شهادات ومذكرات
مجيد الفوال .. من مذكرات محمد حسن بوكا (4)
من مذكرات محمد حسن بوكا (4) – مجيد الفوال
كان بجوار مقهى والدي بسوق الخيل بائعاً متجولاً على عربة صغيرة يبيع فيها أطباق الفول المدمس لأصحاب البطون الجائعة يتنقل بها بين زوايا السوق منذ عام 1907 م عرف باسم مجيد الفوال أبو رياح واسمه الحقيقي / عبد المجيد المارديني ويقف بجانبه بائع متجول يعرض مختلف أنواع الخبز كتوأمين في حضن أمهما لا ينفصلان عن بعضهما منذ ولادتهما .
ففي يوم من الأيام ضاق رزق بائع الخبز ونظر الى طاسته الذى يضع فيها النقود فوجدها فارغة وبالمقابل العم أبو رياح الزبائن تحوفه من كل مكان وطاسه بالنقود مليان .
فتقدم بائع الخبز وبيده طاسه التي فيها القليل وقال لمجيد الفوال :
شوف يا أبو رياح طول عمرنا أخوات جيرتنا واحدة وطعامنا واحد وعشرتنا واحدة ورزقنا واحد وغلتنا واحدة .. وحمل طاسه وقلبها على طاسة مجيد الفوال ، فصاح أبو رياح ماذا فعلت ؟؟؟!! … قال له : نقسـم الغلة بالنصف ….
فأدرك أبو رياح ضيق صاحبة وحاجة رفيقه ، فقسم له ما تطيب به نفسه وما يجود به أصله ، فسبحان المعطى الكريم إذا أعطى أدهـش وإذا أخذ فتـش .
كان والدي يستخدم أبو رياح عند الظهيرة حيث يقل بيع الزبائن لديه ، في توصيل بعض الأغراض لبيتنا في حارة العبيد ، وفي يوم من الأيام ذهب لتوصيل بعض الأغراض فتكلم مع والدتي لتتوسط لدى والدي فى مساعدته بفتح محل لبيع الفول بدل من عربة يتنقل بها بالشوارع والحارات وهو على اسـتعداد لسـد هذا الدين بالتقسيط .
وفعلا استجاب والدي لهذا الطلب لحبه فعل الخير ومساعدة الناس ، فاشترى له محلاً صغيراً في سوق العتيق .
وفتح الله على عبد المجيد من واسع نعيمه فسـد دينه ووسع محله وضم جواره اليه وبلغت مساحته 70 متراً مربعاً ، وجعل يبيع بكرم فائق وسخاء لامثيل له بدمشق يزيد بالصحن من الفول حتى الشبع مجاناً حتى عرف بمحل ” صلح ” ، ثم انتقل من بعده الى الجهة المقابلة من سوق الأرماني بنفس المساحة ونفس النظام واشتغل معه ولداه ومن بعدهم أحفاده ..
طاب مطعمه ووسع رزقه وزادت بركته فكان يضع قدر الفول ليلاً في بيت نار حمام الأرماني وعند الصباح يكون الفول قد نضج على مهله واسـتوى طعمه ، وتميز بخلطته الخاصة وسخاء يده الكريمة ، كان لا يبيع إلا الفول ويحضره بطريقتين تلقيان إقبالاً كبيراً عند الدمشقيين ، الأولى الفول المدمس بالبندوة والبقدونس والحمض والثوم وزيت الزيتون ، والطريقة الثانية بإضافة اللبن الممزوج بالطحينة والحمض والثوم وزيت الزيتون .
ذاع صيته بدمشق كلها وأصبح كبار الشخصيات والمشهورين يتعمدون تناول صحن الفول المميز عنده ومنهم الرئيس جمال عبد الناصر والفنان عبد الحليم الحافظ والملحن عبد الوهاب ومن رواده الشاعر سليمان العيسى الذي كتب به أبياته :
فولي أصبح زاكياً …..والقلب منه راضياً
فولي أصبح قـائلاً ….. مني تدور العافـية
انظر إلي يا بديع ….إني وقت الصبح أطيع
الزيت والخل المنيع ….يجلي الصدأ والغاشية
اسمع كلامي يافهيم …. وقم بزيارة عبد المجيد
القلب يبقى منك يهين ……تبقى بعيشة راضية
ومن زبائنه المداومين حاكم الجنايات بالمحكمة العادلية بالمرجة القاضي/ عبد الرزاق عابدين .
وفي يوم أحب القاضي أن يمزح مع مجيد الفوال فقال له / فولك اليوم مو كتير طيب ..!!! فانزعج أبو رياح وحاول أن يخيف القاضي بمغرفة الزيت والحمض فارتعشت يده واصاب الطقم الأبيض للقاضي عبدالرزاق دون قصد .
ارتبك مجيد الفوال وهرع يتأسف للقاضي واجتمع الحرس الخاص يريدون تأديب عبد المجيد ، لكن المستشار/ عبدالرزاق وبكل نفس رضيه وبروح مرحه قال له مازحا غداً سأكل عندك ببلاش .
وأخذ الشرطى المرافق الجاكيت وغسله عند حمام الأرماني ولم يترك الحادث أي أثر في هذه النفوس الطيبة .
انظر:
من مذكرات محمد حسن بوكا (1) – تعريف
من مذكرات محمد حسن بوكا (2) – مرحلة الطفولة
من مذكرات محمد حسن بوكا (3) – التاجر الصغير