د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
ورقة من سيرتي الذاتية في الجولان مع شريف وغسان ومنير وعرفان
ما أن بدأت تدريسي في قسم الجغرافيا في جامعة دمشق في السنة الجامعية 1965/ 1966 حتى أسند إلي تدريس مقرر (جغرافية سورية الاقليمية)، ففوجئت بعدم وجود أي كتاب أو مرجع جامعي للرجوع إليه، أو تكليف الطلبه باعتماده، إذ كان التدريس الجامعي وما يزال قائماً على فرض كتاب جامعي مقررعلى الطالب ويُمتحن بمضمونه، وكأن الجامعة امتداد للتعليم المدرسي وهذه، حسب رأيي… أكبر ثغرة وخطر على الدراسة الجامعية…. وأمام هذا الواقع قمت بأول خطوة في العمل الجغرافي الإقليمي الممنهج، ألا وهو وضع خريطة للأقاليم الجغرافية السورية… ومن ثم لمسحها وتغطيتها ميدانياً، فكانت البداية في منطقة الجولان الواقع في إقليم الجنوب الغربي من سورية.
وفي غمرة انهماكي في دراستي للجولان من الجوانب الجغرافية الإقليمية، متنقلا من قرية الى قرية ومن تل بركاني إلى آخر ومن واد إلى واد آخر، زارني في مكتبي في قسم الجغرافيا ثلاثة من طلابي عرفت منهم أثنين هما شريف بلوان من قرية المنصورة الشركسية وغسان نوح شورهي من قرية المدارية الشركسية. أما الثالث فكان منير بشارة الذي عرفت منه أنه من القنيطرة. وأبدى الثلاثة رغبتهم في تحضير رسائل تخرجهم من قسم الجغرافيا في موضوعات عن الجولان بإشرافي. فوافقت، وطلبت منهم تقديم مقترحاتهم، وكان كل واحد منهم يحمل أكثر من مقترح، وافقت منها على دراسة (تل العرام) لشريف، و(السفوح الغربية لجبال الجولان) لغسان، و(وادي جليبينة) لمنير.
ولما كانت معرفتي بالجولان جيدة من خلال زياراتي السابقة، سارت دراسة شريف وغسان وبإشرافي في مواقع عملهم، بيسر وسلاسة، لكن دراسة منير تطلبت الحصول على موافقة من الجهات العسكرية لمرافقته إلى الوادي الواقع على الخط العسكري الأول من الجبهة السورية المشرف على سهل الحولة في فلسطين. ولما عرضت المشكلة على منير طمأنني أنه سيوفر الموافقة لنا سوية. وبنجاحه بالأمر، اتفقت معه على موعد الزيارة. على أن أقضي ليلتي عند أقارب لي في القنيطرة، وننطلق منها في الصباح الباكر إلى الجبهة. لكنه أصر إن اقضي ليلتي في ضيافته والسهر مع أهله وأقربائه وصحبه من مسيحيي القنيطرة، لأنه وعدهم بزيارتي.
وبعد سهرة لطيفة وطويلة استيقظنا في ساعة مبكرة على طرق باب الدار، حيث كان بانتظارنا سائق سيارة لاند روفر مدنية يرتدي سترة عسكرية. قدمه لي منير على أنه سائقنا ودليلنا في مهمتنا ويدعى أبا يعرب.. الذي بدا لي أن منير قد سبق وعرفه بي وبعملنا، إذ ابتسم ورحب بـ (الدكتور عادل)، لكني وعند أول حاجز عسكري لاحظت عدم توقيفنا، وتكرر الأمر عدة مرات ونحن في سيرنا نحو الغرب وإلى وادي جليبينة. وحين هممنا بالنزول إلى الوادي، نبهني أبو يعرب إلى عدم التصوير في المنطقة نهائياً، فطمأنته بمعرفتي بذلك وفي كافة المناطق العسكرية وبصورة خاصة في القطاع الغربي من الجولان.
تركنا السائق وانطلقنا ليشرح لي منير معالم الوادي وخصائصه الجيومورفولوجية (التضريسية) ودعهما بالمقاطع والأشكال التي نفذها في عمله السابق في الوادي، إذ كانت مرافقتي له عبارة عن امتحان حقلي ومقتصرة على التحقق من صحة ما توصل إليه..وتصحيح أي خطأ عنده. ودام ذلك حتى منتصف النهار، وبعودتنا إلى موقف السيارة وجدنا أبا يعرب يتسامر مع عدد من الضباط والجنود. رحب بي أكبرهم رتبة (لاأذكرها..) ودعانا لتناول الغذاء في موقع قيادته…ولاحظت من الحضور اهتماما بأبي يعرب زائداً عن كونه مجرد سائق صديق لمنير. خاصة وأن بعضهم كان يتوجه إليه باسمه (عرفان) الذي سمعته لأول مرة، ولكن مسبوقاً بـلقب (الرفيق..).. ، المتداول بين أعضاء الحزب الحاكم في سورية….عندها توجهت إلى منير قائلاً:
” يامنير..يا بتعرفني بالسائق أبو يعرب بشكل صحيح يا بشكيك لقائد الموقع..”
فسرت موجة من الضحك… وانبرى الضابط فكشف لي عن مؤامرة دبرها منير والسائق نفسه مع كل من قابلته حتى تلك الساعة….إذ تبين أن سائقنا هو أمين فرع القنيطرة لحزب البعث، الرفيق عرفان طيلوني، أبو يعرب.
رحم الله منير وعرفان، وأطال عمر شريف وغسان.
عادل عبد السلام لاش
دمشق 24 – 11 -2021
انظر:
د.عادل عبدالسلام (لاش): لعبة الصمت عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): هاجس مزمن .. وواقع معاش
د. عادل عبدالسلام (لاش): مع عمر بهاء الدين الأميري .. الشاعر الإنسان
د. عادل عبدالسلام (لاش): خروج فرنسا من القنيطرة ووالدي يرفع العلم السوري
د. عادل عبدالسلام (لاش): السفر برلك .. سنوات المجاعة والهلاك
د. عادل عبدالسلام (لاش): كوشباي أسعد .. مجاجة الأسطورة
د. عادل عبدالسلام (لاش): صفحة وطنية مشرفة للقائد الشركسي ناظم بيك سنجر
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
د. عادل عبدالسلام (لاش): معسكر جغرافي في الجزيرة العليا – شمال شرقي سورية 1981
د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية
د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي
د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية
د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية
د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس
د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي
د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر
د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل
د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى
د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967
د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها
د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي
د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة
د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا
عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله
د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية
د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة
د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد
د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية
د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال
