مقالات
د.عادل عبدالسلام (لاش): من أحداث نزوح شركس الجولان
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
في غمرة انهماكنا لتأمين متطلبات إيواء النازحين الشركس من الجولان، وبعد تشكيل لجنة شعبية غير رسمية يوم الأثنين في 12 – حزيران 1967 عــــرفت بـ ( اللجنة الشعبية العليا للنازحين الشركس) ترأسها سليمان ناجي ومحمد علي عزمت، وكُلفتُ بأمانة سرها. اتفق الكل وبالإجماع على مبدأ أساسي هو (عدم توطين الشركس في الخيام والمخيمات مهما كان الثمن)، وهكذا كان….
لكننا وعلى الرغم من الحماس الملتهب والنوايا الطيبة لتقديم أية مساعدة لآلاف النازحين كل بما يستطيع، وتحول مدرسة طارق بن زياد إلى خلية عمل ومركز استقبال للوافدين، و توزيعهم منها على مدارس حي المهاجرين والشيخ محي الدين في دمشق…جوبهنا بالنقص الشديد بالمال الضروري لسد الاحتياجات الأساسية في تأمين الغذاء والكساء والإيواء والدواء. ولما كانت المؤسسات الحكومية ووزاراتها غائبة وشبه معطلة والذهول من هول صدمة الهزيمة النكراء للجيوش العربية يغطي أجواء سورية… و كافة الجهات الرسمية عاجزة عن تقديم العون…ارتأت اللجنة العليا القيام بجمع ما أمكن من التبرعات في مدينة دمشق….
تشكلت لجنة برئاستي لمتابعة الموضوع…وما أن بدأنا نشاطنا حتى صدمنا بعقبة إدارية رسمية… إذ تأكدت من وجود قرار من رئاسة الوزراء بمنع جمع التبرعات في سورية بأي شكل كان ومن قبل أية جهة كانت، لقطع الطريق على أفراد ومجموعات إنتهازية بل وجمعيات معروفة، تقوم بجمع الأموال لصالحها دون أية موافقة رسمية، تحت مظلة مساعدة النازحين. ومع ذلك وبعد تداول اعضاء اللجنة تقررمراجعة رئاسة الوزراء بشأن الموافقة على جمع التبرعات….وذلك باللجوء اليها وعن طريق الأخ المرحوم مصباح دبجن (دبتشن) الذي يعمل في مكتب رئيس المجلس يوسف الزعين. وبطرح الموضوع عليه أبدى حماسه واستعداده الفوري لـتلبية طلبنا، خاصة وأنه كان من خيرة من أسهم في تقديم العون للجنة والنازحين، ولم ينقطع عن المجئ شبه اليومي إلى مركز طارق بن زياد…إذ قابل رئيس الوزراء في اليوم نفسه وعاد ونقل إلينا رغبته في مقابلتي كرئيس للجنة التبرعات، وكوني من معارفه أثناء الدراسة الجامعية.
وعلى الرغم من تعذر المقابلة لمشاغل السيد الزعين…جاءنا مصباح (أبو صالح) في اليوم التالي حاملاً معه الموافقة. التي أثارت حينها الكثير من التساؤلات لأنها كانت الموافقة الوحيدة التي وقع عليها الزعين.من بين الطلبات الكثيرة المشابهة المرفوضة. والتي ذكر أبو صالح أن معلمه (الزعين) عبر فيها عن ثقته بالشركس في أمانتهم بخصوص العملية. وبعد طباعة دفاتر الإيصالات فوراً، وتحضير الشارات الحاملة لهوية الجهة المسؤولة عن العملية، وزودنا بها الفتية والفتيات الشركس من المتطوعين لجمع التبرعات أنطلقت العملية بالانتشار في إلى الأسواق والمتاجر وكافة الجهات المتوقع منها تقديم التبرعات في جميع أحياء دمشق..
تشكلت كل مجموعة من فرق المتطوعين من شابين و شابة أو العكس. كما كنا نتبعهم كمراقبين عن بعد، ونتدخل في حال ظهور أية مشكلة. خاصة وأن عددا كبيرا من المتبرعين المحتملين كان ناقماً على الجهات الرسمية وتحملها مسؤولية المصاب الذي ضرب البلد..الأمر الذي انعكس سلباً في حالات قليلة على مهمة الفرق ورفض استقبالهم، ما انعكس بشكل خاص على تدني المبالغ المتبرع بها. كما عانت بعض الفرق من تذمر وسخط اصحاب المتاجر الذين سبق وأن تبرعوا لجماعات ادعت تمثيلها لجهات ناشطة في إعانة النازحين، وتبين لهم كذبها وخداعها. لعل الحادثة الفريدة التالية توضح هذه الظاهرة .
