You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

سلامة عبيد: الأسباب الخارجية للثورة السورية الكبرى عام 1925 ..

من كتاب الثورة السورية الكبرى 1925-1927 (7)

 سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. الأسباب الخارجية

إن هذه الأسباب السياسية التي تحدثنا، حتى الآن عنها، لم تنفرد في تقرير ثورة 1925 فقد مهد لهذه الثورة، وأحاطت بها ظروف خارجية ساهمت مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في إشعالها.

فالنضال الوطني التركي المنتصر في الشمال، والعطف الديني الذي كان لا يزال يكنه المسلمون السوريون لراية الهلال، وهذا الإعجاب الشامل الجارف بمصطفى كمال الذي “رد بقفا الأتراك”.

حرك النخوة في النفوس وجسّم للسوريين عبارة الملك فيصل : (الاستقلال يؤخذ ولا يعطى)، حتى اضطرت السلطة الفرنسية إلى مصادرة صور مصطفى كمال التي كانت توزع أو تباع في بيروت.

والعرش الفيصلي العتيد، في الرقة، والمعاهدة العراقية – الإنجليزية المعقودة سنة 1924، والتي اعتبرت في ذلك الوقت فوزاً عظيماً، هيّجا في نفوس السوريين الإحساس بأن فرنسا طالمة.

وفي الجنوب يقترب الوهابيون من عمان فيلوح معهم شيء من الرجاء والكثير من الإجاب بالسيف، وفي شرق الأردن نجد إمارة تنشأ برعاية بريطانيا التي ينصح وزير مستعمراتها مستر  تشرشل للأمير عبد الله بن الحسين بعدم رجوع أخيه فيصل إلى دمشق وأنه يرشحه لهذا المركز واستناداً إلى مثل هذا الوعد المستند إلى وعود سابقة لازمت الثورة العربية، ينبري الأمير عبد الله مصرحاً في خطبة بأنه ما جاء شرق الأردن إلا منقذاً لسورية وما حولها وبأن العاصمة الأموية إن رضيت بأن تكون مستعمرة فرنسية “فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى).

رحب الأمير بكل ناقم على فرنسا، مغضوب عليها منها، وتساهل، أو أوعز إليه بالتساهل، في أمر العصابات التي تجتاز حدود المنطقة الفرنسية إلى المنطقة البريطانية.

ورغم تصريحاته بأن (الذين يشجعون رجال العصابات أو يقبلون حمايتهم في هذه المنطقة “الأردن” إنما يخونون أنفسهم وبلادهم ونحن لا نريد أن نكون خطراً على غيرنا)، بالرغم من هذه التصريحات (فإنه ظل يعترف بأطماعه التقليدية في سورية، ويتمنى على الشعب السوري أن يزحزح فرنسا بشتى الطرق فيرد إلى مفارقه التاج الذي خسره أخوه بعناده).

كان مناطق الحدود بين النفوذين الفرنسي والبريطاني مركزاً للحركات السياسية خصوصاً في حوران وجبل الدروز إذ ظهرت في هاتين المنطقتين مساع للالتحاق بحكومة شرق الأردن الناشئة، وقد اتصل بعض زعماء جبل الدروز بالاتفاق مع سلطان الأطرش بالأمير عبد الله (وحصلوا منه على برنامج لجبل الدروز أوفق من البرنامج الذي استلموه من الفرنسيين ممهواً بختم الأمير نفسه) وكان هناك استعداد لمعاضدة الجيش الشريفي إذا دخل سوريا فاتحاً.

بذل الأمير عبد الله الذهب وفتح باب التجنيد، مخصصاً للدروز رتبتي أمير لواء… إلا أنه لم يكن يحب المغامرة:

واللي مراده يملك بلاد وعباد    بالحكي والقرطاس ما حدا عطاها

لهذا خبا ذلك الأمل الذي راود الأنفس في مطلع الإمارة الهاشمية، وتحول إلى أمل في (تقويم) الحدود بحيث تضم حوران وجبل الدروز أو بعضها إلى الإمارة العربية، فتكون حدود فرنسا قرية الكسوة جنوب دمشق، فكان من الطبيعي أن تنشط الدعاية العبدلية – البريطانية فلا هي تخلق الثورة، ولا هي تحاربها ولكنها تشعر بأنها لا تحجم عن مساعدتها.

وإذا تركنا شرق الأردن إلى مصر رأينا حركة مقاومة فرنسا على أشدها هناك ولا عجب فإن أكثر الزعماء المناوئين قد لجأوا إلى شرق الأردن وإلى مصر ومثلما كانت مصر مركزاً لتأليب العرب ضد الحكم التركي، صارت مركزاً لتأليبهم ضد الحكم الفرنسي وملجأ لكل هارب ناقم، حتى أن بعض المصادر الفرنسية لم تتورع عن التصريح بأن أسباب الثور (يجب أن يفتش عنها في دسائس القاهرة).

وفي المغرب الأقصى، يشهر الأمير عبد الكريم الخطابي السيف في وجه فرنسا متنقلاً من نصر إلى نصر، ويرى أبناء الشام في وثبته هذه الفرصة التي لا تفوّت فينبري شعراؤهم وخطباؤهم لإثار الحماسة الوطنية والتأكيد على أن فرنسا لا تفهم إلا بلغة السيف، وأن الفرصة مؤاتية.

وبين هذه الأسباب السياسية الخارجية نجد أن للحركات البولشفية الثورية أثراً في بعض الأوساط وإن يكن هذا الأثر ضئيلاً، ونجد كذلك أن مضايقة فرنسا للمعاهد والمؤسسات الأجنبية، غير الفرنسية.

وجو المهجر الطليق الذي سمح بظهور أعنف الانتقادات للإدارة الفرنسية، كل ذلك ساهم بإثارة النفوس، وقد كانت زيارة اللورد بلفور لسورية ومنها دمشق في أواسط آذار 1925 شرارة من شرارات الثورة، فقد اتفقت جرائد دمشق على الصدور يوم وصول اللورد بلفور إلى فلسطين والصفحى الأولى من كل واحدة منها بيضاء محاطة بإطار أسود وبعض كلمات احتجاج على زيارته لهذه البلاد، ولم يكن الاحتجاج في هذا المظاهرات على اللورد بلفور وحده فحسب بل كان على الاستعمار جميعاً في كل زمان ومكان.

بقي علينا أن ننظر في تلك التهم التي نسبت إلى إنكلترا في خلق الثورة وتعذيتها، فقد رأى الفرنسيون في الإنكليز منافسين لهم في الشرق، خصوصاً منذ القرن الثامن عشر، حتى أن مدام غوليس لا تحجم عن اتهام انكلترا بأنها خصم فرنسا الكبير في الشرق وأن لهذه الدولة “زبائن”Clientele ضد الانتداب الإفرنسي.

ولا يتورع الكونت دي اغونتو بيرون أن يردد القول المنسوب إلى الإنكليز : (أذنا “الإنكليز” سنعرف كيف نجعل سورية تشمئز من فرنسا، وفرنسا تشمئز من سورية) فترددها بعد المفوضية الفرنسية والكتاب الفرنسيون الإستعماريون.

كان احتلال الجيش الإنكليزي، لا الفرنسي، لسورية وحده كافياً لإثارة نقمة الفرنسيين الذين تشددوا في إحلال الجيوش الفرنسية (1919) محل الإنكليزية في منطقة نفوذهم. رغم ما يهدّد هذا الجيش من أخطار. ولذا اعتبروا أن إنكلترا قد خرجت من دمشق مكرهة وأن كل مقاومة أهلية إنما تستمد العون المادي والمعنوي من الإنكليز وأن (مثيرون السوء يأتون من وراء الحدود) ويدفعون الناس للثورة على الفرنسيين.

إن هذه الاتهامات لا تخفف شيئاً من مسؤولية الغطرسة العسكرية الفرنسية في خلق الثورة وما لحقها أو سبقها من ثورات. فقد كانت إنكلترا مكروهة من السوريين مثل فرنسا لأنهم اعتبروها فرنسة “لعبة” في يد السياسة الانكليزية، وأن الإنكليز أشد خطراً من الفرنسيين على استقلالهم، لتعزيز (الوطن القومي اليهودي) ولعراقتهم في الأساليب الإستعمارية، ولا يلام السوريون إن هم فضلوا أن يحاربوا على جبهة واحدة، فيسكتوا طيلة الثورة (1925 – 1927) عن الانتداب الإنكليزي سكوتاً تاماً تقريباً موجهين همهم لزحزحة الكابوس الفرنسي أولاً، وهذا ما أثار الفرنسيين وجعلهم يكيلون التهم لإنكلترا بلا حساب، وعلى الأخص بعد أن استغلت انكلترا الفرصة لتجديد المساومة على بترول الموصل ولقويم حدود منطقة انتدابها الشمالية بإلحاق المنطقة الجنوبية من أراضي جبل الدروز بإمارة شرق الأردن. ولا يزال هذا الشريط من الأرض مثار جدل وخلاف.

ومع ذلك فإننا لا نبرئ انكلترا من التغاضي عن وصول الإعانات والسلاح إلى الثوار عبر فلسطين والأردن – وفي السنة الأولى للثورة- ولا نبرّيها من محاولة استغلال هذه الثورة لصالحها إلا أننا نستطيع أن نؤكد بكل ما لدينا من وثائق وحقائق بأن الثورة ظلت في أعماقها ثورة عربية وطنية شعبية استقلالية وحدوية رغم كل ما رافقها من أخطاء وشوائب.


انظر:

سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)

سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مغامز صك الانتداب (2)

سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مخالفة فرنسا لصك الانتداب (3)

سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. سلطات المفوض السامي (4)

سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. تغيير المفوضين (5)

سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة (6)

المصدر
عبيد (سلامة)، الثورة السورية الكبرى 1925-1927 على ضوء وثائق لم تنشر بعد



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى