مختارات من الكتب
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة
من كتاب الثورة السورية الكبرى 1925-1927 (6)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. التجزئة – التاريخ السوري المعاصرشكا السوريون الانتداذ الذي استحال إلى إحتلال، وإدارة مباشرة، إلا أن شكواهم من التجزئة كانت لا تقل مرارة إذ لم يكتف الحلفاء الأصدقاء بأن حطموا الوحدة العربية المنشودة (من مرسين إلى المحيط الهندي)، بل عادوا فاقتسموا البلاد السورية. ولم يقفوا عند هذا الحد، فقد أنشأ الانكليز في فلسطين نواة وطن قومي يهودي وأقاموا شرقها حاجزاً بين دمشق ومكة وبغداد أما الأفرنسيون فقد قضوا وقتهم في التجارب.
لن نتعرض للمنطقة الجنوبية في سورية، بسبب أنها لا تدخل في صميم موضوعنا بل نكتفي بالكلام عن المنطقة الشمالية. فنقول: أن الأسباب التي تذرع بها الفرنسيون لتقسيم سورية إلى دول أو حكومات وإعادة تقسيمها، والاستمرار في هذه اللعبة تتلخص في نظرهم فيما يلي:
أ- نزولاً عند رغبات (الشعوب) السورية.
ب- لأن هذا الشكل يسهل تدرج الشعوب نحو الاستقلال تحت رعاية فرنسا.
ج- تحقيقاً لرغبة الأهالي باختيار حكام (وطنيون) لا عرب (بدو) من الحجاز مثل فيصل وجماعته، ولكن وطنيين (قوميين – دمشقيين) في دمشق، وحلبيين في حلب.
د- لأن كل مذهب في سورية يمثل وطناً.
أما الأسباب الحقيقية لهذه التجزية أو على الأقل التي اعتبرها السوريون حقيقة فمنها:
أ- المبدأ المعروف: فرّق تسد، وعلى الأخص بين المسلمين والمسيحيين للحيلولة دون قبولهم لأنظمة موحدة أو لتعديل هذه الأنظمة.
ب- بناء ما يشبه السور حول سورية العربية – ومركزها دمشق – لشل حركتها في كافة النواحي وعلى الأخص لخنق الحركة العربية فيها، وإقامة العراقيل في سبيل تقدمها.
ج- تعزيز الإقليمية، والطائفية، بخلق الأمة المارونية، والأمة الدرزية وإذكاء المنافسات والخصومات بينها، فتتخذ فرنسا ذلك حجة لبقائها في سورية.
د- رشوة المتنفذين والأنصار بخلق وظائف إضافية ترضى غرورهم أو طمعهم.
ه- إضافة أسماء جديدة لتطويل قائمة الممتلكات الإمبراطورية، وخاصة (دول الشرق).
أما المراحل التي تمت بها هذه التجزئة، فهي كما يلي:
خلق لبنان وتكبيره على حساب جيرانه، وذلك عقيب يوم ميسلون فأعطى المرافئ والأراضي المسلوخة عنه بمقتضى خريطة أركان الحملة الفرنساوية عام 1860 وبجرة قلم على ورقة عادية من أرواق المفوض السامي المجالس وراء مكتبه في السراي.
وفي الداخل قسمت البلاد بين 1920 – 1922 إلى أربع دول مستقلة، أي مستقلة عن بعضها، وهي دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة العلويين، ودولة جبل الدروز. ونستطيع أن نضيف إليها دولة خامسة هي (دولة البدو المرتبطة مباشرة بالمفوضية) وسادسة هل (دولة سنجق اسكندرون).
وأعيد النظر في هذا التقسيم بين 1923- 1924 فأنشئ اتحاد ثلاثي بين دول حلب ودمشق وبلاد العلويين. وقبل أن يغادر الجنرال فيغان بيروت، وبعد أن تبلغ أمر الاستدعاء، ألغى هذا الاتحاد ودمج دولتي حلب ودمشق في دولة واحدة، دعيت الدولة السورية وإنشاء دولة العلويين بعد أن كان قد مهد لها مستشاروه.
كان لهذه التجزئة الصدى البعيد، فقد رحّب أنصار لبنان الكبير باستعادة حدودهم وإن لم يكونوا يعتقدون بإمكانية توسيع لبنان إلى هذا الحد وازداد تعلقهم لفرنسا لتحافظ لهم على هذه الحدود، وبقدر ما ازداد تعلق هؤلاء الأنصار بفرنسا واعتدادهم بها ازدادت الأكثرية نقمة وتخوفاً كما أن تقسيم هذه الأكثرية بدورها إلى شعوب وظائف ودويلات، وإعادة تقسيمها مرة بعد مرة قد أثار مخاوفها واحتجاجها، فقد كان هذا التغيير المستمر في الفصل والوصل يدل دلالة واضحة على الضغط الذي كانت الإدارة الفرنسية معرضة له، فالبلاد لا يرضيها التقسيم الذي شل حركتها، وهدد أعز أمانيها في الاستقلال والحرية، كما أنه أضعف مقاومتها للمظالم التي كانت تسود في كل دولة منها، مما جعلها تحس بخطر هذه التجزئة، وضرورة الاتحاد في مقاومتها ومن ثم مقاومة الانتداب.
اتخذت هذه المقاومة أشكالاً مختلفة منها سلمية، في الصحف والخطب، والعرائض والبرقيات والوفود، ومنها ثورية بدأت منذ 1919 (ولم تخمد.. حتى طرد آخر جندي فرنسي من الأرض السورية). فجعلت من الانتداب حملاً من الأشواك على عاتق فرنسا.
انظر:
سلامة عبيد: فرنسا تفرض نفسها.. (1)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مغامز صك الانتداب (2)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. مخالفة فرنسا لصك الانتداب (3)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. سلطات المفوض السامي (4)
سلامة عبيد: الأسباب السياسية للثورة السورية الكبرى عام 1925 .. تغيير المفوضين (5)