You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

كلمة العقيد أديب الشيشكلي في الكلية العسكرية في حمص عام 1952

في الخامس عشر من آب عام 1952 جرى احتفال لتخريج دفعة من ضباط الكلية العسكرية في حمص – دورة الشهيد سليمان الكريدي في يوم الجمعة الخامس عشر من آب عام 1952م.

كان على رأس المشاركين العقيد أديب الشيشكلي الذي ألقى كلمة في الاحتفال تناول فيها مختلف الأوضاع الداخلية والخارجية.

نص الكلمة:

أيها السادة أيها الأشبال

أحييكم أحسن تحية وأخاطبكم بإخاء خالص من القلب قبل اللسان مفاخر بكم ومعتزاً وأسأل الله لكم ولهذا العهد السامي الذي انبتكم نباتاً قوياً للمستقبل العظيم الذي يتناسب مع طموحكم ونهضة بلادكم.

أخواني – في ضميري خواطر حارة لم أدر بأيها استهل هذه الكلمة الناطقة بصدق الشعور الوطني، وأحب معانيه غير أني وإن أكن من أسرتكم العسكرية العزيزة روحاُ وتربية لم أجد بادرة تعوقني من توجيه التحية إلى صفات هذه الكلية العسكرية المثلى وشكرانها على صنيعها الطيب في تكوين قوتكم وتوجيه أرواحكم، فلقد برهنتم أنكم أهل لها فحملتكم رسالتها وعهدت إليكم بمهمة وطنية عظمى لا ينهض بها إلا الأكفاء الباسلون وأنتم منهم في الطليعة.

أيها الأشبال،

هل أنتم تبدأون اليوم حياة جديدة مفيدة منتجة فاعلة حياة مسلحة بقوة الشباب ونهضة الشباب وأمل الشباب وكلكم مرشح بعد هذه المرحلة الطيبة ليكون بطلاً من أبطال سوريا فما عليكم بعد القسم الوطني الذي أقسمتوه إلا أن تعملوا بوحي من إيمانكم ووطنيتكم لتبرهنوا على أنكم خليقون بهذا الشرف الكبير وأعلموا أيها الأخوان وأنتم لا تجهلون أن الشهادة التي ستعطى لكم ان هي إلا شهادة للتاريخ بأن قوة جديدة ضد ضيفت إلى قوة الوطن قوة مبدعة واعية موجهة فالكلية العسكرية تخلق الشبان خلقاً جديداً وتقضي على النزاعات الضارة والأهواء والأنانية والأثرة البغضية. تلقنهم روح الأخوة والتضامن والإخلاص من المصلحة العامة فيحملون تكاليف الحياة بالمشاركة مع مواطنيهم وينهضون بقسطهم الموفور من التبعات العامة وحينئذ يكونون جديرين أن يحملوا رمز الشرف العسكري وأن يقال عنهم هؤلاء مواطنون.

في مثل هذا الشهر من كل عام يقدم هذا المعهد  مصنع المكرمات والبطولات فوجاً جديداً من الضباط الذين نفاخر بهم، ونعقد عليهم الآمال الكبار فنجعل منهم قوة متحدة مع وطنهم لها طاقة الذرة ولكنها لا تتجزأ فبأي آلاء الشكر نستطيع أن نتقدم إلى هذا العرين اليوم وكل يوم.

أيها الشباب،

الشباب هم عدة الوطن المدخرة نفتخر في كل ميدان من ميادين العمل والتضحية والوطن الناهض الحي كوطنكم إذ يرضى لشبانه أن يركنوا إلى الخمول والدعة والبعد عن المسؤوليات وغير ذلك من الصفات التي لا تتفق وروح الرجولة.. والوطنية تبقى كلمة قرعة معطلة مالم يحول إلى عمل مجد ونبضة قائمة، فنحن هنا نبحث عن الكلمة التي تستحيل فكرة، والفكرة التي تغدو عملاً، وهذه الكلمة كانت كلمة في فكرة أو فكرة في كلمة وصارت حيث امتزجت بالرغبات والشعور العامل حركة منتجة في مركب نهضتنا السائر إلى المجد.

نريد وما أكثر ما نريد شباباً طموحه يختصر الزمن، ويهزأ بالصعاب ويسرع إلى بلوغ القمة وليس في طبيعة العصر الحديث بحال لغير الأقوياء العاملين المسرعين.

نريد شباباً يعرف ما يريد ويعمل لما يريد شجاعة وهمة فإن سنة التطور تقنعت الاسراع في موكب الحياة والتقدم وليس لدينا متسع من الوقت لأن ننظر المبطئين المتلكئين.

نريد أن نحذف من قاموس حياتنا كلمة القناعة فلا نقنع لبلادنا ليسير ولا نرضى لها بالقليل من القوة والعدة. شباب خنع لا خير منهم وبورك في الشباب الطامحة.

نريد من الشباب أن ينهلوا من هذا المنهل العسكري ومن كل منهل وطني العلم والأخلاق، فبالعلم والخلق يصبحون مواطنين مبدعين وجنوداً صالحين في جيش الوطني، والعلم والخلق هما السلاح القوي المنيع الذي يضمن للوطن المستقل استقلاله وكرامته ورسالته، ولا وطن بلا شعب بلا جيش، ولا قيمة لجيش بلا علم بلا خلق، الا وان مدرستكم هذه مدرسة حياة نامية وعلم بصير وخلق يربي على الرجولة والبطولة والآباء فليعزها الله بكم وليعزكم بها.

أيها الأخوان،

أن لكل منا نحن الضباط الذين سبقناكم ذكريات كثيرة في هذه الكلية الحبيبة ولي أن فيها أجمل الذكريات يوم كانت ماتزل في دمشق في جوار بردى أما والله فإني لا أقول لكم شيئاً لم أقله لنفسي ولا أوصيكم بشئ لم أوصي به ذاتي.

إن أصدقائي يغرقون في التفاؤل والإيمان بالحياة والثقة بمستقبل شعبي سوري وأمتي العربية، وما خامرني في هذا الشعور مثلما يخامرني كل مازرت هذه الكلية الكريمة، وما زهوت به مثلما أزهو أنا بينكم يا أبطال المستقبل يا من تمثلون أعز وأجمل ما في بلادنا من عزيمة وقوة وإصرار على بلوغ حقها في الحياة.

إننا لن نستجدي حقنا بعد الآن استجداء ولكننا سنفرضه فرضاً وننتزعه انتزاعاً مادام في صفوفنا شباب مثلكم يحملون سيوف هذه الكلمة وثقتها الغالية ورسالتها القومية السامية.

إخواني الأعزاء،

لقد علمتم أن التفرقة التي ما فتئ الاستعمار يغذيها في بلادنا منذ عصور عدة قد تفاقمت في السنوات الأخيرة تفاقماً اليماً، تمزقت معه وحدة الأمة وتوزعت كلمتها  وتفرقت شيعاً وطوائف واستفحل النزاع فيما بينها وصرفها عن المصلحة العامة وسلبها المتعة التي تستطيع أن تقاوم به العدوان وتحافظ على استقلالها وسيادتها في عالم مضطرب تتزاحم فيه الأمم وتعد وتستعد كل منها للأخرى جهد ما تستطيع من وسائل الغزو وأسباب الهلاك.

ثم كانت كارثة فلسطين نتيجة لأخطار السياسسن وتهاونهم وكيد بعضهم لبعض وتآمر فريق منهم مع المستعمر الغاشم ولقد تحمل العسكريون في البلاد العربية وزر هذه الكارثة ظلماً وزوراً واعتقد البعض أن العرب طويت صفحتهم زوالت دولتهم ولن تقوم لهم بعد هذه النكبة والكوارث لم تكن لتميت هذه الأمة العربية بل كانت تحفزها على النهوض وتبعثها بعثاً جديداً.

والحق أن الزمن لم يطل حتى شهد العالم، عجاب انتفاضة البعث في الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب السوري والشعوب من يتعظ بنفسه وفيها من يتعظ بغيره وفيها من يغفل عن العظه أو يتغافل عنها دهراً ثم ذاته ينهض ليبقى الحادث بما ينبغي له من الجرأة والعزيمة واجتماع الكلمة.

وكان بديهياً أن يكون رجال الجيش على رأس هذه الانتفاضة العامة لأن الجراح التي خلفتها فلسطين في أفئدتهم لا تزال تنزف دماً وتذرف آلماً وتنادي إلى الثآر ومحو العارر لأن رجال الجيش وقادته لمحتكريهم أبناء البلاد البررة فمن الطبيعي أن يكونوا ملاذها الأخير للأيام الحاسمة والساعات العصيبة.

ولقد أحسنت إدارة الكلية العسكرية مقترحها تسمية هذه الدورة باسم الشهيد سليمان الكريدي أحد الضباط السوريين الذين استشهدوا في معركة فلسطين. لقد كان سليمان بطلاً من طفولته في قريته عرى بجبل الدروز. ونشأته العصامية في السويداء حتى دراسته في هذه الكلية التي أجمع زملاؤه فيها على أنه كان من أشدهم مراساً وتقيداً بالنظام وتفانياً في سبيل الواجب مما دعى القيادة العامة إلى إلحاقه برفاقه بقطعات الجيش المقاتلة في فلسطين قبل أن تتخرج دورته من الكلية. فخاض المعركة بعزيمة ثابتة وإيمان راسخ وإراة قوية، واستمد واجبه من ضميره القومي وشرفه العسكري وسقط صريعاً قرب مستعمرة نجمة الصبح وهو يشق الطريق أمام رفاقه إلى مراكز العدو الحصينة ويناديهم إلى اللحاق به لخطوات في سجل التاريخ سطور الفخار وليكتبوا به أنصع صفحات البطولة.

إني أوافق بفخر وسرور على تسمية هذه الدورة بأسمه سليمان الكريدي هذا الشهيد الذي لم يمت لأنه يعيش في كل واحد منا وسيعيش منذ الآن في كل واحد منكم شأن بقية الشهداء الميامين وإخواننا وأبنائنا الذين لا نبكيهم أو نرثيهم فهم موضع فخارنا واعتزازنا ولأنهم القدوة التي نقتدي بها ونسير بهديها ولأن قد أقسمنا يميناً لسنا بها خائنين أن لا نغمد سيوفنا حتى يطمئن شهداؤنا في قبورهم إلى أن الأرض التي أحبوها وقدسوها وسقوها من دمهم الزكي قد تحررت وتطهرت ونحن على يقين بأن المعاني الوطنية والنهضة الإجتماعية التي نعمل من أجلها ونناضل في سبيلها لا تتحقق إلا بقوة الأمة المتحدة من جميع أبنائها وهذه القوة لا تتألف إلا بالاتحاد والمزيد من الاتحاد وحتى تغدو الأمة كلها رجلاً واحداً فالوقوف في وجه هذه الوحدة المنشودة جرم يساوي في انتاجه لخيله لأنه تعطيل لقوى الأمة التي هي في حاجة إلى الاطمئنان والاستقرار حتى تبدع وتنتج وحتى تقول كلمتها وتفرض إرادتها.

وأما أنتم أيها الضباط الشباب فإن المجال أمامكم رحب ودولتكم تساندكم بالوسائل وعمركم يمدكم بالفرص الذهبية فارتقوا بها الوسيلة إلى المجد العسكري المبكر فلطالما كان الأغريق والرومان يختارون لقيادة الجيوش شباناً يتحلون بالشجاعة والموهبة والخبرة، ولطالما نبغ من العرب في الميادين العسكري شباب عباقرة الحروب والقيادة وسطروا في التاريخ صفحات من البطولة النادرة مدة فرض المجد فاغتنموها فإن مهد الشباب ليس عهد اللهو بل عهد البطولة.

عاشت سوريا حرة عزيزة كريمة

المصدر
صحيفة الجزيرة – عمان، العدد 1929 الصادر يوم الأحد السابع عشر من آب عام 1952



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى