You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1948: سياستنا الخارجية

سياستنا الخارجية .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في صحيفة البعث في16 تشرين الثاني عام 1947.

لعل وضع الأمة العربية (1) في مرحلة التحرر التي تجتازها وضع فريد في التاريخ السياسي، وما ذلك إلا نتيجة لوقوع الأمة بين عدوين في الداخل والخارج. لا تدري أيهما تناضل وبأي منهما تبدأ.

ففي الوقت الذي تتآمر فيه قوى الاستعمار والصهيونية على مستقبل العرب في فلسطين والبلاد العربية جمعاء، نرى الحكومات العربية تتسابق إلى عقد المعاهدات السياسية وتثبيت الاتفاقيات الاقتصادية مع هذه الدول نفسها التي تعتدي على حقوق العرب وسيادتهم والتي كانت المسبب الحقيقي والعامل الرئيسي في محنتهم الحاضرة في فلسطين، مع ان ابسط قواعد السياسة وأقل واجبات الإخلاص للمصلحة القومية كانت تقضي بأن تتجه سياسة الحكومات العربية، في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر، إلى الابتعاد عن نفوذ الدول المستعمرة لبلادها.

في العالم كتلتان كبيرتان تقتسمان السيطرة والنفوذ فيه. والأمر الراهن أن كل الدول التي تقف عثرة في طريق تحرر العرب ونهضتهم سواء بسيطرتها السياسية واستثمارها الاقتصادي كما هو الحال مع بريطانيا وأميركا بالشرق العربي أو باحتلالها الثقيل واستعمارها الغاشم كما هو الحال مع فرنسا في المغرب العربي، كل هذه دون استثناء متجمعة في إحدى الكتلتين العالميتين. ومن البديهي ان توثيق الروابط مع هذه الدول وتسخير البلاد العربية بمواقعها الحربية وثروتها الاقتصادية الهائلة، ومجرد السكوت والتغاضي عن استعمار البعض الآخر، كل هذا لن يكون من شأنه ان يدعم مركز هذه الكتلة ويرجح وزنها في الصراع العالمي فحسب، بل يؤدي كنتيجة لهذا الدعم والترجيح، إلى تمكينها من بلاد العرب أكثر من ذي قبل واستئثارها بمقدراتهم والقضاء على ما يناضلون من اجل تحقيقه من حرية ووحدة وتقدم.

لو ان العرب كانوا اليوم في وضع خال من شوائب الاستعمار والاحتلال والتجزئة وأرادوا أن يقفوا من الصراع العالمي موقفاً حراً هو اقرب ما يكون إلى مثلهم ومصلحتهم القومية، فلربما كان هذا الموقف أميل إلى جانب الأمم الديمقراطية منه إلى جانب الدول الدكتاتورية، بالرغم من النواقص الفاضحة التي يتبينونها في ديمقراطية الغرب وبالرغم من إمكانيات التحرر والتقدم التي يرونها كامنة في ديكتاتورية المعسكر الأوروبي الشرقي ذلك لأنهم يعرفون حق المعرفة ان الحرية هي جوهر حياتهم وانها كانت الأساس المتين لنهضتهم الماضية وستظل كذلك في المستقبل. ولكن الوضع الراهن الذي يعيش فيه العرب والذي يتصف بفقدان السيادة والوحدة، وبضياع ثرواتهم القومية وحرياتهم السياسية بين المستعمرين الأجانب والإقطاعيين من أهل البلاد يحرم عليهم وقوف ذلك الموقف المثالي، ويضطرهم اضطراراً إلى التنكر لهذه الديمقراطية الغربية التي لا تعني بالنسبة إليهم غير الاستعمار الأجنبي، وتشجيع الطبقة الرجعية المستغلة في داخل بلادهم.

إن في السياسة التقليدية التي تتمشى عليها بريطانيا وأميركا وفرنسا في علاقاتها مع العرب، كما في سياسة الاتحاد السوفياتي نفسه الذي أقدم مؤخراً على طعن العرب في قرار التقسيم، لجهلاً بيناً وخطأ فادحاً، فكلا الطرفين الغربي والسوفياتي لا يمتد نظرهما إلى ابعد من حدود الحكومات العربية، ويتجاهلان أنها شيء عارض بالنسبة إلي تلك الحقيقة الثابتة الراسخة التي هي الشعب العربي. فلو حسب السوفييت، وهم حملة لواء الاتجاه الشعبي حساباً لهذا الشعب، لما كانوا أقدموا في إقرار التقسيم على عمل لم يمله عليهم غير استيائهم من سياسة الحكومات العربية الخاضعة لنفوذ أعدائهم، ولو تبصرت الكتلة الانكلوساكسونية في الأمر جيداً لعرفت ان الصداقة التي يجدر بها ان تنشدها في الوطن العربي لا يمكن إن تقوم أسسها إلا على أشلاء جيوش الاحتلال والاستعمار وتمزيق الاتفاقيات الاقتصادية الظالمة، وإلا على أنقاض هذا الحكم الرجعي الإقطاعي القائم في البلاد العربية والذي تؤيده حراب هذه الدول ودسائسها.

ذلك ما يجدر بساسة الغرب إن يذكروه. أما ما يجب أن يذكره السياسيون العرب فهو:

1- إن البلاد العربية وحدة لا تتجزأ وان مصلحتها هي كذلك.
2- إن أعداء البلاد العربية في الوقت الحاضر هم أيضاً يشكلون وحدة لا تتجزأ، فبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا تتقاسم العالم العربي استعماراً واحتلالاً واستثماراً اقتصادياً، وهي في الوقت ذاته تجتمع في كتلة عالمية واحدة : الكتلة الغربية.

إذن فكل ما يتستر باسم محالفة أو اتفاق أو صداقة مع هذه الدول بعضها أو كلها، هو دعم للاستعمار المفروض على بلاد العرب. وفي الوقت نفسه، فكل إضعاف لهذه الدول، كلها أو بعضها، يخفف من وطأة الاستعمار المفروض على البلاد العربية ان لم يقض عليه.

فمصلحة البلاد العربية لا يمكن ان تكون بشكل من الإشكال في جانب الكتلة الغربية أو في جانب أي عضو من أعضائها، وبالتالي فسياسة الحكومات العربية يجب إن تكون سياسة حياد في النزاع القائم بين الكتلتين العالميتين. لا ان ترتبط مع أعداء العرب بمعاهدات جديدة في الوقت الذي يجب ان تتخلص فيه من كل رابطة تربطها بهم.

ولئن اتخذ النزاع القائم بين الكتلتين شكل نزاع بين الديمقراطية والدكتاتورية فإنه بالنسبة إلى العرب بعيد كل البعد من هذا المعنى، لان دول الغرب الديمقراطية هي عدوة حريتهم واستقلالهم ووحدتهم وهي أيضاً حامية الحكم الديكتاتوري الوطني الذي يشقى به العرب فوق شقائهم بالاستعمار.

21 كانون الثاني 1948

(1) نشر في جريدة “البعث” في 21 كانون الثاني 1948.

 

المراجع والهوامش:

(1). صحيفة البعث - دمشق، العدد الصادر في 16 تشرين الثاني  1947



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: <b>تنبيه: </b>عذراً... لا يمكنك نسخ محتوى الموقع.!!