط لبدء المفاوضات حصر المحادثات بينه وبين السلطات العسكرية البريطانية دون أي ممثل ديغولي إلا أن بريطانيا لم توافق.
وجرى توقيع اتفاق هدنة بين الجنرال دانتز وقوات الحلفاء في سورية في الرابع عشر من تموز عام 1941م، وبدأت قوات فيشي تتجمع في طرابلس، وفي السادس عشر من تموز دخل الجنرال كاترو والجنرال ويلسون مدينة بيروت التي اخلاها الفيشيون وانتهت بذلك المعارك.
انظر:
صحيفة 1941 – الألمان يستولون على جميع مطارات سورية
صحيفة 1941 – الزحف في سوريا ولبنان .. وصف الحالة العسكرية والحالة السياسية
نداء الجنرال كاترو إلى السوريين واللبنانيين في حزيران عام 1941م
مرسوم الإفراج عن جميع المعتقلين في سجون دمشق
مرسوم تشكيل لجنة مساعدة منكوبي الحرب
صحيفة 1941- ساعة في دمشق بعد احتلالها
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
المراجع والهوامش:
(1). عين الجنرال سبيرز لاحقاً قائداً للقوات البريطانية، ثم ممثلاً لبريطانيا في سورية
(2). من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
(3). سوريا 1941 الحرب المخفية بين أنصار فيشي ضد أنصار ديغول، صحيفة البيان،16 تموز 2007
(4). دافيه (ميشيل كرستيان)، المسألة السورية المزدوجة، صـ 193.
(5). بيان خالد العظم في 21 حزيران 1941م. يوسف الحكيم، صـ 319.
(6). صحيفة 1941- ساعة في دمشق بعد احتلالها
المراجع والهوامش:
(1). عين الجنرال سبيرز لاحقاً قائداً للقوات البريطانية، ثم ممثلاً لبريطانيا في سورية
(2). من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
(3). سوريا 1941 الحرب المخفية بين أنصار فيشي ضد أنصار ديغول، صحيفة البيان،16 تموز 2007
(4). دافيه (ميشيل كرستيان)، المسألة السورية المزدوجة، صـ 193.
(5). بيان خالد العظم في 21 حزيران 1941م. يوسف الحكيم، صـ 319.
(6). صحيفة 1941- ساعة في دمشق بعد احتلالها