رشيد بقدونس
رشيد بن عبد الرزاق بن حسن بن يوسف بقدونس، مناضل عسكري وسياسي سوري، عالم بالتاريخ والجغرافية وله عناية باللغة العربية، ولد في صالحية دمشق وتوفي فيها.
أنهى دراسته الأولية في المدرسة الرشدية في دمشق، ثـم التحق بالكليـة الحربية في اصطنبول وتخرج فيها ضابط مشاة عام 1895، أُرسل بعدها في كتيبة إلى كريت Crete ثم نقل إلى سالونيك Salonique فأقام فيها ست سنوات وتعلم اللغة اليونانية. وحارب في صفوف الجيش التركي في حرب اليونان وأُسر في إسبرطة Sparta عام 1913، وبقي أسيراً سنة ونصفاً ثم أطلق سراحه، فأرسل إلى جبهة القوقاز مع بداية الحرب العالمية الأولى وظل فيها حتى انتهاء تلك الحرب.
كان رشيد بقدونس من نشطاء جمعية العهد التي تأسست عام 1913 وضمت عدداً كبيراً من القوميين العرب، ونادت باستقلال البلاد العربية. وأصدر في مدينة كولكي ـ سالونيك، جريدة الوطن باللغة التركية، ووقفها على نشر الوعي القومي والدعوة إلى استقلال البلاد العربية ووحدتها.
وفي عام 1918 أي بعد إعلان الثورة العربية ونجاحها التحق رشيد بقدونس بالجيش العربي في سورية،وعُيّن برتبة قائد في الشعبة الثالثة من ديوان الشورى الحربي، فشارك في تنظيم الجيش الفتي وتدريبه، وأسهم في ترجمة الكتب العسكرية من التركية إلى العربية، منها: كتاب «تعليم المشاة» (1919) وكتاب «الفروسية» (1920) وكتاب «سياسة الخيل«، وشارك في وضع جداول فنّ الرمي والرقيم اليومي وكتاب «الأسلحة»، وكتاب «التعبئة» وتنظيمات الجيش. وكان بصحبة الملك فيصل لما دخل دمشق بعد إعلان الاستقلال في 8 آذار عام 1920.
ولما نجح الحلفاء في تقسيم بلاد الشام إلى سورية الشمالية تحت الانتداب الفرنسي، وسورية الجنوبية تحت الانتداب الإنكليزي اعتزل رشيد بقدونس الحياة العسكرية، وتفرغ لمقارعة المستعمرين الفرنسيين بفكره وقلمه، فشارك القوى الوطنية في تنظيم تجمعاتها وفي حرب العصابات، والمقاومة الوطنية التي بلغت أوجها عام 1922، وكان من بين من اعتقلتهم السلطات الفرنسية في ذلك العام وحكمت عليهم بالسجن والنفي، فحكم عليه بالسجن عشر سنوات ومثلها بالنفي، ولكنه تمكن من الهرب متخفياً عبر بادية الشام، حتى وصل إلى الأردن ثم فلسطين، وبقي فيها إلى أن صدر عفو عام عن الثوار في سنة 1928 فعاد إلى دمشق.
مارس رشيد بقدونس في المنفى تدريس مادة التاريخ والجغرافية والحضارة العربية في مدارس فلسطين، وكان يؤكد في دروسه وحدة بلاد الشام،وبعد عودته من المنفى تابع نشاطه النضالي والسياسي، وكان من بين أعضاء المؤتمر السوري العربي الذي دعت إليه القوى الوطنية عام 1933.
كذلك وجه رشيد بقدونس في 18 تشرين الأول 1935 مذكرة باسم المحاربين القدماء إلى دي مارتيل De Martel المفوض السامي الفرنسي في سورية ولبنان طالب فيها بالوحدة السياسية الشاملة وبالاستقلال والسيادة.
ولمّا تأسست الجبهة الوطنية المتحدة عام 1936 شارك رشيد بقدونس في إعداد بيانها الأول، وفي نشر ميثاق الاتحاد الوطني العام،كما شارك في المؤتمر القومي العربي في بلودان عام 1936/1937. وأسهم في جميع النشاطات التي تهدف إلى النهوض باللغة العربية والابتعاد عن التعبيرات الأجنبية، فترأس أعمال لجنة التهذيب اللغوي التي أنيط بها تدقيق التعبيرات والكلمات التنظيمية للقطاع المدني للدولة الفتية عام 1919، ووضع مرادفات عربية للاصطلاحات والتعبيرات والتعليمات العسكرية والأوامر التي كانت مستعملة في الجيش التركي. وأجرى دراسة مطولة حول اتباع رسم معين يضاف إلى الحروف العربية في مقابل الحروف الأجنبية التي ليس لها ما يقابلها في الأبجدية العربية، وكان من الذين نادوا بتأسيس مجامع علمية في كل من دمشق وبغداد والقاهرة وتونس والمغرب الأقصى حرصاً منه على سلامة اللغة العربية، ولما تأسس المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية اليوم) عام 1920 كان رشيد بقدونس عضواً من أعضائه وكانت له مشاركات متميزة فيه، ورأس لجنة المصطلحات العلمية التي ضمت أعضاء من المجمع ومن الجامعة السورية وجامعة بغداد، وكانت له إسهامات في مجلة المجمع العلمي العربي. وقد أتقن اللغات التركية والفرنسية واليونانية والفارسية إتقاناً تاماً، وله مؤلفات باللغة اليونانية،ويبدو أن اندلاع الحرب العالمية الثانية ووفاته حالا دون صدورها.
درّس رشيد بقدونس التاريخ والجغرافية في مكتب عنبر، وفي دار المعلمات بدمشق عام 1921. وفي المدرسة السلطانية في السلط 1922-1923 وفي المدرسة الإسلامية الكبرى في حيفا 1924-1928.
ومن مؤلفات رشيد بقدونس كتاب «التاريخ العام»، وكتاب «التاريخ القديم»، (الأعوام 1924-1928) وكتاب «تاريخ القرون الوسطى»، وكتاب «تاريخ القرون الأخيرة»، وكذلك كتاب «الجغرافية الطبيعية». وترك مخطوطات لم يتح له نشرها، منها «تاريخ الكنيسة» (ترجمة عن اليونانية) و«آثار العرب» و«الطب عند العرب». ومن أهم نشاطاته الخيرية والاجتماعية إسهامه مع نخبة من أهل الصالحية في تأسيس «جمعية الثقافة والتعليم الخيري»، لتعليم أبناء الفقراء والأيتام وتقديم الكتب واللوازم والألبسة مجاناً، وتعليم الأميين من أرباب الحرف ليلاً.
وكان عضواً عاملاً في «جمعية النداء الخيري التعليمي»، وفي «جمعية التمدن الإسلامي». كما كان من مؤسسي «جمعية إسعاف المتقاعدين»، لإعانة المحتاجين من المتقاعدين العسكريين والمدنيين وأرباب المهن الحرة وأسرهم بالتطبيب والأدوية اللازمة.
مراجع للاستزادة:
ـ أمين سعيد، الثورة العربية الكبرى (مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر).
ـ أحمد حلمي العلاف، دمشق في مطلع القرن العشرين (منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي 1976).
ـ ظافر القاسمي، مكتب عنبر (دار العلم للملايين، بيروت 1964).
ـ مجلة المجمع العلمي العربي، المجلد الخامس (1925-1926).