You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

بيان مكتب البعث العربي 1945: واقع الفئة الحاكمة

نص البيان الذي أصدره ميشيل عفلق باسم مكتب الحزب العربي في حمص في الخامس والعشرين من آذار عام 1945م حول واقع الفئة الحاكمة في سورية.


واقع الفئة الحاكمة

“… عهد البطولة، وأكاد أقول عهد الطفولة، لان النشئ الذي يتأهب اليوم لدخول المعركة، له صدق الاطفال وصراحتهم، فهو لا يفهم ما يسمونه “سياسة” ولا يصدّق ان الحق محتاج الى براقع، والقضية العادلة الى تكتم وجمجمة”.

لقد تنفس الشعب الصعداء بعد نشراتنا الاخيرة، لان حجابا كثيفا قد مزق، كان يخيم على النفوس والافكار ويكاد يخنقها بثقله وظلمته: وهو حجاب الكذب والمكابرة. كانت الضمائر معذبة، لا تعرف كيف تسكت على الغش، والعقول مضطربة لا تسيغ التناقض، والالسنة مرتبكة تحاول ان تستر بالمغالطات ما هو مفضوح، وتبرر بالسفسطات ما لا سبيل الى تبريره. لقد وضعنا الاشياء في نصابها، وسميناها باسمائها. ونحن مقتنعون ان في ذلك للامة خيرا باقيا، ودرسا جزيل النفع. فالاشخاص الذين كانوا لا يقتنعون بما يخّول الدستور لهم من سلطة وحق فيسعون الى توسيع سلطاتهم وحقوقهم عن غير الطرق المشروعة، سيعلمون الآن ان الدستور اكبر قوة لمن يتقيد به ويخلص له، وان ليس لهم قوة غيره يستندون عليها ويأمنون بها كل نقد ولوم. ورجال السياسة الذين غالوا كثيرا في الجهل والتجاهل، فلم يحسبوا لوعي الشعب حسابا، ولم يفطنوا ان سنين قد مرت على زمن النضال الوطني، زادت الشعب قوة وخبرة وصلابة، وزادتهم ضعفا واستسلاما للأهواء والعبودية للمنافع؛ ان هؤلاء الرجال سيعلمون اخيرا ان الخير كله هو ان يكتفوا بصفة السياسيين كوزراء وموظفين، وان يعتبروا من الجائز المشروع ان يوجد في البلاد رأي غير رأيهم، ومفهوم للوطنية أعلى من مفهومهم، وايمان بمؤهلات هذا الشعب ونبل اخلاقه وسمو مطامحه اقوى من ايمانهم، وانه شعب يستحق اكثر من هذه الاهداف الناقصة المشوهة التي رضوها له واستكثروها عليه، ويليق به قادة وموجهون احسن من هذه المجموعة من تلاميذهم الذين لم يستنشقوا في حياتهم غير هواء السرقات والشهوات. وسوف يعلم رجال السياسة ايضا ان هذا الشعب لم يبخسهم حقهم، ولا انكر عليهم وطنيتهم الماضية، ولكنه ينكر ان تنتهي الوطنية الى هذه النهاية. وهو لم يجحد تضحياتهم السابقة ولكنه يستعظم ان يكون للتضحية ثمن، وان تسعّر بهذه الاسعار الفاحشة. وما ساءه ان يرى امواله تنهب وحقوقه تغتصب بقدر ما اثاره ان يرى اصدقاءه بالامس يعدونه اليوم عدوا مغلوبا ويعتبرون بلاده أرضا مفتوحة، يفرضون عليها الجزية كلما وصلوا الى الحكم على أكتافه. وان هذا الشعب لم يكن يوما من الايام لهم ظالما، فقد نظر اليهم دوما على انهم خير من الرجعيين وصنائع الاجنبي، ولكن يعز عليه ان لا تكون لهم ميّزة، والا تظهر فيهم فضيلة الا اذا قيسوا بالخونة والرجعيين.

واخيرا فهذا الشعب لا يرى ان الوقت وقت إثابة ومكافآت، حتى يخّولهم حق الاضرار به، لانهم في وقت مضى ارادوا نفعه وخدمته. فثمة اليوم قضايا حيوية وظروف حاسمة تقرر مستقبل أجياله، ولا يجوز ان يستبد بتصريفها رجال وضح عجزهم وفشل اسلوبهم، وان يكون لهم حق التهاون والتفريط به، لا لشئ سوى ان لهم في الخدمة الوطنية حقا مكتسبا.

نعم لقد وضح عجزهم وفشل اسلوبهم، وليس يجدي في ذلك لا الضغط والارهاب، ولا الايهام او التخدير، والتذرع بدقة الظروف، وحراجة الموقف ووجود الاجنبي في البلاد وصنائع له مستغلين ليفرضوا على الشعب القبول باخطاء في السياسة مفضوحة، وتهاون في حقوق البلاد واهدافها، وفساد في الادارة، واستهتار بالدستور، وطغيان جاوز حد المعقول. فاذا كان الموقف حرجا، فلأنهم هم يوجهونه، واذا كان ثمة ما يشجع الاجنبي على الاستغلال فانما هي اخطاؤهم وتصرفاتهم. وليس غير شيء واحد يحول دون استغلال الاجنبي، ويوقف هذا التدهور المروع: هو ان تظهر الوطنية الصحيحة والسياسة القويمة التي تستطيع وحدها استرجاع الثقة، وتجديد الحماسة والغيرة في قلب الامة.

وليعلموا انه ليس من النبل في شيء ان يمسكوا قضية البلاد بين أيديهم ثم يهددوا الشعب في كل دقيقة: اما ان تقبل بجهلنا ونفعيتنا، واما ان تعرض القضية الوطنية لسطوة الاجنبي واستغلاله.

يا شباب البعث العربي: حيثما كنتم على الارض العربية المقدسة!
لقد كان ايمان هؤلاء السياسيين بالامة واهيا سطحيا فلم يجرؤوا على مطالبتها، لانهم عجزوا عن مطالبة انفسهم، بالارتفاع الى مستوى من الخلق والنضال يليق بمهمة التحرير القومي.

وكانت ثقتكم بامتكم وبفضائلها وحيويتها ثقة الاطفال، لذلك انبريتم لتحملوا العبء، ولم ترضوا لانفسكم عبئا اخف من مخاصمة هذا المستوى السائد من الوطنية التي قنع بها الناس حتى الآن، فكان عليكم ان تختتموا مرحلة الصراع الضعيف بين الخيانة وبين الوطنية الضعيفة، لتبدأوا صراعا جديدا عنيفا بينها وبين وطنية من نوع جديد، يجتمع فيها الاخلاص مع الفكر النير، والتضحية مع النزاهة والتجرد، والسياسة مع الصدق والاستقامة والعفة.

وعلم الله انها كانت وعرة عسيرة. اذ كان عليكم ان تخاصموا هذه الفئة من مواطنيكم، دون ان تفتروا عن محاربة الاجنبي، عدوكم الاساسي، او تسكتوا عن الفئات الرجعية والخائنة وتسمحوا لها باستغلال عملكم. فكنتم تحاربون على كل الجهات.

فلتذكروا اذن عندما تشعرون بالحاجة الى ما ينعش نشاطكم لمتابعة الجهاد، انكم قد كوفئتم على جهادكم، اولا بهذا الاحترام الذي تفرضونه حتى على الخصوم، ثم بهذه النتيجة التي تستطيعون اعتبارها تحولا تاريخيا في حياة البلاد: وهي بدء تشكل قيادة قومية صحيحة، تعيد للنضال قدسيته ومعناه، وتسد فراغا كان يهدد بناء الامة بالانهيار.

عن مكتب البعث العربي
ميشيل عفلق
حمص في 25 آذار 1945


انظر مقالات  ووثائق ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
المعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
الجيل العربي الجديد 1944
الأرض والسماء
1944
موقفنا من النظرية الشيوعية
1944
السياسة الأمريكية حول فلسطين
1944
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية 1945
نحذّر الفئة الحاكمة 1945
واقع الفئة الحاكمة
1945
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية
1945

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المصدر
في سبيل البعث



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى