بدر الدين تلجبيني- التاريخ السوري المعاصر
في الستينات من القرن الماضي، كنا نحتفل في مدينة أعزاز في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نشعر في ذلك اليوم بشعور العيد، فترى مظاهر البهجة تعمّ المنازل والشوارع والأسواق، فيزدان سوق المدينة بحبال الأعلام الورقية الملونة التي كتب عليها عبارات (ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسّم وثناء) و(صلى عليك الله يا علم الهدى)، وترى كل صاحب محل في السوق قد وضع أمام محله نوعاً من أنواع الحلويات ، فتنتشر صواني الشعيبيات من صنع (الحاج عمر حواره) يدعو اليها اصحاب الدكاكين المارة في السوق، ويفتح بائع الحلويات (الحاج محمد طيب) محله ليبيع منتجاته الرائعة من الهريسة الملونة وكعك الهوى والملبّسات وشتى انواع الطيبات.
وترى الجامع الكبير وقد زيّن بالقماش الذي يتبرع به اصحاب المخازن، وعلى منبر الجامع رفع (علم الصياد) العلم الأصغر حجماً من أعلام (النوبة).
وكان الاحتفال يقام دائماً في الجامع الكبير بعد صلاة الظهر، فترى الناس يبكّرون بالذهاب الى المسجد ليحجزوا أمكنة قريبة من منصة الإحتفال، ويقيم الحفل منشدوا الجامع (الحاج جنيد عاشور والحاج زينو حج عثمان وأبو عبد السلام سقيط والحاج سليم الحياني والشيخ حسن سيدو) ويحضره من خطباء مساجد أعزاز (الاستاذ يحيى الفاخوري والشيخ مصطفى عزو الياسرجي والشيخ احمد الشيخ سعيد والاستاذ الشيخ عيسى الخطيب والأستاذ حسن سيدو). يبدا الحفل بالتعطيرة النبوية (الحمد لله الذي انار الوجود بطلعة خير البريه، محمد عليه الصلاة والسلام ، قمر الهداية وكوكب العناية الربانيه، مصباح الرحمة المرسلة وشمس دين الإسلام )، ثم يأتي دور القصائد التي تتحدث عن أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصفاته، وبين كل مقطع وآخر يصلّي الحضور على النبي ثلاثاً، ثم تبدأ أناشيد الاحتفال (عليك صلى الله يا خير خلق الله) من مقام الحجاز، و(صلوا عليه وسلموا تسليما، الله زاد محمداَ تعظيما) من مقام الصبا، و(يا امام الرسل يا سندي) من مقام البيات، يرددها العامة من الموجودين في المسجد بصوت واحد مع المنشدين، فيسمع لهم في المسجد دويّ محبب بين قرار وجواب، مهديء للاعصاب، ويتم توزيع صرر (الملبس) على المحتفلين.
وفي نهاية الاحتفال يلقي خطيب الجامع كلمة الحفل، فيتحدث عن أخلاق سيدنا محمد رسول الانسانية وصفاته، بعد ذلك يخرج خادم المسجد (علي الجوج) الى صحن المسجد حيث ينتظره جمع ٌ كبيرٌ من الأطفال متجمهرين، ولضيافة الحفل منتظرين، فيرش عليهم السكاكر وما تبقى من ضيافة المولد فيتلقفونها فرحين، وينصرف كل بغنيمته من ضيافة مولد النبي مسرورين. وينصرف بعد ذلك حضور الحفل الى بيوتهم منتشين، تنتابهم سكينة وطمأنينة بما سمعوا من ذكر سيد المرسلين.