You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

مروان حبش: حركة 23 شباط.. أزمات ما بعد المؤتمر القومي السابع (5)

من كتاب البعث وثورة آذار

لم تلق تلك القرارات والتوصيات، رضاً وقبولاً من الأمين العام، متهماً مندوبي القطر السوري بأنهم وراءها، وبدلاً من أن يضع إمكانياته إلى جانب القيادة القطرية السورية التي واجهت ظروفاً قاسية من “أحداث حماة إلى إضراب التجار في دمشق وحمص …، وبدلاً من أن يعمل بشكل حثيث لتقوية الحزب وتمتين تنظيمه”، عمد إلى مغادرة القطر في حزيران 1964، ولبضعة أشهر، قضاها في ألمانيا، متوهماً بأن مغادرته تلك ستشكل ضغطاً على الحزب وستَحْمِل أعضاءه على التساؤل عن أسباب المغادرة، وفي نهاية شهر تشرين الثاني 1964رجع إلى سورية، حيث أمكن إقناعه بالعودة في محاولة لحل بعض المشكلات الحزبية، وعلى إثر عودته عقدت القيادة القومية جلسات عديدة، رافقها اتهامات للقيادة القطرية السورية بأنها تضلل أعضاء الحزب وتحجب الحقائق عنهم.

انتهت تلك الدورة في 14 كانون الأول 1964، وأصدرت القيادة مقرراتها في النشرة رقم 15 ومما ورد فيها:

أولاًـ إدانة القيادة القطرية لتجاوزها صلاحياتها، وإدانة أسلوبها في فرض عقوبة ليست من صلاحياتها، وغير مألوفة في الحزب وهي عقوبة نفي عضو قيادة قطرية وقيادة قومية إلى خارج البلاد مخالفة بذلك كل الأسس الحزبية*.

ثانياً ـ تجميد نشاط تلك القيادة للأسباب التالية:

آ ـ إن القيادة القطرية السورية لم تتخذ موقفاً حازما تجاه الحزبيين الذين عرفوا باسم “السعديين”، وتغاضت عن نشاط من بقي منهم داخل التنظيم الحزبي، وأهملت تنبيهات القيادة القومية بهذا الخصوص.

ب ـ إن القيادة القطرية لم تزود القيادة القومية بدراسة عن الأوضاع الاقتصادية والإنجازات التي حققتها الثورة، رغم الطلب المتكرر للقيادة القومية بهذا الشأن.

ج ـ إن القيادة القطرية لجأت إلى ما يشبه التجميع في الحزب، وذلك من خلال قرارها رقم 101 تاريخ 10/10/1964 الذي ينص على: اعتبار جميع الحزبيين القدامى الذين كانوا أعضاء عاملين قبل 1958 أعضاء عاملين حين قبول طلب انتسابهم للحزب، ومن ترى قيادات الفروع عدم كفاءته للعضوية العاملة فعليها أن ترفع اسمه إلى القيادة القطرية مع تقرير مفصل يبين الأسباب الموجبة لذلك.

د ـ انغماس أعضاء القيادة القطرية في الحكم، ولقد كان (11) عضواً من أصل (15) يتولون مسؤوليات حكومية وعسكرية.

هـ ـ خصائص التنظيم الحزبي في الجيش المغلق على قيادات الحزب القومية والقطرية ولا تعرف بشؤونه سوى اللجنة العسكرية.

و ـ التكتلات داخل الحزب، التي تضع مصالحها فوق مصلحة الحزب.

ثالثاً- تعيين لجنة مشرفة تدير شؤون الحزب قي القطر السوري.

وفي جلسات تلك الدورة، كان الفريق أمين الحافظ الأمين القطري السوري وعضو القيادة القومية ينصح بالتروي والاعتدال، بينما قاطع اللواء صلاح جديد عضو القيادة القطرية السورية وعضو القيادة القومية الجلسات التي اتُخذت فيها القرارات بعد أن أبدى معارضته لها.

تبلغت القيادة القطرية تلك القرارات التي عُممت على فروع الحزب، وتقدمت القيادة للمحكمة الحزبية القومية بطلب إلغاء قرار القيادة القومية بتجميدها، لأنه لم يرد في أحكام النظام الداخلي نصُّ

تجميد قيادة، وفي الوقت نفسه دعت قيادات الفروع التي فوجئت بالقرارات إلى عقد اجتماع لها في

تاريخ 16/12/ 1964، للبحث في قرارات القيادة القومية، ووافقت القيادة القومية على حضوره واستمع المؤتمرون إلى حديث مطول للأمين العام، تطرق فيه إلى أسباب الإجرءات التي اتخذت، كما تطرق أيضاً إلى الدافع لمغادرته القطر إلى ألمانيا وذلك “لحمل الأعضاء على الاهتمام بحقيقة الأزمة وتقدير خطورتها، بعد أن أعياه التحذير والتنبيه وملَّ النصح والتوجيه”، وفي حديثه هذا تطرق إلى  “المحاولات الهادفة للتخلص منه وتغيير معالم الحزب، وأن هذه المحاولات أخذت أشكالاً متعددة، سلبية وايجابية، مثل: “التخلص من عقلية الوصاية، التخلص من الجمود العقائدي، التخلص من العقلية التقليدية، الحاجة إالى تطوير فكر الحزب وتجديده”. واعتبر الأستاذ ميشيل أن ذلك فقدانَ لأصالة حركة البعث وطغيانَ للألفاظ والشعارات التقليدية.

ناقش المجتمعون ما ورد في حديث الأمين العام ورأوا أن قرارات القيادة القومية تمثل انقلاباً على القيادة القطرية، وعلى الحكومة بوقت واحد، لأن القيادة القطرية هي المسؤولة عن إدارة الحكم، وفق ما قرره المؤتمر القومي السادس، كما أن أعضاء القيادة القطرية هدّدوا بالاستقالة من مناصبهم في الحزب والحكم والجيش، وأبدت أكثرية المجتمعين عدم اقتناعها بالمبررات التي عرضها الأمين العام وبما اتخذته القيادة القومية من قررات، كما أخذ بعض المجتمعين على الأمين العام، أنه هو الذي يقول “إن الحزب حركة تنطلق وتتجدد وتخلق والحياة لا تعرف التوقف”، وإذا طرح غيره هذه المقولات يُعتبر تزويراً للحزب وتغييراً لبنيته وتخطيطاً لانقلاب على شخصه”.

ولحفظ ماء الوجه، توصل المؤتمرون إلى نوع من التسوية وهي: “أن تُعلق القيادة القومية قراراتها، وأن تجرى انتخابات حزبية، وتُعقد مؤتمرات قطرية تمهيدا لعقد مؤتمر قومي، على أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن”.

أكدت قواعد الحزب بهذه التسوية، أن الأمين العام لم يستطع أن يحول بين قواعد الحزب والتماس الطرق الصحيحة المؤدية إلى وضوح رؤيتها في أسلوب حل المشكلات.

ووفقاً للتسوية التي تمت في ذلك الاجتماع، جرت انتخابات حزبية بدءاً من مستوى الفرقة، وتم انتخاب القيادات الحزبية على كل المستويات، وانتخَبت الفروع مندوبيها إلى المؤتمر القطري المزمع عقده وفق أحكام النظام الداخلي للحزب.

وخلال فترة الانتخابات الحزبية تلك، أُطلقت شائعات مفادها أن القيادة القومية ستُميّز الحزب عن الحكم ـ أي ستعلن أن لا علاقة للحزب بالحكم ـ هادفة الضغط على قواعد الحزب للقبول بما تريده، وأنّ نيّتها في التميّز كانت قديمة ومنذ الأشهر الأولى بعد الثامن من آذار، وبررت القيادة القومية “أنها لم تقدم على تلك الخطوة، لأن منطق الرفقة الحزبية جعل من غير المناسب التنصل من مسؤولية الحكم في الظروف التي واجهتها الثورة من مؤامرة 18 تموز المسلحة إلى أحداث حماة إلى إضراب التجار وغيرها، وأنها – القيادة القومية – وبعد التأميم، سيُنظر إليها فيما إذا أعلنت تميزها عن الحكم بأنها ضد التحولات الاشتراكية، رغم قناعتها بأن تلك التأميمات تقررت كأسلوب مزايدة وإحراج لها حتى لا تُقدم على الخطوات التي تنوي اتخاذها، فضلاً عن أنه كان ثمة شئ من بطء البتّ والتنفيذ مع بقية من أمل في حل هذه الأمور عن طريق الحزب ومن خلال مؤتمراته”.

في هذه الأجواء، عقد المؤتمر القطري السوري الثاني دورته العادية مابين 17 آذار – 5 نيسان 1965، وخلال هذه الفترة الطويلة التي استغرقنها جلسات المؤتمر، أجرى المؤتمرون مناقشات مستفيضة للظواهر السلبية في مجالس الحزب وفي الحكم،كما تمت مناقشة للأسس الكفيلة بترسيخ الخطوات الاشتراكية، بعد المراسيم التي صدرت في الثاني والخامس من شهر كانون الثاني 1965، والتي بموجبها تم تأميم بعض المرافق الاقتصادية، واتخذ المؤتمر قرارات في مجال التنظيم الحزبي والسلطة وأعاد توزيع الصلاحيات بين مختلف المؤسسات الحزبية والسلطوية، كما اتخذ  قرارات يصبح التنظيم العسكري وفقها خاضعاً لسلطة وتوجيه القيادة القطرية مباشرة.

وبشأن الأزمة السابقة، أوصى المؤتمر بما يلي:

ـ على القيادات احترام مقررات المؤتمرات وتطبيقها، وليس من حق أي قيادة أن تحجب مقررات أي مؤتمر إذا كان مخالفاً لآرائها عن القاعدة أو تلغي تلك المقررات، وإنما عليها أن تحضر الدراسة النقدية لمؤتمر آخر مماثل يجيء فيه التعديل الصحيح. والمقصود هو (بعض المنطلقات النظرية).

ـ برى المؤتمر القطري أن القيادة القطرية قادت البلاد والحزب خلال الأزمات السابقة والفترات العصيبة بنجاح وحكمة، وجنبت الثورة كارثة محتمة، فهو إذْ يسجل لها هذا الموقف يقدر، أيضاً، استجابة القيادة القومية لاجتماع مؤتمر قيادات الفروع، ويوصي المؤتمر القومي القادم أن يأخذ جميع هذه الظرف بعين الاعتبار إذا ما رأى موجباً لبحث الأزمة السابقة بين القيادتين.

كما ناقش المؤتمر، أيضاً، المذكرة التي تقدم بها عدد من الحزبيين الذين كانوا قد فُصلوا من الحزب بعد أن قاطعوا المؤتمر القومي السابع، وأعلنوا في المذكرة عن انسحابهم من التنظيم الذي عُرف باسم “حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري” ورغبتهم في العودة إلى التنظيم الحزبي، ووافق المؤتمر  على عودتهم، بعد أن يتقدم كل منهم بشكل فردي، بطلب عودة للحزب، وذلك وفق الصيغة التي حددتها القيادة القومية.

واختتم المؤتمر أعماله بانتخاب قيادة قطرية جديدة من : أمين الحافظ، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حمد عبيد، حافظ الأسد، محمد رباح الطويل، نور الدين الأتاسي، يوسف زعين، محمد الزعبي، جميل شيا، الوليد طالب، ابراهيم ماخوس، مصطفى رستم، حبيب حداد، عدنان شومان.


*كانت اللجنة العسكرية المسؤولة عن التنظيم الحزبي في الجيش قد قررت إبعاد اللواء محمد عمران – عضو القيادتين القطرية السورية والقومية – عن البلاد وتعيينه سفيراً في إسبانيا بعد أن اتهمته بتمييع الحكم وتخريب الحزب، وذلك على إثر تقرير تقدم به لمعالجة الوضع الحزبي في سورية، وبيّن فيه الأساليب التي تتبعها اللجنة العسكرية من خلف الكواليس، ورغم اعتراض أحد أعضاء القيادة القومية على التقرير بحجة أنه يجب أن يكون بموافقة القيادة القطرية ولكن القيادة لم تأخذ بهذا الاحتجاج.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

مروان حبش

وزير وعضو قيادة قطرية سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى