You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم

من كتاب البعث وثورة آذار (10)

مروان حبش:  قضية  البعث وحسني الزعيم (10)


   لقد صدر عن عميد البعث العربي الأستاذ ميشيل عفلق في 4 نيسان 1949 بياناً مؤيداً لانقلاب حسني الزعيم وموضحاً الأسس التي يجب أن تبنى عليها سياسة حكومة الانقلاب، وأعقبها بمذكرة موجهة إلى الزعيم بتاريخ 6/4 توضح كل ما من شأنه تهديد المصلحة الوطنية أو إلحاق الضرر بها وتُبيِّن ما في اتفاقية “التابلاين” – التي هي قيد الدراسة من قبل الزعيم-  من إجحاف بحقوق الوطن، وما تتضمنه من أخطار جديرة بالعناية والحذر. وفي مذكرة ثانية موجهة إلى حسني الزعيم ومؤرخة بتاريخ 24 أيار وضح عميد الحزب، الأسباب التي بنى عليها الحزب موقفه الإيجابي من الانقلاب ومنها إعادة المشروعية إلى الحكم والسيادة والحقوق إلى الشعب بعد أن فقد الحزب آخر أمل بصلاح العهد الماضي، وتشرح المذكرة مفاجأة البعث بأعمال وتدابير مخالفة للتصريحات التي بدأ بها الانقلاب وذلك يظهر في أمور كالتعيينات والتسريحات وفي تشكيل حكومة مبنية على أساس تجاهل كل النزعات السياسية التي تحملها وتمثلها الأحزاب، وفي إلغاء امتياز الصحف، ثم تستعرض المذكرة ما قام به قادة البعث من لفت نظر الزعيم خلال مقابلتين معه إلى جملة أحداث من أبرزها المخاطر والإجحاف في مشروع اتفاقية التابلاين بعد أن فوجئ الشعب بتصديق اتفاقية النقد. وفي بيان للحزب بتاريخ 30/6 أعلن فيه أن كل المذكرات واللقاءات مع حسني الزعيم لم تُجْد نفعاً، وأقدم العهد الانقلابي على حل الأحزاب السياسية، واعتقال بعض الشخصيات من الشباب المناضل من أجل حرية الشعب، وحدد هذا البيان موقف الحزب بـ:

عدم شرعية أي عقد أبرم في هذه الفترة ولم يكن صادراً عن السلطة التشريعية المنتخبة.

معارضته لأي دستور لا يصدر عن مجلس تأسيسي منتخب انتخاباً حراً.

مطالبته بتشكيل حكومة ترضى عنها الأحزاب التي مثلت المعارضة في العهد السابق.

   مقابل هذه المواقف لحزب البعث أقدم حسني الزعيم على اعتقال قيادته “اللجنة التنفيذية” الأساتذة “ميشيل عفلق – صلاح البيطار – جلال السيد – وهيب الغانم..”  مع عدد من أعضائه. وفي بيان للحزب بتاريخ 9/6 يحمل عنوان (الشعب لا يعترف على الاستفتاء الصوري والانتخابات الاسمية) ويدين الأساليب التي اتُّبعت في فرض هيبة الحكم وتجاوزت كل حد معقول ويشير إلى التعذيب والإهانة التي يلقاها قادته المعتقلون لجرأتهم في قول الحق.

    فوجئ الحزب وهو في أوج نضاله ضد حكم حسني الزعيم بأن عميده الأستاذ عفلق وجه من المعتقل بالرسالة التالية إلى حسني الزعيم:(

   سيدي دولة الزعيم

   إن هذه التجربة الأخيرة القاسية قد علمتني أشياء ونبهتني إلى أخطاء كثيرة، لقد انتبهت إلى أننا بحكم العادة بقينا نستعمل أسلوباً لم يعد يصلح في عهد الإنشاء والعمل الإيجابي والحق أننا في قلوبنا وعقولنا أردنا هذا الانقلاب منذ الساعة الأولى ولا نزال نريده ونعتبر أن واجبنا هو في خدمته وتأييده ولكن الأسلوب الذي اعتدناه طيلة سنين عديدة من المعارضة للانتداب والعهد السابق هو الذي بقيت آثاره في كتاباتنا وبعض تصرفاتنا وهو الذي أخفى عنكم يا دولة الزعيم حقيقتنا وأظهرنا بمظهر المعارض لعهد وضعنا فيه كل آمالنا وصمَّمنا على خدمته بتفانٍ وإخلاص.

