مقالات
د. عادل عبدالسلام (لاش): مع عمر بهاء الدين الأميري .. الشاعر الإنسان
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
كان ذلك في ربيع سنة 1953 وأثناء زياراتنا في رحلة من الجامعة السورية إلى المملكة العربية السعودية ….حيث تم استقبالنا في مطار جدة من قبل جمع من المسؤولين في المدينة ومنطقتها، وكان برنامجنا حافلاً بالمقابلات واللقاءات، أبرزها دعوة وزير المعارف الأمير فهد (الملك فهد فيما بعد)، و أمير منطقة جدة و مكة وغيرهما من أمراء الغرب السعودي وحكامها، لنا، وكان يرافقنا في كافة تحركاتنا في الغرب السعودي السفير السوري المرحوم الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري.
وفي فسحة من الوقت كنت أجلس معه حين سألني عن موطني في سورية وهل هو دمشق..؟ فأجبته أنني من قرية تدعى مرج السلطان…فأردف فوراً: هل هي التي تقع شرق دمشق وأهلها جركس (شركس) ؟؟ فأجبته مستغرباً سعة معارفه…بنعم، وسألته رحمه الله إن كان يعرفها، فقال: لا أعرفها..لكني أعرف صديقاً لي من أبنائها يعمل طبيباً في المملكة. فسألته هل تقصد الكتور (جواد ادريس)؟ فانفرجت أساريره وقال: إنه نفسه…و طفق يحدثني عنه بإعجاب وتقدير.. وأنه الوحيد الذي نجح في معالجة أحد أبناء الأسرة المالكة…بعدما عجز أطباء أمريكا وأوروبا عن شفائه…قضى المرحوم كل أيام زياراتنا في الغرب السعودي بصحبتنا…وأخبرني يوم سفرنا إلى الرياض والشرق السعودي، أن الدكتور جواد سيكون بين مستقبليكم حتماً. وحملني سلامه له.
ودارت الأيام ولم أجتمع بالمرحوم الأميري، وغاب لقاؤنا عن الذاكرة حتى وصلتني منه رسالة إلى جامعة دمشق، تحمل في طياتها القصيدة التالية، التي قفزت إلى ذاكرتي مع بانوراما واجهة الأحداث السورية، أدرجها على صفحتي هدية وتكريماً لذكرى هذا الكبير، لما تحمله من معان إنسانية راقية…ومعبرة عن أحاسيس من تمسهم من أبناء هذا البلد الجريح.
قال الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
“كنت مع أولادي الثمانية وأسرتي في مصيف قرنايل، ثم سافروا جميعا إلى حلب، وتلبثت وحدي في خلوة شعرية، فقلت (هذه الأبيات)”
أين الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟ أين التَّدارسُ شابَهُ اللعبُ
أين الطفولة في توقُّدها أين الدُّمى، في الأرض، والكتب؟
أين التَّشَاكسُ دونما غَرَضٍ؟ أين التشاكي ما له سبب
أين التَّباكي والتَّضاحُكُ، في وقتٍ معًا، والحُزْنُ والطَّربُ؟
أين التسابق في مجاورتي شغفًا، إذا أكلوا وإن شربوا؟
يتزاحمون على مُجالَستي والقرب منِّي حيثما انقلبوا
فنشيدهم “بابا” إذا فرحوا ووعيدهم “بابا” إذا غضبوا
وهتافهمْ “بابا” إذا ابتعدوا ونجيُّهمْ “بابا” إذا اقتربوا
بالأمس كانوا ملءَ منزلنا واليومَ -ويح اليومِ- قد ذهبوا
ذهبوا، أجل ذهبوا، ومسكنهمْ في القلب، ما شطّوا وما قَرُبوا
إني أراهم أينما التفتت نفسي، وقد سكنوا، وقد وثبوا
وأُحِسُّ في خَلَدي تلاعُبَهُمْ في الدار، ليس ينالهم نصب
وبريق أعينهمْ إذا ظفروا ودموع حرقتهمْ إذا غُلبوا
في كلِّ ركنٍ منهمُ أثرٌ وبكل زاويةٍ لهم صَخَبُ
في النَّافذاتِ، زُجاجها حَطَموا في الحائطِ المدهونِ، قد ثقبوا
في الباب، قد كسروا مزالجه وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصَّحن، فيه بعض ما أكلوا في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشَّطر من تفّاحةٍ قضموا في فضلة الماء التي سكبوا
إنِّي أراهم حيثما اتَّجهتْ عيني، كأسرابِ القَطا، سربوا
بالأمس في “قرنابلٍ” نزلوا واليومَ قدْ ضمتهمُ “حلب
دمعي الذي كتَّمتُهُ جَلَدًا لمَّا تباكَوْا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا منْ أضلعي قلبًا بهمْ يَجِبُ
ألفيتُني كالطفل عاطفةً فإذا به كالغيث ينسكبُ
قد يَعجبُ العُذَّال من رَجُلٍ يبكي، ولو لم أبكِ فالعَجَبُ
هيهات ما كلُّ البُكا خَوَرٌ” إنّي -وبي عزم الرِّجال- أبُ
هذا ما جاد به شعور هذا الرجل الإنسان مع ضيق الشقة بين حلب وقرنايل في لبنان…فماذا لو عاش آلام يومنا هذا.
وأتساءل: ماذا كان سيقول عن السوري الحلبي والدمشقي والحموي و الجولاني والحوراني اولجزراوي ووووو……. المكلوم، وعن آباء وأمهات أهل مرج السلطان وقدسيا وخناصر وووو ……وعن آباء وأمهات ثكلى كل تجمع سكاني سوري، وأبنائهم وبناتهم من اللاجئين في دول أوربا وأمريكا واستراليا….. ابن في السويد، وآخر في أوكلاند، وثالث في تركيا.. ورابع في ميه قوابه وبنه هس…وأتساءل: هل هناك لغة قادرة ، ومنها العربية على التعبير عن مآسينا منذ عشر سنوات، وهل كان بمقدورشاعرنا المرحوم الأميري وغيره نظم شعر يبكيها، ويرثي حال الجلل الذي حل بسورية ، وهل وهل ….. ؟؟؟؟
رحمك الله يا كبير
عادل عبد السلام لاش
دمشق 11- 9 -2021
انظر:
د. عادل عبدالسلام (لاش): خروج فرنسا من القنيطرة ووالدي يرفع العلم السوري
د. عادل عبدالسلام (لاش): السفر برلك .. سنوات المجاعة والهلاك
د. عادل عبدالسلام (لاش): كوشباي أسعد .. مجاجة الأسطورة
د. عادل عبدالسلام (لاش): صفحة وطنية مشرفة للقائد الشركسي ناظم بيك سنجر
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
د. عادل عبدالسلام (لاش): معسكر جغرافي في الجزيرة العليا – شمال شرقي سورية 1981
د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية
د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي
د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية
د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية
د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس
د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي
د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر
د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل
د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى
د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967
د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها
د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي
د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة
د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا
عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله
د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية
د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة
د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد
د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية
د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال