وثائق سوريا
كلمة شكري القوتلي في مجلس النواب بمناسبة انتخابه رئيساً عام 1955
خطاب الرئيس شكري القوتلي في مجلس النواب، يوم السادس من أيلول عام 1955- بعد أداة اليمين الدستورية.
جرى انتخاب الرئيس القوتلي في مجلس النواب في الثامن عشر من آب عام 1955م.
أيها الكرام:
في جلسة سابقة عقدها مجلسكم الموقر دعوتموني مرة جديدة إلى القيام بأعباء رئاسة الجمهورية قد وجه إلي دولة رئيسكم على أثر الانتخاب كلمات طيبة وأماني صادقة، فإليكم جميعاً خالص الشكر على جميل ثقتكم، التي أوليتموني إياها بعد أحداث متوالية مرت في هذه البلاد، أما الذين توجهوا باختيارهم إلى مرشح سواي، يؤسفني أن لا يكون اليوم حاضراً هذه الجلسة بسبب مرض ألم به، فقد قاموا بعمل هو من طبيعة الحياة الدمقراطية العريقة، ومألوف التقاليد الجمهورية الأصليلة، ولهؤلاء وأولئك عندي منزلة واحدة، بحكم المهمة الخطيرة الملقاة على عاتقي باسم الأمة.
وإني الآن، وقد طويت صفحة الانتخاب، لأود من صميم قلبي أن تتجه الأحزاب والهيئات نحو اتحاد قومي، في هذه الأزمات الصعاب التي نواجهها نحن، ويواجهها العالم العربي بأسره، فيشهد بعضنا أزر بعض في العمل على اسعاد وطننا، ورفع مستوى شعبنا، وإدراك المثل العليا التي تستهوي أفئدتنا، ونتطلع من خلالها إلى إنشاء مجتمع يسوده الحق والعدل والإخاء.
أيها النواب الكرام
قد تتساءلون عن البرنامج الذي وضعته لنفسي وقررت اتباعه والاهتداء به، فأقول ان هذا البرنامج قد تلوته عما قليل، إني في القسم الذي أشهدت الله عليه، وآليت على نفسي أمامكم ألا أدخر جهداً في سبيله، هو التمسك بالدستور، رمز سيادة الأمة وعنوان ضميرها القومي، واحترام القوانين، والمحافظة على حريات الشعب ومصالحه وأمواله، والاخلاص للنظام الجمهوري في السر والعلن، وحماية استقلال الوطن وسلامة أرضه، وتعزيز قوانا الدفاعية التي توكل إليها هذه المهمة المقدسة، والسعي لتحقيق وحدة البلاد العربية، التي ترتبط بينها أوثق الصلات وأبقاها على الدهر، حتى تصبح أمنية اليوم حقيقة الغد.
ولا يخامرني شك بأن تطبيق النصوص الدستورية تطبيقاً صحيحاً، يجعل في متناول أيدينا احدى الوسائل، التي تستهدف استقرار الأوضاع في البلاد، وضمان حقوق الأفراد والجماعات، وافتتاح عهد جديد تتعاون فيه سلطات الدولة، وتضطلع بواجباتها في خدمة الأمة، وتأمين الرغد والرخاء لجميع طبقاتها، ولاسيما الطبقات العاملة الكادحة، التي يجب أن تنال حقها كاملاً من العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية.
أيها النواب الكرام
إن أحداثاً خطيرة تقع في بعض أجزاء العالم العربي وتضطرب لها سائر ربوعه، فمصر الشقيقة تنشب بينها وبين إسرائيل معركة حامية الوطيس، هي معركة الأمة العربية التي يناصبها العدو حرب فناء وجلاء في قلب بلادها وعقر دارها، وتقف منها مصر الآن في صف القتال الأول، وإني في الوقت الذي أحيي قادتها وجيشها وكماتها، أشعر بأن واجباً عظيماً يقع في هذه الساعات الحرجة على كاهل كل عربي، وكاهل كل حكومة عربية واجباً يستمد قوته وأسبابه من روابط الإخاء الصحيحة والمصالح الدائمة والحقائق الثابتة، ويتجاوز تجاوزاً بعيداً تقضي به العقود الملزمة والمواثيق المبرمة، فالحرب التي تشعل لظاها في أطراف غزة، والاعتداءات الأثيمة التي تواصلها إسرائيل في أنحاء مختلفة، وتنقض بها شروط الهدنة، أحياناً بالحيلة والدسيسة، وأحياناً بالجهر والعلانية، سيكون من نتائجها اضطراب جميع خطوط الهدنة، التي نعتبرها خطاً واحداً للشعوب العربية، وإني إذ أبعث إلى هذه الشعوب وإلى حكوماتها بتحية الأخوة الصادقة على ما أظهرته من التضامن في هذا الموقف الخطير، أرى حقاً عليّ أن أوجه إلى الجيش السوري المرابط على حدود الوطن تحية الإعجاب والتقدير لما يبديه من الاستعداد للبذل والتضحية في سبيل الذود عن حياض الوطن والدفاع عن تراث الأمة العربية.
ومن دواعي الأسف الشديد، إننا ونحن نواجه هذا الخطب الجسيم منذ سنوات عديدة، نلتفت فنرى بقاعاً عربية فسيحة الأرجاء في أفريقية، مازال الاستعمار ملقياً فيها جرانه، وهو يستعين لبلوغ مآربه بآلة حرب هائلة، وجيوش لجبة مدججة، تحاول إرغام شعوبها الأبية على الخضوع لسلطان لا تريده، على حين أنه قد أزفت الساعة التي تحقن فيها الدماء، وتنال الرغائب القومية ما يرضيها ويطمئنها من الحياة الحرة المستقلة، أما الاعتماد على تحكيم القوة في مثل هذه الأمور فعدا عما فيه من إنكار لأقدس قواعد حقوق الإنسان، سيكون مصيره في آخر الأمر إلى الإخفاق والفشل، كا دلتنا التجارب القريبة والبعيدة، ولكني بعد أن يبقى في النفوس مرارة الأحقاد والضغائن ويخلف من آثار الخراب والدمار ما يظل ماثلاً في الخواطر. وليس حقاً ولا عدلاً أن يحل العنف والشدة والاكراه، في علائق الشعوب بعضها ببعض، محل الشعور الإنساني والمفاوضات السلمية والصلات الودية.
أيها النواب الكرام
لقد استعرضت وإياكم أهم الشؤون التي تفرضها علينا الساعة الحاضرة، وإني أقف هنيهة قبل الختام لتحية صاحب الفخامة الرئيس الجليل السيد هاشم الأتاسي، الذي تنتهي مدة رئاسته، ولكن لا تنتهي خدماته الجلى لأمته وبلاده، وهو يبرح شدة الرئاسة محفوفاً بعناية الله وتكريم أبناء وطنه، محمود الذكر والأثر، ويسعدني أن أشيد بمآثره التي أحلته المكان الرفيع بين مواطنيه خلال ستة وثلاثين عاماً من تاريخ النضال وتاريخ الحكم الوطني، وجعلته جديراً بالكلمة المأثورة: لقد استحق شكر الوطن.
وإني أسأل الله بعد ذلك، أن يمدني بالقوة والحكمة، حتى أكون قادراً على أداء مهمتي، وأحسن القيام بالتبعات الملقاة على عاتقي، معتمداً على مؤازرتكم ومؤازرة الأمة، التي تضاعف من ثقتي ببلوغ النجاح، ويزداد معها أملي باجتماع كلمتنا في اخلاص مشترك للخير العام، ومصلحة البلاد، ومبادئ الحق.
والسلام عليكم.
انظر:
انتخاب شكري القوتلي رئيساً عام 1955
زيارات وجولات شكري القوتلي الخارجية
زيارات وجولات واستقبالات شكري القوتلي الداخلية
انظر ايضاً:
وثائق وبيانات سورية 1900 – 2000