   سيدي دولة الزعيم

إنني قانعٌ كل القناعة بأن هذا العهد الذي ترعونه وتُنشئونه يمثل أعظم الآمال وإمكانيات التقدم والمجد لبلادنا فإذا شئتم فنكون في عداد الجنود البنائين وإذا رغبتم أن نلزم الحياد والصمت فنحن مستعدون لذلك.

   سيدي دولة الزعيم

إن هذه المجموعة من الشباب الذي يضمها البعث العربي قد عملت كثيراً في الماضي لتكون قدوةً في النزاهة والوطنية الصادقة وإن ماضيها ليشفع لها عندكم يا سيدي لكي تعذروا ما ظهر منها من تسرع بريء وإن وراء مظهرها النزق نفوساً صافية ومؤهلات كبيرة للخدمة العامة ما أجدر عهدكم أن يفسح لها مجال التفتح والإنتاج، أما أنا يا سيدي الزعيم فقد اخترت أن أنسحب نهائياً من كل عمل سياسي بعد أن انتبهت منه بمناسبة سجني إلى أخطاء فيَّ أورثتني إياها سنين طويلة من النضال القومي ضد الاستعمار والعهد السابق وأعتقد أن مهمتي قد انتهت وأن أسلوبي لم يعد يصلح لعهد جديد وأن بلادي لن تجد من عملي السياسي أي نفع بعد اليوم.

   سيدي دولة الزعيم

   أنتم اليوم بمكان الأب لأبناء البلاد ولا يمكن أن تحملوا حقداً لأبنائكم ولقد كان لنا في هذه التجربة تنبيه كاف ومفيد، واتركوا لنا المجال كي نصحح خطانا ونقدم لكم البرهان على وفائنا وولائنا.

               دمشق 11حزيران 1949                         ميشيل عفلق

  ورغم كل ما قيل عن المؤثرات والتبريرات لرسالة الأستاذ عفلق وأهمها، أنها كتبت لحماية أعضاء الحزب من الاعتقال، فقد كان لها انعكاس سلبي كبير على نشاط البعثيين وعلى انتشار الحزب حينذاك، وهي وإنْ تجاوزها الحزب، لكنها شكَّلت عند الأستاذ عقدة بقي يعاني منها وتتحكم بتصرفاته على الدوام حتى أنه بات يخشى النقد ويميل نحو التشبث برأيه ونحو اتخاذ موقف تجاه كل من ينتقده.

    بعد هذه الرسالة تم الإفراج عن الأستاذ عفلق وبعد ثلاثة أسابيع من الاعتقال أُفرج عن بقية المعتقلين، وسادت في أوساط الحزبيين حالة من البلبلة والانكسار النفسي.

        يقول الأستاذ جلال السيد:

       نشأت في صفوف الحزبيين تيارات مختلفة، ويعددها بـ:

   1 – تيار متطرف لا يرضى إلا بفصل الأستاذ عفلق فصلاً تاماً من الحزب والتنصل من الرسالة واستنكارها شكلاً وموضوعاً.

   2 – تيار أقل تصلباً وهو يرى أن المسألة لم تصل إلى درجة تبعث اليأس وتدمر الحزب وتهدد القضية القومية في الصميم.

   3 – تيار مستقل لم تأخذ المسألة عنده من الاهتمام ما يجعلها موضوع بحث جدي.

   وكان رأي الأستاذ ميشيل أن المسألة لا تقبل الحل الوسط. فإما فصل من الحزب وإما سدل الستار على الرسالة واعتبارها كأن لم تكن.

   وبعد مداولات بين عدد كبير من القياديين وكبار الحزبيين، كانت النتيجة: لم يكن في الرسالة خيانة. وليس فيها تآمر وليس فيها أمور لا أخلاقية أخرى. إن في الرسالة ضعفاً في المناعة وقلة في المقاومة. وإن فيها ضجراً ووساوس وأوهاماً ضخَّمت القضايا الصغيرة فجعلتها قضايا كبرى. وبناء على ذلك تقرر سدل الستار عليها، وتقبَّلت التيارات هذه الفتوى.

   ويقول الدكتور سامي الجندي: (عندما خرج الأستاذ من السجن جُوبه بثورة من الحزبيين وحملة شعواء، رفضوا جميعاً كل تعليل أُعطي لهم. كانوا مجمعين على أن الموت أفضل، وأن المهم أن يبقى شرف الحزب ورسالته، وأن شهيداً ينقلها للأجيال خير من أحياء تراجعوا أمام التهديد بالتعذيب.

  (تنادى أعضاء الصف الثاني في الحزب إلى عقد اجتماع في حمص مباشرة بعد سقوط حسني الزعيم وأجمعنا على ضرورة محاكمة الأستاذ عفلق. وقرّ رأينا أن يكون عميداً مكانه الدكتور وهيب الغانم الذي لمع نجمه بعد انتخابات 1947 وبات قدوة لشباب الحزب يتحدثون عنه، يحبونه ويؤمنون بقيادته. بعد ذلك عقدنا اجتماعاً ثانياً دُعي إليه الدكتور الغانم، فرفض اقتراحنا متعللاً أنه لا يستطيع ترك اللاذقية. فاقترحنا أن يكون مركز الحزب فيها أو أن يكون دمشق حيث تتسلم القيادة لجنة تنفيذية “اسم القيادة” جديدة فرفض لأنه كان يرى أن القائد يجب أن يكون على راس قيادته واقترح ألاّ يُثار الموضوع).

  كانت البادرة خطيرة، وهي إنما تدل على أن القائد ميشيل عفلق قد انتهى وحلّ محله الأستاذ الذي ظلّ الحزب على ولائه له واحترام فكره، دون الإيمان بقدرته على الزعامة.

    أما ما تختزنه ذاكرتي من أحاديث بعض مَنْ عاشوا تلك الفترة وكانوا مقربين من الأساتذة: كان يدور صراع خفيٌ بين الأستاذين عفلق والبيطار، إذ أن الأستاذ البيطار كان يرى أنه يجب أن تكون منزلته في الحزب كمنزلة الأستاذ عفلق، وتبلور ذلك بعد الرسالة، وطلب مع الأستاذ جلال السيد فصل الأستاذ عفلق من الحزب، ولكن قياديي الصف الثاني في الحزب وأنصار الأستاذ عفلق كانت لهم الكثير من الملاحظات على سلوك وأطروحات جلال السيد، وقاموا بحملةٍ تُشكك بقدرة الأستاذ البيطار الفكرية والتنظيرية وأنها لا تساوي قدرة الأستاذ عفلق، كما تناولت حملتهم قدرته القيادية والتنظيمية ونجحت حملتهم هذه لا في رد الاعتبار للأستاذ عفلق فقط واختياره عميداً للحزب بل أعطته كامل السلطة التنفيذية، وأكّد مجلس الحزب الذي انعقد برئاسة جلال السيد في الفترة ما بين 11- 14نيسان 1950وحضره عبد الله الريماوي وسليمان الحديدي وأمين شقير ( الأردن ) وعلي جابر وجميل بزي (لبنان)، بعد مناقشات حادة بين الأستاذين تطرقت إلى مآخذ كل منهما على الآخر، على تلك الإجراءات التي دعمت صلاحية العميد وحصرت القيادة فيه شخصياً.

   بعد فترة وجيزة من انفضاض مجلس الحزب وجّه عدد من أعضاء الحزب، ” عريضة إلى القيادة يطالبون فيها التراجع عن قرار حصر السلطة التنفيذية بشخص العميد، وتشكلت محكمة حزبية برئاسة الدكتور مدحة البيطار للتحقيق مع مقدميها، ولم يَنْف الأستاذ صلاح اتصال كاتبيها به مع نفيه المطلق بأن يكون محرضاً عليها، وبعد انتهاء التحقيق رفعت هيئة القيادة توصية إلى العميد للبتِّ فيها تنص على فصل الأستاذين البيطار والسيد، ولكن العميد لم يحدد موقفه منها وغادر دمشق إلى البرازيل حيث أقام هناك بضعة شهور.


اقرأ :

مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)

مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)

مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)

مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)

مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)

مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)

مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)

مروان حبش: عصبة العمل القومي  (2)

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)

حزب البعث

مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3) 




 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى