You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

نشوان الأتاسي: إنقلاب حسني الزعيم

نشوان الأتاسي- التاريخ السوري المعاصر

(في 1949 قام بسورية انقلاب عسكري تزعمه حسني الزعيم بناء على تشجيع الفرنسيين والأميركيين، ثم قام انقلاب معاكس دعمه الإنكليز، كاد يلقي بسورية في أحضان العراق لولا قيام أديب الشيشكلي بقلب الحكم القائم وتسلم قيادة الأمور. لكنه لم يلبث أن اضطر إلى الهروب من دمشق في 1954، فقام الحكم المدني الديمقراطي حتى أواخر 1957، غير أنه انهار بدوره بتأثير عوامل عديدة لا تبرئ الأميركيين من التدخل بها، ثم كانت الانتفاضة ضد الوحدة في 28 أيلول 1961).

بهذه الكلمات الموجزة والمعبّرة، وصف رجل الدولة، المطّلع على خفايا السياسة السورية خالد العظم في مذكراته الوضع في سورية خلال تلك الفترة الحرجة من تاريخها وتاريخ المنطقة، بل وتاريخ العالم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تلك الفترة التي تم التأريخ لها تحت مسمى “الحرب الباردة”.

إذ لم تكد البلاد تنال استقلالها وتضع قدميها على طريق بناء الدولة والمجتمع، حتى بدأ الصراع عليها وحولها من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، بمشاركة من قوى داخلية.

فعلى الصعيد الدولي، نشبت الحرب الباردة بين حليفي الأمس: الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كما بدأت الولايات المتحدة العمل حثيثاً للحلول محل بريطانيا في مناطق نفوذها الإمبراطورية الواسعة حول العالم. وبدأ الاتحاد السوفييتي كذلك في محاولة تصدير الشيوعية إلى المنطقة، تمهيداً لمد نفوذه إليها.

لذلك، وفي ذات الوقت الذي كانت أميركا تعمل فيه على “وراثة” البريطانيين، كانت الدولتان تتعاونان سوياً في إطار وقف التمدد الشيوعي في المنطقة.

وقد جرى تظهير هذه الصراعات في منطقة الشرق الأوسط من خلال محاور عكست ارتباطات كل دولة من دوله بالقوى الكبرى، حيث برز محوران أساسيان هما محور العراق الهاشمي، المرتبط بالسياسة البريطانية، ومحور السعودية ومصر المرتبطتين بالسياسة الأميركية، وحاول كل طرف منهما استمالة سورية، والضغط عليها لضمها إلى محوره، معتمداً على القوى المحلية الموالية له، أي حزب الشعب الذي كان يعمل على ربط سورية بالعراق، والحزب الوطني الذي كان يعمل على ربطها بالمحور السعودي – المصري.

وزاد من تعقيد الأمور توقف العمليات العسكرية بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي صيف عام 1948، والضغوط التي بدأت تمارسها أميركا على سورية لتوقيع اتفاقية الهدنة مع الدولة العبرية أسوة بالدول العربية الأخرى التي بدأت مباحثات للهدنة مع إسرائيل في جزيرة رودوس، في ذات الوقت الذي كان يجري فيه تبادل الاتهامات داخل سورية حول المسؤولية عن كارثة فلسطين.

وفي هذا الجو المحموم تقدمت شركة التابلاين الأميركية، التي تتولى التنقيب عن، واستخراج، وتسويق النفط السعودي، إلى الحكومة السورية بطلب الموافقة على إمرار خط أنابيب النفط العائدة لها عبر الأراضي السورية، الأمر الذي يقتضي إبرام اتفاقية وتقديمها إلى مجلس النواب للتصديق عليها، كي تصبح نافذة. هذا المجلس الذي يتناوب السيطرة عليه كلا الحزبين الكبيرين (الوطني والشعب)، مع وجود مجموعات ضغط من القوميين الراديكاليين.

