شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء
ذهبت إلى قريتي “سُليم” باللباس المدني مع الكوفية والعقال، الأكثرية لم توافقني على عملي، أخي أبو طلال “فهد” قال: بما أنك مقتنع بما فعلت لا تسأل عن رأي أحد.
أحد أعمامي قال لي: لو كان والدك حياً هل يوافق على ما قمت به؟ أجبت: لو كان والدي حياً كان سألني أولاً لماذا فعلت ذلك وبعد سماع رأيي يقرر التأييد أو التأنيب ولربما الحياد، أي لاي يتدخل بهذا الأمر بل يوافقني عليه. لا كما فعلتم. وقد سمعت كثيراً من الهمس الخفي: لماذا ترك وظيفته ورتبته وماذا ينتظره، أتى لتعب البال.
إن الوطن له حق وهو أحقُ بخدمتنا. عندما رأينا الفرنسيين قد نكثوا بعهدهم في إعطائنا الاستقلال وقفنا مع حق الوطن علينا. إذا نجحنا نكون قمنا بواجبنا. وإلا فالجهاد حتى النصر أو الاستشهاد.
تمكنت من الإطلاع على المعركة. لأننا في المعسكر البولوني كما معزولين عن العالم، المعركة التي خاضها السوريون حكومة وشعباً وبعض ضباط الجيش ضد الاستعمار.
كانت الحكومة تتفاوض مع المفوض السامي من أجل استلام الجيش والمصالح المشتركة بالاتفاق مع الحكومة اللبنانية. كان المفوض السامي يطلب أن تبقى قوات الشرق الخاسة تحت القيادة الفرنسية حتى انهاء الحرب. ولما أوشكت الحرب أن تنتهي طلبوا عقد معاهدة تُمنح بموجبها فرنسا قواعد بحرية في لبنان وقواعد جوية في سوريا مع امتيازات لمصالحها الاقتصادية والثقافية والعسكرية، وهذا ما رفضته الحكومتان السورية واللبنانية.
في /8/ أيار الهدنة واستسلام ألمانيا ونهاية الحرب معها. ومنذ التاسع من أيار بدأ جنود فرنسا يتجولون في الشوارع مع مصفحاتهم وسيارات ملأى بالجنود، يطلقون النار في الهواء احتفاء بانتهاء الحرب. ولكن في الحقيقة يستنفزون الأهالي. وأتوا بتعزيزات من جنود المستعمرات أنزلتهم البواخر في بيروت قبيل الهدنة وبعدها استعداداً لمعركة تحضر لها.
جرت مظاهرات وإضرابات وصدامات عنيفة في كل المدن السورية. وفتح باب التطوع في دمشق حيث تطوع بعض النواب وكثير غيرهم من أبناء الشعب، وعاد بعض الضباط والعسكريين المسرحين إلى الخدمة حيث التحقوا بهذه القوات للدفاع عن الوطن.
أما أبناء الجبل فكانوا السباقين لخدمة وطنهم. فقد بحث رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء مع نائب الجبل “يوسف باشا الأطرش” إمكانية القيام بعمل ما لتخفيف الضغط الفرنسي على دمشق وحلب وباقي المحافظات وقاموا باستدعاء الأمير “حسن الأطرش” الذي كان عضواً في تنظيم سري مدني وعسكري. وكان هذا التنظيم قد أعد خطة للعصيان يتم خلالها القبض على الفرنسيين في السويداء وأن تلتحق الكتيبة الدرزية بالحكومة وتتلقى الأوامر منها وتكون تحت تصرفها. فتم عرض هذه الخطة على الحكومة وعاد المحافظ مفوضاً من قبلها بتنفيذ ذلك.
وفي ليل 28 -29 أيار عقد اجتماع في دار الدكتور “توفيق عز الدين” حضره نخبة من أبناء الجبل “لم أكن حاضراً حتى أذكر الأسماء”! وفي الوقت المعين نفذوا حركتهم واعتقلوا كل الفرنسيين الموجودين في السويداء وعلى رأسهم الكومندان “سارازان” مندوب المفوض السامي وتم حجزهم في منزل الأمير “حسن الأطرش” حتى حضر البريطانيون واستلموهم.
ورفع أول علم سوري على ثكنات الجيش في السويداء. وزال كل أثر للاستعمار في محافظة السويداء. إنه عمل بطولي نفذه أبناء هذه المحافظة الأشاوس.
في 29 / 5 الساعة الخامسة عشرة وجه الجنرال “أوليفاروجيه” إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي الأستاذ “سعد الله الجابري” بأن تقوم حامية البرلمان.. من الشرطة والدرك بأداء التحية إلى العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء في بناية الأركان المجاورة. رفض الجابري الإنذار، وألغى جلسة كانت مقررة في المساء للمجلس لأنه شك في نوايا الجنرال وعلم أنه نوع من التحرش.
في الساعة السابعة عشرة والنصف قام الفرنسيون بمهاجمة البرلمان، قصفته مدفعية الدبابات والهاون ثم اقتحمته المشاة. دافعت حاميته بأسلحتها الفردية ولكن المهاجمين احتلوه وقتلوا حراسه، ومثلوا بهم. كذلك أمطرت المدفعية دار الحكومة، بلدية العاصمة، مديرية الشرطة، والقلعة مقر الدرك، السجون، ومصلحة مياه الفيجة، وبعض البنايات المجاورة خلال الليل وأحدثوا تدميراً وخسائر بالأرواح.
استمر القصف بالمدفعية والطائرات ورشاشات الطائرات متقطعاً خلال يومي / 30 – 31 /5 في 1 / 6 استلم الجيش البريطاني الأمن وأوعز إلى القيادة الفرنسية بسحب جيشها من الشوارع وواكبته إلى ثكناته خارج المدن.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (33): الانسحاب عن الفرنسيين