كنت في مهمة مراقبه عن بعد لفتاتين وشاب يعملان في سوق الحميدية، شاهدتهم يدخلون متجراً، لكنهم خرجوا منه بسرعة نتيجة صراخ صاحبه عليهم وطردهم منه، فهرعت إليهم مستفسراً. فعرفت منهم أنه وصفهم بالشحادين والحرامية وأنه قرف من تردد أمثالهم عليه، وأنه رفض الاستماع لهم ، وأنه صرخ بهم للمغادرة فوراً وعدم العودة اليه…مرفقاً ذلك بكلمات نابية. ولما سألتهم عن إظهارهم شارة الجمعية أجابوا أنه لم يصدقهم ونعتهم بالمزورين وبالكذابين والتسول. فطلبت منهم مرافقتي إلى المتجر حيث كان صاحبه وجيرانه الساخطين يتبادلون انتشار هذه الظاهرة. لم يُرحب بنا واستقبلنا بقوله: ” خير..مين حضرتك؟؟؟ّ…حلُّوا عن سمانا ..”، فعرفته بنفسي ووضحت له مهمة الفريق..وعلى أننا نعمل لأهلنا من شركس الجولان النازحين.. وأن لا حاجة لإهانة أحد… مع تقديمي اعتذارنا لما سببناه له من إزعاج… وذلك أمام الجمع الذي تقاطر أفراده من الفضوليين… وهممنا بالمغادرة أمام صمت خيم على صاحب المتجر وغمغمة الحضور. فما كان منه إلا أن قال:” أنتو شركس ؟؟؟؟ والله ما بتطلعوا إلا بكاسة شاي..وطلبكن على راسي” وطلب منا الجلوس حين بدأ الجمع بالانفضاض حتى آخر فضولي… عندها التفت إلينا وقال:
” اعتذر منكم يابناتي ويااخوان لأنه ( الـ؟؟؟؟) هلكونا بطلباتهن كل يوم، ومنعرف إنهم حرامية وسرسرية..”، وقام وفتح صندوق حديد أخرج منه رزمة من النقود وترك بابه مفتوحاً، وقال ” شوفو هذا كل مافي الصندوق حالياً.. فخذوه حلال زلال..”. وكان فارغاً، فأكبرت فيه موقفه منا وأريحيته وكرمه، وطلبت من إحدى الفتاتين عد المبلغ ومن الشاب تحضير وصل الاستلام…فما كان من التاجر إلا أن طلب منا كلنا القسم بالقرآن أن لا يُذكر اسمه واسم متجره لأحد من قِبلنا حتى يوم القيامة…لكنه قبِل منا الإيصال بالمبلغ بشرط عدم كتابة اسمه إلا بـ (محسن كريم). وكان مبلغاً سددنا بها ثغرات كثيرة.
كنت أتردد عليه في جولاتي في دمشق القديمة وبشكل خاص سوق المسكية غربي الجامع الأموي بغية تصيد كتاب مستعمل أو تراثي قديم….وكان في كل مرة يردد علي التزامنا باليمين التي أقسمناها له،، رحمه الله وأمثاله ممن تجاوب معنا وبكل صدق وأريحية وتقديرلنا…مثله في ذلك مثل الطيب الذكرالمرحوم (عمو القنواتي) من حي المهاجرين، الذي دأب على تفقد أحوالنا الشركس يوميا تقريباً حتى نقلنا أخر النازحين إلى مستشفى التل ومنه إلى مساكن مرج السلطان.
عادل عبد السلام لاش
دمشق 22-12-2021
انظر:
د.عادل عبدالسلام (لاش): الألقاب عند الشركس
د.عادل عبدالسلام (لاش): ولادة الجمعية الجغرافية السورية
د.عادل عبدالسلام (لاش): ورقة من سيرتي الذاتية في الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): لعبة الصمت عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): هاجس مزمن .. وواقع معاش
د. عادل عبدالسلام (لاش): مع عمر بهاء الدين الأميري .. الشاعر الإنسان
د. عادل عبدالسلام (لاش): خروج فرنسا من القنيطرة ووالدي يرفع العلم السوري
د. عادل عبدالسلام (لاش): السفر برلك .. سنوات المجاعة والهلاك
د. عادل عبدالسلام (لاش): كوشباي أسعد .. مجاجة الأسطورة
د. عادل عبدالسلام (لاش): صفحة وطنية مشرفة للقائد الشركسي ناظم بيك سنجر
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
د. عادل عبدالسلام (لاش): معسكر جغرافي في الجزيرة العليا – شمال شرقي سورية 1981
د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية
د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي
د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية
د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية
د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس
د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي
د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر
د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل
د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى
د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967
د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها
د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي
د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة
د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا
عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله
د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية
د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة
د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد
د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية
د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال