You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية المهاجرة وتأثيرها الاقتصادي

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية المهاجرة وتأثيرها الاقتصادي

نشر في  المجلة، بيروت المجلد 8 العدد 4، الصادر في الأول من حزيران عام 1933م.


 نص المقال:

عرضنا في أجزاء المجلة الماضية لأهم العوامل المسببة الأزمة الاقتصادية في البلاد. ونحن نخص هذا الجزء بدرس عامل مهم في تطوير حياتنا الاقتصادية هو عامل المهاجرة.

كانت المهاجرة في بدء عهدها محدودة جداً ولم يكن لها في ذلك الزمن شأن يؤثر في اقتصاديات الأمة السورية تأثيراً يدعو إلى إفراد درس خاص لها. فقد كان المهاجر القديم يذهب، عبر البحر، على أمل أن يجمع قليلاً من المال يتمكن به من تحسين أحوال معاشه في وطنه ثم يعود. ومع أنّ أكثر الذين هاجروا لم يعودوا إلى الوطن إلا ليتزوجوا أو ليزوّجوا أبناءهم، فمعظمهم ظلوا مرتبطين بأهلهم الباقين وكانوا يمدونهم بالمساعدة المالية المستمرة.

تطور شأن المهاجرة، في ما بعد، تطوراً خطيراً. فقد رأى المهاجرون أن يستقدموا أهلهم إليهم، فيستعينوا بهم في الأعمال لقاء إمدادهم بالمال، ووجدوا أنّ وجود أهلهم بقربهم أقلّ نفقة لهم من بقائهم في الوطن بعيدين عنهم. كان ذلك أول ظاهرة تدل على استقلال شؤون المهاجرين الاقتصادية عن شؤون الوطن. ثم استفحل أمر المهاجرة إلى حد خطر. ولمّا كان معظم المهاجرين من أهل الجدّ والعمل كان الأثر الذي خلَّفوه وراءهم أثراً سيئاً جداً فيما يختص بالإنتاج والعمران واستهلاك المحصول والمنتوج في الوطن.

إنّ أظهر نتائج المهاجرة في لبنان يبدو في أنّ الأراضي التي كانت فيما مضى مزروعة عنباً وتيناً وفاكهة من أنواع متعددة بارت وأصبحت مواتاً، فكثرت المناطق الجرداء في الجبل، حتى أنّ «الهضاب المخضلة والأودية الظليلة» تكاد تكون أثراً تاريخياً فقط، لولا بعض المصايف القليلة التي استبقت شيئاً من أشجارها وأحراجها يعتدل به المناخ قليلاً. فلبنان الجميل قد أصبح لبنان الأجرد، الأقرع، القاحل، الذي يبدو من بعيد جميلاً بألوان تربته وظلال صخوره ومرتفعاته، ولكنه جاف، كالح للمقيم الذي يريد لطافة النسيم وطراوة الفيء وبهجة الخضرة ورونق الزهر. ولو أنّ لبنان اليوم كما كان منذ خمسمائة سنة لكان مورد الاصطياف أضعاف أضعاف ما هو عليه الآن.

لعل أعظم تأثير للمهاجرة هو تقليل الأيدي العاملة والاستهلاك. وقد يكون قلة العمل والاستهلاك في سورية من أعظم عوامل زيادة ما في السوق على الحاجة إليه ــــ أي الكساد. ولم يكن الناس هنا يشعرون بهذه الحقيقة قبل الأزمة العالمية، لأن قسماً كبيراً من المهاجرين الذين تركوا في الوطن أهلاً وعيالاً كانوا يتابعون المدد المادي، فلما نزلت الأزمة العالمية بهم قطعوا المدد عن الوطن وانصرفوا إلى معالجة شؤونهم الخاصة. ومن هذه الحقيقة يمكننا أن نستنتج أنّ المهاجر ليس لوطنه الأول بل لوطنه الثاني.

إنّ قسماً كبيراً من الشبان المتعلمين هجر وطنه وارتحل إلى السودان حيث استخدم في دوائره. والسودان بلد غير مضياف من حيث المناخ، فطبيعته الحارة لا توافق المزاج السوري المعتدل، ومع ذلك نرى أنّ شبان الجامعات السوريين فضلوا سهولة الحصول على المعاش في البلدان غير المضيافة على صعوبة العمل في بلادهم. وهم لو بقوا في الوطن لكانوا أحيوا موات أرضهم وميت آمال أمتهم.

في هذا الواقع نرى صورة جلية من إساءة استعمال العلوم التي أتت بها الجامعات إلى سورية. فإن متخرجي هذه الجامعات السوريين لم يستخدموا هذه العلوم لترقية مقدرتهم على إصلاح وطنهم وبيوتهم وشؤون أمتهم وترقية حياتهم وتهذيب أولادهم، بل استخدموها للانصراف عن العمل المتعب الذي يحتاج إلى الجهد وعرق الجبين، وطلب الأعمال الكتابية الهينة في بلاد الغربة، إنهم فضلوا الاستخدام على السيادة والاعتماد على غيرهم على الاستقلال.

لقد مضى الآن على تاريخ الهجرة السورية وقت طويل، يمكننا من المقابلة بين فوائد المهاجرة للأمة والوطن وأضرارها. وإننا نجد أنفسنا مضطرين إلى التصريح بأن خسارتنا في المهاجرة كانت أعظم كثيراً من ربحنا. والذين لا يزالون يعتقدون أنّ المهاجر يظل مرتبطاً بوطنه وأمته وأهله هم على ضلال. قد كنا في المهجر ورأينا عدداً كبيراً من رجالنا وشباننا يهتمون بلهوهم والمقامرة أكثر كثيراً مما يهتمون بوطنهم وأهلهم. ومع تمادي الأيام لا يعود المهاجر يفكر في وطنه إلا نادراً وحين ينبه إلى ذلك.

إنّ المهاجرة قد كلفت البلاد خراب كثير من عمرانها وجفاف كثير من زرعها وضرعها واضمحلال قسم كبير من نتاجها، ومداواة سوء نتائج المهاجرة تقتضي الإقلاع عنها. فالأراضي السورية تحتاج إلى الأيدي العاملة والأمة محتاجة إلى أبنائها


انظر:

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: السوريون في عالم الاقتصاد

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد

أنطون سعادة: القضية الوطنية .. الصهيونية وامتدادها

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

أنطون سعادة: بدء النهاية – ثورة الشرق

أنطون سعادة: نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: معرض التلوين الصوري

أنطون سعادة: ذكرى الهدنة

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

أنطون سعادة: عصران يتصارعان.. مبادىء أساسية في التربية القومية

أنطون سعادة: الصحافة السورية

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية الأزمة الاقتصادية في بلادنا 

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية أزمتنا الاقتصادية عوامل أخرى

أنطون سعادة: بعث الأدب السوري

انظر ايضاً:

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

المصدر
المجلة، بيروت المجلد 8 العدد 4، الصادر في الأول من حزيران عام 1933م.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى