You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

نيقولاس فان دام : تنظيم سليم حاطوم السري

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (18)

فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.

 الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية

18-  تنظيم سليم حاطوم السري


عقد السوريون الجُدد مؤتمراً قطرياً استثنائياً لحزب البعث في دمشق بعد انقلاب 23 شباط 1966 لمناقشة الأسباب المؤدية للانقلاب. وقد تقرر معاقبة جميع أولئك الذين اتخذوا مواقف تقوم على ولاءات طائفية أو إقليمية أو عشائرية معاقبة شديدة، وخاصة إذا كانوا من أعضاء الحزب. كما أعُلن أن “حركة 23 شباط” لم تكن فقط رداً على ما يسمى “بالعقلية اليمينية الدكتاتورية” لأعضاء القيادة القومية المخلوعة واللواء أمين الحافظ، ولكن قُصد بها أيضاً وضع حد للمناورات الطائفية. وقد رفُضت بشدة الاتهامات الموجهة والإقليمية بحجة أن الإنقلاب تم بمعرفة أفراد “من جميع المحافظات السورية”. وقيل أن الأمر ذاته ينطبق على أولئك الذين قُبض عليهم أو طُردوا من البلاد والذين عرفوا بأنهم ليسوا “جماعة منفصلة” وليسوا أعضاء في “طائفة دينية معينة”(1). بيد أنه في الفصل السابق قد أوضحنا كيف أن تشكيلات الكتل الطائفية والإقليمية والعشائرية لعبت دوراً هاماً في الصراع على السلطة بين المعسكرين الرئيسيين المتعارضين في الشهور التي سبقت الإنقلاب.

ومن الملفت للأنظار أنه في نهاية المؤتمر القطري الاستثنائي لم يتم إعادة انتخاب اثنين من أبرز وأهم الضباط الدروز بالتنظيم العسكري في القيادة القطرية الجديدة(2)، وهما حمد عبيد وسليم حاطوم اللذان كانا من أعضاء القيادة القطرية السورية المؤقتة التي تقلدت زمام الحكم رسمياً في 23 فبراير (شباط) 1966.

لقد فقد حمد عبيد مركزه البارز في الحزب (وفي الجيش) نتيجة الموقف الذي اتخذه بعد فترة وجيزة من انقلاب 23 فبراير (شباط) 1966، وكان عبيد وزيراً للدفاع بوزارة الدكتور يوسف زعين التي استقالت في 22 ديسمبر (كانون الأول 1965) اثر حل القيادة القطرية السورية، واعتقد أن لديه الحق في استعادة مركزه السابق بالحكومة كمكافأة لدعم لجديد ضد الحافظ منذ سبتمر (أيلول) 1965، وعندما عُين لأول مرة وزيراً للدفاع(3)، إضافة إلى أن الحافظ والقيادة القومية قد تم الإطاحة بها الآن. مع افتقاد عبيد لمؤهلات القيادة والإشاعات التي كانت تتردد حول فساد سلوكه، بات واضحاً أن وزارة الدفاع بأهميتها لن تُسند إليه ثانية، وخاصة وأن مساندته لجديد لم تعد ذات أهمية(4).

لذلك فإن تعيين حافظ الأسد وزيراً للدفاع في 23 فبراير (شباط) 1966 (حتى قبل إعلان مجلس الوزارء الجديد) قد قُوبل بالنقد الشديد والرفض من قبل حمد عبيد الذي، بالتالي، تورط في مشكلات مع النظام الجديد(5)، وبعد فترة وجيزة من الإنقلاب حث أنصار أمين الحافظ حمد عبيد، الذي خاب أمله، على خلق  أوضاع في حلب تساعد على القيام بإنقلاب مضاد من جانبهم(6). بيد أن خطط الإنقلاب المضاد هذه باءت بالفشل وتم القبض على عبيد ومعظم المتورطين في الإنقلاب من قبل أنصار النظام الجديد(7).