يذكر خالد العظم في مذكراته أن الملك السعودي عبد العزيز أرسل المشروع الذي قدمته شركة التابلاين إلى حليفه، رئيس الجمهورية شكري القوتلي عام 1946، لكن خالد العظم، وبصفته وزيراً للاقتصاد الوطني، كتب تقريراً مفصلاً عن المشروع بيّن فيه اعتراضه على النصوص وعدم قبوله بإبرامه، لذلك لم يتم عرضه على مجلس النواب، ويضيف العظم أن موقفه هذا كان من جملة الأسباب التي حملت القوتلي على إبعاده عن رئاسة الوزراء في التعديل الوزاري اللاحق، وترجيحه جميل مردم لرئاستها، الذي قام، بعد أن تسلم رئاسة الوزارة، بالتوقيع عليه بالأحرف الأولى لكنه لم يجرؤ على تقديمه إلى مجلس النواب.

لذلك بقي هذا الأمر معلقاً ولم يتمكن شكري القوتلي من تمرير المشروع عبر مجلس النواب. وكذلك بقيت اتفاقية الهدنة الدائمة مع إسرائيل معلّقة.

ويؤكد خالد العظم بأن موقف النواب السلبي تجاه هذين الاتفاقين كانا في طليعة الأسباب التي حملت حسني الزعيم على القيام بانقلابه العسكري في الثلاثين من شهر آذار عام 1949، مفتتحاً به عصر الانقلابات العسكرية في سورية، وفي العالم العربي بأكمله.

كما يضيف العظم معلقاً: إن حسني الزعيم لم يكن مهتماً بتصديق الاتفاقين، بل إنه كان آلة صمّاء استعملها الأميركيون مباشرة، أو عن طريق الفرنسيين وعملائهم للإطاحة بالحكومة وبمجلس النواب وإيصال حسني الزعيم إلى الحكم. فلا عجب أن يعمد فوراً إلى إصدار مرسومين اشتراعيين، صدّق وأبرم بهما كلاً من الاتفاقيتين.

وفيما يتعلق باتفاقية الهدنة الدائمة، يعلق العظم بالقول: “انتهت مفاوضات الهدنة بين سورية واليهود في عهد حسني الزعيم بأن قبلت سورية الانسحاب من جميع الأراضي التي كانت احتلتها، بعد حمامات “الحمّة” ومحطة سكة الحديد فيها. كما تنازلت عن طلب جعل خط الهدنة ماراً بمنتصف سطوح المياه. وقبلت أن تكون الحدود السياسية بين سورية وفلسطين هي الخط الفاصل. أما الأراضي المحتلة، فعادت بمعظمها إلى اليهود، عدا جزءاً منها سمي منطقة مجردة، لا يجوز للقوى العسكرية دخولها. وتركت بالإضافة إلى ذلك منطقة كانت القوى اليهودية احتلتها ليلة الهدنة، وهي كائنة على الجرف المشرف على بحيرة طبرية”.

ومما يجدر التنويه إليه أن حكم حسني الزعيم لم يستمر إلا أربعة أشهر وعشرة أيام، حيث أطاح به انقلاب سامي الحناوي، وتم إعدام الزعيم ومساعده محسن البرازي فوراً، وعادت البلاد إلى الحكم المدني، لكن الاتفاقيات التي وقعها الزعيم لم تُمس ولم تُبدّل، وظلّت سارية المفعول!

ومن المفارقات التي يتوجب التوقف عندها ملياً، أن كلاً من حزب البعث (عفلق والبيطار) والحزب العربي الاشتراكي (أكرم الحوراني) أيّدا بحرارة انقلاب الزعيم، الذي يتهمه العظم أنه كان أميركياً بامتياز، إلى حد أن حزب البعث اعتبره “ولادةً لعصر جديد في سورية”، كما أن ميشيل عفلق سعى كي يكون مستشاراً لحسني الزعيم، أما الحوراني، الذي قام بتسهيل الانقلاب عبر نفوذه في صفوف ضباط الجيش، فقد أعجبه تصريح حسني الزعيم “جئت لأحرر الفلاحين”، ثم أصبح مستشاراً قانونياً لوزارة الدفاع.

المصدر
المصدر الأتاسي (نشوان)، تطور المجتمع السوري 1831 – 2011، صـ 209



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى