ألقى أنطون سعادة في السابع عشر من كانون الأول 1936 خطاباً في صافيتا،هذا نصه:
ايها الرفقاء القوميون،
إننا قد تعاقدنا في الحزب السوري القومي على أن نقف معاً دائماً، لأننا قد تعاهدنا على أن نرفع أمتنا إلى مصاف الأمم الحية. وقد تعاهدنا على السير معاً في معترك تنازع الحياة والتفوق بين الأمم لندافع عن حق أمتنا في الحياة ولنبرهن عن جدارتنا بالتفوق. إننا قد تعاهدنا على أن نكون أمة حية مرتقبة.
لقد مضى زمن طويل وليس لسورية إرادة في مصيرها أو في مصالحها، وقد حان الوقت ليعرف العالم أنّ للأمة السورية إرادة في تقرير مصيرها ومصير مصالحها وفي كل شأن من شؤون البحر المتوسط والشرق الأدنى.
ايها السوريون القوميون،
إنّ الحزب السوري القومي قد نشأ من صميم الأمة ليعمل للأمة والدولة. وقد بدأ الحزب السوري القومي عمله بمعالجة أعظم حاجة من حاجات الأمة السورية، ألا وهي الحاجة إلى أساس واحد عام مشترك يشمل جميع مصالح الشعب السوري ويصلح لبناء صرح القومية السورية ونهضة الأمة السورية. إنه عمل لم تكن الفئات السياسية التي سبقت ظهور الحزب السوري القومي لتتنبه له ولضرورة القيام به، ولذلك ظلت دعواتها إلى الاتحاد القومي صيحات حيرة ذهبت أدراج الرياح. إنّ الدعوات إلى الاتحاد كانت خلواً من فهم عوامل الاتحاد وهي لذلك بقيت حبراً على ورق.
إننا لم نقم منادين بوجوب الاتحاد وضرورة الاتحاد ولكننا درسنا أسباب الوحدة القومية في حاجات الشعب ومصالح الأمة وانتهينا إلى وضع مبادىء أساسية وإصلاحية تعطي الأمة حاجاتها وتؤسس مصالحها. وما كدنا نفرغ من ذلك حتى ابتدأت القلوب تتآلف حول الأساس الواحد العام الذي يمثل مصلحة الأمة السورية وإرادة الأمة السورية. هذا هو معنى مبادىء الحزب السوري القومي ونشوء الحزب السوري القومي الذي يجمع الآن صفوف الأمة في عقيدة واحدة ومصلحة واحدة وإرادة واحدة.
إننا لم نقم ناصحين بالاتحاد، كما يفعل الذين يُحبّون أن يرووا الشيء محققاً دون أن يدركوا أسباب تحقيقه وطريقته. ولكننا قمنا نعمل لمصلحة الأمة فحققنا الوحدة القومية على هذا الأساس.
إنّ في مصلحة الأمة التي يعمل لها الحزب السوري القومي ضماناً لمصلحة كل عضو من أعضاء الدولة السورية القومية. إنّ مصلحة كل واحد منا موجودة في مبادىء الحزب السوري القومي وتتحقق بتحقيق هذه المبادىء.
أيها السوريون القوميون،
إنني قد دعوتكم إلى حل أساسي عام للمشاكل الداخلية التي أنزلت التفرقة والتشعث في الأمة فلبيتم الدعوة، وها أنتم الآن شهود أحياء على أنّ الأمة السورية حية وأنّ المجتمع السوري مجتمع واحد.
إننا قد فرغنا في الحزب السوري القومي من مشاكل التعصبات الدينية المنهكة، ولكننا لم نقف عند هذا الحد، بل تقدمنا إلى تعزيز المصالح المتنوعة ضمن الأمة. فالفلاحون والملاكون والصنّاع والعمال يرون في مبادىء الحزب السوري القومي تحقيقاً لمصالح كل فئة من فئاتهم ضمن المصلحة العامة التي تؤمن الكل. إنّ الحزب السوري القومي هو الحزب الوحيد في سورية وسائر الشرق الأدنى الذي أوجد النظام القومي للمصالح الخاصة فجعل منها وحدة تامة، هي مصلحة سورية. كلنا نعمل لمصلحة سورية وكلنا نشترك في مصلحة سورية.
أيها السوريون القوميون،
أنتم الحزب الوحيد في سورية الذي انبثق من قلب الشعب ليخدم المصلحة العامة، ويلغي الامتيازات المدنية التي استعبدت الشعب لأغراضها، وقتلت شخصية الأمة في سبيل مصالحها الشخصية.
أنتم القوة الوحيدة في الوطن التي لا تعمل لحساب هذه الجماعة أو تلك الجماعة بل تعمل لخير الأمة ومصلحة الدولة.
أنتم القوى الكامنة في البلاد الآخذة الآن في الخروج من مكامنها لتغيِّر مجرى التاريخ.
إنّ انتصار الحزب السوري القومي على كل الاضطهادات التي وجهت إليه لدليل قاطع على الفلاح القومي الذي نسير إليه. لقد انتصرنا على الاضطهاد ولم يبقَ علينا إلا الانتصار على المقاومة الرجعية المتلبسة بلباس الوطنية.
إنّ الرجعية تقاوم الحزب السوري القومي، لأن الحزب السوري القومي يريد أن يحرر الفلاح من الرق والعبودية.
إنّ الرجعية تقاوم تقدم الحزب السوري القومي، لأن الحزب السوري القومي يطلب إنصاف العامل وإعطاءه حقه في الحياة.
إنّ الرجعية تحمل على الحزب السوري القومي، لأنه يحرر أفراد الأمة من عبودية الانقياد الأعمى وسلطة المؤسسات العتيقة الفاسدة.
إنّ الرجعية تقاوم الحزب السوري القومي، لأن الحزب السوري القومي يحرر العامة من سيطرة المستثمرين والنفعيين.
إنّ الرجعية تقاوم الحزب السوري القومي، لأن الحزب السوري القومي يؤمن مصلحة المنتج من أي صنف كان.
إنّ الرجعية تحارب الحزب السوري القومي، لأن الرجعية تريد أن تحارب حربها الأخيرة.
أما نحن فإننا نحارب في سبيل مصالح الشعب الحيوية وحياة الأمة.
لقد اراد المتلاعبون بمقدرات الأمة أن يصرفونا عن هذا الهدف العام بمهاجمتنا من جهة قضايا كلامية لا نتيجة عملية لها، لكنهم باءوا بالخيبة، لأنه ليس لنا وقت نضيعه في الجدل الكلامي والمماحكات السقيمة. إنّ مصلحة الأمة أمر مقدس عندنا وليس في العالم شيء يصرفنا عن خدمة المصلحة القومية.
ايها الرفقاء،
إنّ نهضتنا القومية هي الوسيلة الوحيدة لتأمين حقوقنا وصيانة مصالحنا. وإنّ الوقت قد حان لإسماع العالم صوت نهضتنا وللدفاع عن حقوقنا ومصالحنا. وإنّ أول حق من حقوقنا هو حق سيادتنا القومية. وإنّ أول مصلحة من مصالحنا هي صيانة كل شبر من هذه الأرض المقدسة التي عليها نحيا ومنها نستمد موارد الحياة.
إنّ هذه الأرض التي نعيش من خيراتها هي الآن مهددة من ناحيتين: من الجنوب ومن الشمال. ففي الجنوب، في فلسطين تتغلغل الصهيونية وتستولي على أراض خصبة تصلح لإعالة مئات الألوف من السوريين. ومن الشمال يستفحل الخطر التركي على الحدود ويحاول أن يخترقها ويستولي على بقعة أخرى من البقاع السورية الخصبة الضرورية لحياتنا وتقدمنا.
إني قد دعوتكم إلى القومية لنتحد ونصبح قوة فعالة فلبيتم الدعوة، وها نحن قد أصبحنا هذه القوة التي تخشاها الرجعية من الداخل وترهبها القوات الطامعة من الخارج.
وإني أدعوكم الآن إلى الدفاع عن مصالح حياتنا القومية والوطنية ولست أخالكم إلا ملبّين فهل أنتم مستعدون؟ (هتاف ألوف القوميين من جميع المذاهب: إننا مستعدّون).
إنّ ثلاثين ألفاً من السوريين القوميين في لبنان، عدا عن عشرات ألوف المؤيدين والمحبذين، يعدّون حدودهم الوطنية حدود سورية الجغرافية وهم مستعدون للاندفاع نحو الحدود عند حدوث أي خطر حقيقي. وإن ألوف السوريين القوميين المنتشرين في طول سورية وعرضها يقفون هذا الموقف عينه، وما دام هذا استعدادنا وهذه عقيدتنا فالحياة والتقدم لنا.
لقد مضى الزمن الذي كانت فيه تسوى مشاكلنا ومشاكل الشرق الأدنى من قبل إرادات أجنبية تهمل مصالحنا وإرادتنا، وقد جاء الزمن الذي بعث فيه الحزب السوري القومي قوّتنا حتى أصبح لإرادتنا وزن في كل مشكل من مشاكلنا ومن مشاكل الشرق الأدنى عموماً.
إني أعلن أنّ الإسكندرونة أرض سورية ضرورية لحياتنا وتقدم مصالحنا، وإننا مستعدون للاحتفاظ بها مهما كلفنا الأمر.
وإني أعلن أيضاً أنّ كل قضية من قضايا الشرق الأدنى تكون لنا مصلحة فيها وتسوى بإهمال مصالحنا وإرادتنا تكون تسويتها فاسدة.
أيها السوريون القوميون،
إنّ الحزب السوري القومي يرمي إلى حفظ حقوقنا ومركزنا في العالم، إنه يرمي إلى جعل وطننا مركز الثقل للحركات السياسية في الشرق الأدنى.
ولا شك أننا بالغون هدفنا لأن قوة السوريين القوميين قوة حقيقية.
إنّ يقظتنا قد أصبحت شيئاً محسوساً وعملنا يتجه بنا نحو الفلاح. وإني أعدكم بأننا سنعدّ في القريب العاجل مشروعاً يستغرق ثلاث سنوات.
إنّ ثلاث سنوات من العمل السوري القومي تكفي لتحقيق أول مشروع خطير من مشاريعنا القومية. إنّ مشروع ثلاث سنوات سيجعل الإرادة السورية القومية محترمة ونافذة.
أيها السوريون القوميون،
إفعلوا واجباتكم واذكروا أنّ الوطن في خطر. إنّ العمل عظيم ولكن اذكروا دائماُ أنّ قوتنا عظيمة.
تمنطقوا وكونوا دائماً مستعدين. إنّ سورية والمستقبل لنا!