الحياة العائلية ما بين 1940- 1950 .. من مذكرات محمد حسن بوكا (11)
تزوج أخي الكبير محمد عزت وانجب خمسة أطفال ، وأخي محمد علي أيضا وأنجب ثلاثة أطفال . كنا نقيم جميعاً في بيت عربي واحد ذات الخمس غرف على طابقين حوالى عشرين شخص ، الوالد والوالدة في غرفة بالسطح كانوا يسمونها (الطيارة) والغرفة الأولى بالدور الأول لأخي محمد علي مع أولاده الصغار والغرفة الأخيرة لأخي محمد عزت ، وفي الدور الأرضي المربع للضيوف وأخرى للجلوس بالنهار وللنوم بالليل للأطفال ما بين 6-15 سنة.
كانت الحياة الاجتماعية تقوم على المساعدة والتعاون المشترك بين أفراد العائلة الواحدة كل حسب طاقته وامكانياته ، فكانت الوالدة ونسوان أخوتي يقمن بالغسيل والطبخ وتحضير الطعام للفطار الساعة السابعة الى الثامنة ، والغداء من الثانية عشر الى الواحدة ظهراً ، والعشاء ما بين السابعة والثامنة ، والصبايا يقمن بمساعدتهن في غسـل الأواني وترتيب البيت ، وكانوا كلهم يجلسون على مائدة واحدة على الأرض وفي صحفة واحدة كبيرة يجتمعون حولها وكل يمدّ يده حسب قدرته للوصول الى الطعام ، أما والدي ووالدتي فكانوا يأكلون على منضدة صغيرة مرتفعة قليلاً عن الأرض ومعهم أختي عنايت وأخي مروان باعتبارهم صغاراً وأخر العنقود .
كان يوماً واحداً من الأسبوع مخصصاً للاستحمام ويوماً بعده للغسيل تتجمع الملابس المتسخة لكل من يسكن بالدار ، ويتم فرزه حسب لونه ونوعيته ويغسل على ثلاث مراحل ومرحلتين للشطف ثم التعصير والنشر بالدور الأعلى – الطيارة – وتأتى عاملة مأجورة متخصصة للغسيل وكان اسمها أم صالح تساعد الوالدة بمشروع الغسيل الأسبوعى .
وكنتُ أحيانا أساعد والدتي فاتعهد بغسيل أول فم على طبق الغسيل الكبير ومن بعدى نسوان أخواتي فنغسل بقوالب الصابون وصودا الكاوي للملابس البيضاء مع استعمال نيلة الغسيل الزرقاء أثناء فض الغسيل لجعله ناصع البياض .
كانت علاقاتنا مع أقربائنا قوية وخاصة أولاد خالتي ليلى الكاشف وأولاد عم الوالدة جميل الكاشف ومحمد تقي الكاشف الذي ترك بصمة على جدران غرفة الضيوف في دارنا حيث قام عام 1935 بنقش ودهان الغرفة بالألوان الزيتي وهي ماتزال برونقها الى الآن .
وكنا نذهب دوماً في نزهات الى الربوة وعين الخضرة وعين الفيجة والغوطة نمضي أوقاتاً سعيدة .
كانت أعمال الوالد متعثرة بظروف الحرب العالمية الثانية والحالة الاقتصادية ضعيفة ، وكانت أزمة الخبز على أشدها ويوزيع بالبطاقات التموينية ، فكنت أصحو مع الفجر وأجمع الخبز من عدة أفران وأجنب حاجة البيت الذي يُطعم عشرين نفساً والباقي أبيعه للناس بربح بسيط لتغطية مصروفي الشخصي .
إلا أننا كنا سـعداء ونقضي الأيام والليالي بمرح وسرور ، ولم يشعر الجيران والمعارف يوماً بضائقتنا المالية وينظرون الينا على أننا عائلة ميسورة وأوضاعنا جيدة ، حتى أن المدرسة التي كنا فيها أنا وأخوتي تبيع أوراق المذاكرات كل ورقة بقرش لمساعدة صندوق التوفير ، إلا نحن أولاد بوكا كانت المدرسة تبيعها لنا كل ثلاث أوراق بخمس قروش ظنّا منهم أننا أغنياء والله تعالى وحده أعلم بأحوالنا .
وفي العطل الصيفية كنت أعمل أجيراً في عدة مهن حرفية مثل النجارة وميكانيك السيارات ودهان المنازل أوعاملاً في مصانع الكنسروه .
تغيير كنية العائلة :
كان عمى الكبير دادود ياسين بوكا من مواليد ديريك 1870م وتوفي في 1927م بدمشق من قبضايات سوق ساروجة ولقب ببوكه أي بطل باللغة الكردية واشتهرت كنية العائلة / دياربكرلي ولكثرة العوائل السورية التي تحمل لقب ديار بكرلي نسبة الى منطقة ديار بكر ولم يكن بينها قرابة ، فقد قمنا بدعوى الى الأحوال الشخصية بتاريخ 2/ 2/ 1943 لتعديل الكنية لتصبح ديار بكرلي الشهير ببوكه وزاد الأمر تعقيداً .
انظر:
من مذكرات محمد حسن بوكا (1) – تعريف
من مذكرات محمد حسن بوكا (2) – مرحلة الطفولة
من مذكرات محمد حسن بوكا (3) – التاجر الصغير
من مذكرات محمد حسن بوكا (4) – مجيد الفوال
من مذكرات محمد حسن بوكا (5) – المرحلة الابتدائية
من مذكرات محمد حسن بوكا (6) – مرحلة الشباب
من مذكرات محمد حسن بوكا (7) – العرفان بالجميل
التلميذ المدلل .. من مذكرات محمد حسن بوكا (8)
مقابلة الشيخ تاج الدين الحسني .. من مذكرات محمد حسن بوكا (9)
مرضي بذات الجنب .. من مذكرات محمد حسن بوكا (10)
