مقالات
خالد محمد جزماتي: القوى البحرية السورية وحرب تشرين الأول 1973 (2)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
المعركة البحرية الثانية
الزمان: ليلة 10-11 تشرين الأول عام 1973.
المكان: على طول الساحل العربي السوري وعمقاً حتى 30 ميلاً.
سير المعركة:
في نهاية ذلك اليوم كان العدو قد قام بقصف القاعدة البحرية (الميناء البيضاء) وأعلن أنه دمر قيادة القوى البحرية. كانت الرادارات تعمل وفق خطتها، والمراقبة البصرية تأخذ دورها والآذان تصغي وتحصي كل صوت وكل حركة على الشاطئ وفي البحر. وفي الساعة 23,00 من يوم 10 تشرين ظهرت على شاشات الرادار أهداف صغيرة في مناطق متفرقة على الساحل، لاسيما أمام مينائي اللاذقية وطرطوس.كما أعلن عن وجود وحدات بحرية صغيرة رُصدت بالسمع وبالبصر إلى شمال اللاذقية وجنوبي طرطوس. كان اكتشاف هذه الوحدات يشير إلى اقتراب نشوب المعركة. لذلك رفعت درجة استعداد جميع الوحدات لخوض الأعمال القتالية. وفي الساعة 00,50 يوم 11/10، أعلن عن اكتشاف مجموعة أهداف مكونة من 6 أهداف جنوب غربي اللاذقية على مسافة 25 ميلاً. وفي الساعة 1,05 – 1,10 من التاريخ ذاته، ظهرت في آن واحد مجموعات الأهداف التالية، نعددها من الشمال إلى الجنوب:
مجموعة 3- 4 أهداف إلى شمال غربي اللاذقية، على مسافة 20 ميلاً.
مجموعة 3 أهداف إلى غربي أم الطيور (طرنجة)، على مسافة 17 ميلاً.
مجموعة 3- 4 أهداف إلى غربي رأس ابن هانئ على مسافة 12 ميلاً.
مجموعة 4- 6 أهداف إلى شمال غربي طرطوس، على مسافة 17 ميلاً.
أعلن عن اكتشاف طائرات عمودية فوق منطقة اللاذقية وطرطوس وبانياس، كما أعلن عن سماع تفجيرات في البحر في مواقع متفرقة.
وبعد قيام قيادة البحرية بتحليل الموقف أصدرت الأوامر لمجموعة زوارق الصواريخ المتمركزة في اللاذقية (زورق صاروخي رباعي + زورقي صواريخ ثنائية) لتوجيه ضربات بالصواريخ إلى المجموعات المعادية المتقدمة نحو ميناء اللاذقية من الشمال والشمال الغربي، كما أصدرت الأوامر في آن واحد إلى سرب زوارق صواريخ (2 زورق صواريخ ثنائي) يتمركز في طرطوس لتوجيه ضربة بالصواريخ إلى مجموعة الأهداف المتقدمة نحو بانياس.
في الساعة 1,35 قامت مجموعة زوارق الصواريخ في منطقة اللاذقية بتوجيه ضربات صاروخية إلى الأهداف المحددة وأعلنت عن إصابة 3 أهداف رصدت بالرادار. وبدأت بالانسحاب نحو الميناء بعد أن نفذت ضرباتها الصاروخية. وبينما كانت الزوارق المعادية توجه صواريخها إليها، اشتبكت مدفعية الزوارق بالصواريخ المعادية وهي تتفاداها بالمناورة الماهرة. وقد تمكنت، بفضل يقظة القادة ومهارتهم، على الرغم من كثافة نيران مدفعية العدو وصواريخه، من دخول الميناء سالمة. ونخص بالذكر، الزورق الصاروخي الرباعي الذي تعرض لأربعة صواريخ معادية، تمكن من إسقاط اثنين منها بمدفعيته وتفادي اثنين آخرين بالمناورة الماهرة. وفي أثناء انسحاب زوارقنا إلى ميناء اللاذقية بدأت مدفعيتنا الساحلية بفتح نيرانها على وحدات العدو البحرية التي حاولت تدمير زوارقنا، وتدمير خزانات البترول في اللاذقية وتدمير ميناء اللاذقية في محاولات يائسة استمرت قرابة الساعة الكاملة، انكفأت بعدها مرتدة تحت ضغط نيران المدفعية الساحلية بدون أن تتمكن من تحقيق أي من أهدافها: (خزانات البترول – المرفأ -الوحدات البحرية التي وجهت ضربتها). وعلى الرغم من استماتة العدو في تحقيق أهداف هجومه، تمكنت نيران مدفعيتنا الساحلية من رده على أعقابه، واعترف العدو بإصابة أربعة من أهدافه. شاركت المدفعية المضادة للطائرات في الرمي على الأهداف البحرية المعادية ضمن مديات الرمي وكان ذلك مجدياً وفعالاً، إذ تحقق التعاون بوضوح.
وبينما كانت هذه المعركة تدور في القطاع الشمالي كانت تدور معركة مشابهة لها في القطاع الجنوبي (بانياس وطرطوس)، فقد قام سرب زوارق الصواريخ بتوجيه ضربة إلى الأهداف المتقدمة نحو طرطوس وأعلن عن تحقيق إصابة هدف معاد رصدت على شاشة الرادار وانسحب سرب الزوارق السورية باتجاه طرطوس حيث لحقت به زوارق معادية محاولة تدميره. إلا أن المدفعية الساحلية فتحت نيرانها على الزوارق المعادية وأجبرتها على التراجع. وحاولت مجموعة مكونة من زورقين معاديين قصف خزانات البترول في طرطوس إلا أن المدفعية الساحلية فتحت نيرانها على هذه الزوارق وأجبرتها على الانسحاب بعد إخفاقها في تحقيق مهمتها.
وفي الساعة 1,45، أعلن أن خزانات البترول في بانياس قد قصفت من البحر وأن النيران بدأت تشتعل فيها، كما أن وحدة بحرية عادت وقصفت الخزانات مرة ثانية في الساعة 2,30.
بدأت الوحدات المعادية بالانسحاب من مسرح العمليات البحري في الساعة 2,40 من صباح يوم 11/10/1973، وانتهى الرصد الراداري لجميع الأهداف على مسرح العمليات في الساعة 3,40 من اليوم ذاته.
استنتاج:
تعد هذه المعركة أكبر معركة بحرية خاضتها القوى البحرية العربية السورية ودامت فترة زمنية كبيرة إذا ما قيست بالمعارك البحرية الأخرى.
وبالمقابل أشرك العدو 14- 16 وحدة بحرية وفقاً للرصد الراداري و4- 6 طائرات عمودية. وقد اتبع العدو الإسرائيلي الأسلوب التالي:
1- استطلع العدو مسرح العمليات بطائراته العمودية، كما أنزل زوارق صغيرة، (يحتمل أنها من الغواصات)، لاستطلاع رسو الوحدات البحرية السورية ومناطقها.
2- شكل العدو قواته على أساس مجموعات ضاربة صغيرة تتكون كل مجموعة من 3-6 وحدات.
3 – ظهرت المجموعات الحقيقية في وقت واحد على شاشات الرادارات وفي أضعف مناطق الكشف الراداري.
4 – استخدم العدو الطائرات العمودية كأهداف بحرية للتشويش، كما استخدمها لتصحيح رمي المدفعية، ولعمليات الإنقاذ وكذلك للدلالة على مكان وحداتنا البحرية.
5- استهدف العدو المنشآت البترولية في اللاذقية وبانياس وطرطوس، كما استهدف مينائي اللاذقية وطرطوس، وقد خطط لتنفيذ هذه الأعمال بتوقيت واحد.
6 – استخدم العدو التشويش الراداري واستخدم الأهداف الكاذبة كما استخدم المحادثات الخداعية.
7- أخفق العدو في تحقيق أي من أهدافه واستطاع فقط إصابة خزانات البترول في بانياس.
8- تم اكتشاف مجموعات العدو في الوقت المناسب.
9- تمكنت وحداتنا البحرية من توجيه ضرباتها إلى وحدات العدو البحرية وإصابتها، وتمكنت من الانسحاب إلى قواعدها مستفيدة من دروس المعركة الأولى ومبرهنة على حنكة كبيرة.
10- استطاعت المدفعية الساحلية تغطية انسحاب زوارق الصواريخ الصديقة وأربكت العدو عند مهاجمتها الزوارق السورية.
11-تمكنت المدفعية الساحلية من إحباط مهمة زوارق العدو عند اقترابه من الشاطئ، ولم تمكنه من اتخاذ مواقع إطلاق، حتى أن بعض رشقات المدفعية التي وجهها إلى خزانات البترول أتت بعيدة جداً عن الخزانات، بينما استطاع أن يحقق نجاحاً في ضرب خزانات البترول في بانياس على الرغم من توجيه ضربة بالصواريخ إلى وحدات الحماية المتقدمة نحو بانياس.
وبصورة عامة يمكننا القول أن إغارة العدو التي حُشد لها عدد كبير من الوحدات البحرية، ساعدتها في ذلك الغواصات والحوامات، لم تتمكن إلا من تنفيذ جزء بسيط من المهام المسندة إليها. وكان ذلك بسبب يقظة وحدات البحرية وجاهزيتها العالية بزوارقها ومدفعيتها الساحلية. وقد أثبتت هذه المعركة دور المدفعية الساحلية الهام في صد الإغارات البحرية عن الساحل. ، وكانت الوحدات التي اشتركت في هذه المعركة ، خمس زوارق صاروخية وكتيبتان مدفعية ساحلية .
المصادر : تاريخ الجيش العربي السوري ، المجلد الثالث ، صت 188- 191