بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
من قديم مدينة أعزاز، وفي أواخرالخمسينات من القرن الماضي وفي كل عام حين كان يقدُمُ شهر أيار ينحسر الشتاءُ القاتم ويقبل الربيعُ الحالم ، فتمتليء الشوارع بالباعة الجوّالين غادين رائحين، ولأصواتهم جرسٌ ورنين، فتسمع في الصباح الباكر أصوات بائعي الحليب الطازج ينادون : (حلوب يا حليب) ويكيلون الحليب بكيلة معدنية.
وبائعوا البوظه ذات العود الخشبي من الشباب واليافعين يبكّرون في استلام مخصصاتهم من قطع البوظه من معملين في المدينة ، معمل بوظه (الدنيا) لصاحبه الفلسطيني (أبو أمينه) مكان الساعاتي (مصطفى عيدو) و معمل (بوظه حلب) لصاحبه المدعو (خليل شبك) فيتسلمون قطعاً من البوظة من شتى الألوان والطعوم من (ليمون وكرز وشوكولا وحليب وطعم الورد وطعم الموز )، وكان ثمن قطعة البوظه وتدعى (النبيله) بخمسة قروش ، واسم (نبيل) جاء من اسم ماركة بوظه مشهورة في ذلك الحين كان اسمها (بوظه النبيل).
هناك قطعة أكبر واطيب طعماً ثمنها عشرة قروش تسمى (نبيل استيك) فيحمل البائعون صناديقهم الخشبية الصغيرة على اكتافهم وينطلقون في الشوارع منادين (من جميع الأشكال يالله نبيل ، نبيل نبيل) وكثيرا ما كانوا يخرجون إلى القرى القريبة (نده – كفر كلبين – معرين) حيث البوظة مرغوبة هناك بسبب عدم وجود الكهرباء في القرى بعد ، وثمن القطعة خمسة قروش أو بيضة دجاج، وترى في شوارع المدينة أيضاً بائع (البشره بوظ) دافعاً أمامه عربته الخشبية وفوقها زجاجات مليئة بشرابات ملونة من أصفر ووردي واحمر ، ونصف لوح من الجليد وعدة كاسات كبيرة، وآلة حديدية مجوّفة تدعى (البشّارة) يحفّها البائع بالقالب الجليدي فتمتليء بالجليد الناعم المبشور ويفرغ محتواها في الكأس ويصب فوقه قطرات من الشرابات الملونة فيصبح للجليد في الكأس ألوانٌ ساحرةٌ تغرف قلوب الأطفال العطشى.
وبائع (الآيس كريم) يدفع عربته أمامه مناديا (داندرمااا) ليِّنة القوام شهية الطعم تشعرك بطعم القيمق صنعها بيده في المنزل، وباعة الشرابات من (الليمون والتمر الهندي) من صنع الحاج زكور ناصر و(السوس) البارد المضمخ بماء الزهر صنع السواس أبو صباح، وترى ايضا بائع ( الفرفيرات) التي يصنعها من الورق الملون ويربطها بعود خشبي فعندما يلامسها الهواء تدور فتسحر أعين الأطفال، ويمربائع ( المنفوشه) يحملها في سلّة كبيرة من القصب ويزن للأطفال (بالكيلة) المعدنية وكل كيلة ثمنها خمسة قروش، وبائع (المعلل) وهو سكر مذاب ملون بألوان حمراء وبيضاء يذوَّب ثم يجمَّد ويُحمل على أعوادخشبية ينادي عليها البائع (معلل يا مدلل)، وترى أيضاً باعة (غزل البنات) بلونه الزهري، وبائعوا الفواكه الربيعية من (الجارنك) الى (الإيكي دنيا) يحملونها على الدواب معبّأة في شليف من القنّب ، وبائع الخس بعربته التي يجرها بغل وينادي : (كبار يا خسّات .!!).
وبائعو الحلويات التي ما زالت مستساغة في شهر ايار من (الشعيبيات) التي يضعها (أبناء الحاج قدور ناصر) يضعها البائع في صينية يحملها على رأسه ويحمل كرسيا عاليا مدور يضع عليه الصينية ، وبائع (النموره) (موسى كردي ابو علي) يصنعها بيده من السميد والسمن والقطر وينادي عليها : (طيبه يابو النموره ..النموره والأموره !!) وكان يعسكر في اماكن الإزدحام وأمام المدارس اثناء انصراف الطلبة، وبائع (المشبّك) يحمل صينية على رأسه منادياً : (مشبّك وناهي طيب وناهي)، وبائع (الكسيبه) بالحلاوة الطحينية أيضاً وباعة آخرون .
أيامٌ جميلةٌ غابت عن أنظارنا …
ونداءات جميلة غاب جرسها عن أسماعنا …
وأكلات لذيذة كانت تتحلّب لذكرها افواهنا
انظر:
بدر الدين تلجبيني: وليمة عرس في أعزاز ..
بدر الدين تلجبيني: وقفة عيد الفطر في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: معقب معاملات في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: بائعون رائعون في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: رحلة الى السينما في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: دخول القوات الفرنسية إلى أعزاز عام 1920
بدر الدين تلجبيني: أيام شهر رمضان في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: نجارة المحاريث القديمة في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: حديث عن مدرسة ابن المقفع في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: السرايا الحكومية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: جولة في ليل أعزاز
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: مقاهي أعزاز
بدر الدين تلجبيني: عيد الأضحى في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المصارعة الزيتية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: خان بيع الحبوب في أعزاز