وقد ضعف وضع سليم حاطوم في الحزب بسبب النقد الشديد للوحشية التي تم بها اتخاذ أمين الحافظ سجيناً(8). ورغم أن سليم حاطوم كان به “نصيب الأسد” في تنفيذ إنقلاب 23 فبراير (شباط) 1966، إلا أنه لم يكافأ على دوره الفعال والحاسم، بل أيضاً فقد اعتباره في الحزب. وقد شهر بأنه خُدع من قبل صلاح جديد، الذي أيده في الإنقلاب، كما شهر بأنه ظلم لعدم منحه الوظائف العسكرية والسلطة التي اشتهاها. كل هذا جعله على استعداد للتآمر ضد النظام الجديد الذي كان قد سبق وساعده في الوصول للسلطة. وعلى أمل تحقيق طموحاته أخيراً، بدأ سليم حاطوم في بناء تنظيم عسكري خاص به، حيث كانت غالبية الضباط الصغار من جبل الدروز وكانوا في معظم الحالات أعضاء بطائفة الدروز. بالإضافة إلى بعض الضباط الدروز البارزين مثل المقدم طلال أبو عسلي، قائد وحدات الجيش السوري على الجبهة مع إسرائيل وأمين فرع الحزب العسكري المتطابق، فإن القيادة ضمت بعض الأشخاص من غير الدروز، مثل مصطفى الحاج علي، القائد السني لجهاز المخابرات العسكرية، وهو من حوران، المحافظة السورية الجنوبية المتاخمة لجبل الدروز(9).

وفي القطاع المدني، اتصل حاطوم بأعضاء ما يسمى بجماعة الشوفيين والتي كانت تتشكل أساساً من الدروز. وجماعة الشوفيين هذه (والتي تعرف أيضاً في نشرات حزب البعث بالمنشقين) كانت إحدى جماعات حزب البعث السوري تحت قيادة حمود الشوفي (درزي من السويداء) الذي شغل منصب الأمين العام للقيادة القطرية السورية في الفترة من سبتمر (أيلول) 1963 حتى فبراير (شباط) 1964 ولعب فيها دوراً هاماً في إعادة بناء الجهاز المدني لحزب البعث في سوريا. وقد تمتعت جماعة الشوفيين باتجاهات ايدلويوجية قوية، وبالذات بالأفكار الماركسية، كما كان لها العديد من الاتباع في الكثير من فروع الحزب السورية. بيد أن اتباع تلك الجماعة كانوا أكثر عدداً في فرع الحزب بمنطقة مسقط رأس حاطوم : جبل الدروز. إن موقفهم المتسم بالنقد تجاه معظم قادة اللجنة العسكرية قد أدى إلى تصفية بعض أعضاء جماعة الشوفيين البارزين من حزب البعث في 1964 و 1965(10). وفي عام 1966 كان هناك لا يزال بعض أنصار الجماعة داخل جهاز حزب البعث بالنظام الجديد، حيث قام سليم حاطوم بتمثيلهم لحد ما في الجيش(11). ويرجع تاريخ علاقة حاطوم بجماعة الشوفيين إلى عام 1963 عندما أخذوا يفقدون السلطة داخل الحزب واختاروا حاطوم كي يكون قائدهم العسكري(12).

وربما يكون انحدار العديد من أبرز جماعة الشوفيين من جبل الدروز، شأنهم شأن سليم حاطوم، قد حثهم على التعاون معه، رغم عدم تمسكه بوجهة نظر ايديولوجية محددة وواضحة.

لكن تنظيم حاطوم العسكري وتنظيم القيادة القومية المخلوعة افتقدا القوة القادرة على إسقاط نظام جديد والأسد، ولأسباب تكتيكية بحتة قرر حاطوم وأعضاء المكتب العسكري بقيادة فهد الشاعر التعاون معاً، وظل التنظيمان العسكريان منفصلين عن بعضهما البعض، بينما تعاون قادتهما معاً إلى حدا ما (13). وقد عُقدت عدة اجتماعات بين ممثلي الجماعتين، حيث وُضعت خطة بهدف الإطاحة بالنظام القائم(14). ونظراً للعلاقة السابقة بين حاطوم والقيادة القومية التي أطيح بما بمساعدته، فإنه بات واضحاً ان كلتا الجماعتين تعاونتا فقط بهدف تخلص الواحدة من الأخرى فيما بعد(15).


(1) المناضل، العدد 3، ابريل (نيسان)، ص 13. انظر الملحق أ.

(2) الحياة، 29 مارس 1966م.

(3) حمد عبيد في مقابلة مع ماكنتر.

The Arab Ba’th Socialist Party, pp. 393-4.

(4) ترددت الشائعات حول نشاطات عبيد الفاسدة حتى قبل تعيينه وزيراً للدفاع. وافتقاده لمؤهلات القيادة اللازمة لمثل هذا المنصب العام كان أمراً معروفاً داخل سلك الضباط. وقد اشتكى ضباط الوحدات في قطنا، حيث كان بيد قائداً للوائين قبل توليه منصب وزير الدفاع، من ضعف شخصيته، وعدم قدرته على تزعم رجاله، وقد أدى هذا إلى قيام قادة الوحدات بقطنا على حد تعبيرهم بتسيير أمور وحداتهم العسكرية “بالتسيير الذاتي”، (مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 5 سبتمر (أيلول) 1971).

(5) Macintyre, The Arab Ba’th Socialist Party, pp. 3934;

النهار، 4 مارس (آذار) 1966، البعث، 24 فبراير (شباط) 1966.

(6) مقررات المؤتمر القومي السابع، صـ 68

(7) التقرير الوثائقي، ص 104- 108، مقررات المؤتمر القومي التاسع، ص 68، 69، النهار 27 فبراير (شباط) 1966، 4 و8 مارس (آذار) 1966، المحرر، 28 مارس (آذار) 1966، خلال المحاكمات الحزبية التي جرت في أواخر عام 1966 اتهم حمد عبيد بالثراء غير المشروع وسوء استخدام السلطة. قارن المناضل، ملحق العدد 5 يونيو (حزيران) 1966، ص9، الحياة، 1 و 5 مايو (آيار) 1966، طبقاً للحياة، 12 يونيو (حزيران) 1966 عارض حاطوم بشدة مصادرة أملاك حمد عبيد، أحد أعضاء طائفته الدينية.

(8) قارن النهار، 1 مارس (آذار) 1966 و16 سبتمر (أيلول) 1966م.

(9) تطلع الرائد حاطوم الذي كان يقوم كتيبة المغاوير بالجيش إلى منصب قائد لواء مدرع، مع إعطائه مسئولية إدارة شئون الأمن الجيش (مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974، الثورة 29 يناير (كانون الثاني) 1967، البعث، 30 يناير (كانون الثاني) 1967م.

(10) التقرير الوثائقي، ص 31- 32

(11) مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974م، التقرير التنظيمي 1965. المناضل رقم 9، منتصف سبتمر (أيلول) 1966.

(12) سامي الجندي، البعث، ص 149. كما أن حمد عبيد تعاطف لبعض الوقت مع جماعة الشوفيين. (مقابلة مع أمين الحافظ، بغداد 12 سبتمر “أيلول” 1973).

(13) مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر “تشرين الثاني” 1974م.

(14) مقررات المؤتمر القومي التاسع، ص 70، طبقاً للرزاز فإنه تم إطلاع حاطوم على تفاصيل الإنقلاب الذي خطط له أساساً فهد الشاعر، وذلك قبل أيام من ساعة الصفر. ولم يتم إطلاعه قبل ذلك. حتى لا يتسنى له معرفة وحدات الجيش التي تضم أعضاء من التنظيم العسكري للقيادة القومية. ففي الواقع، أبداً لم يثق قادة المكتب العسكري للقيادة القومية في حاطوم. (مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر “تشرين الثاني” 1974).

(15) قارن المناضل، العدد 9، منتصف سبتمر “أيلول” 1966، ص1.


 اقرأ:

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :

نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية

نيقولاس فان دام (2):  الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال

نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون

نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:

نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي

نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث

نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث

نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني

نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965

نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963

نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:

نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية

نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية

نيقولاس فان دام (14) : فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران

نيقولاس فان دام (15) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965

نيقولاس فان دام (16) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966

نيقولاس فان دام (17) : التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى