عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر
إعلان دولة الاستقلال الأول ومبايعة فيصل الأول ملكاً عليها:
كان الأمير فيصل قد أبرم في مطلع عام 1920 اتفاقية سرية مع رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو، قضت بتعهد الحكومة الفرنسية أن تمنح معونتها وخبراتها الفنية والاستشارية لسوريا، وتضمن استقلال سوريا ضمن حدود يحددها لاحقاً مؤتمر الصلح في سان ريمو، وباستقلال لبنان، وبإحداث إدارة مستقلة لجبل حوران، وبجعل بيروت والإسكندرونة مينائين حرين. وقبل أن يضع الأمير توقيعه مرغماً على بنود الاتفاقية، وصل طبيب الشريف حسين ومعه أمر إلى الأمير بعدم توقيع أي اتفاق يتنافى مع العهود المعطاة له من الحكومة البريطانية، فاكتفى بوضع الأحرف الأولى من اسميهما وتأجيل التوقيع لاستشارة الشعب السوري به، وعاد إلى دمشق.
وفي 7 آذار من عام 1920 اتخذ المؤتمر رداً على ما يسمى في الحوليات التاريخية بـ”اتفاق فيصل – كليمنصو”، وقد سبقت الإشارة إليه عدة قرارات تاريخية تنص على إعلان استقلال سوريا بحدودها الطبيعية استقلالاً تاماً بما فيها فلسطين، ورفض ادعاء الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وإنشاء حكومة مسؤولة أمام المؤتمر الذي هو بمثابة مجلس نيابي، ومبايعة فيصل الأول ملكاً دستورياً على البلاد. وقد شارك مرعي باشا الملاّح نائب حلب في صياغة هذه المقررات، وكان في مقدمة الموقعين عليها بصفته النائب الأول للرئيس (1).
وقرر في اليوم ذاته أن يكون علم الاستقلال هو راية الثورة العربية الكبرى مضافاً إليها النجمة السباعية في وسط المثلث الأحمر، على اعتبار أن سوريا هي الدولة العربية المستقلة الأولى التي تنبثق عن مشروع النهضة العربية، وأما النجمة السباعية فهي تمثل مناطق سوريا السبع، وهي ولاية دمشق، ولاية بيروت، شرق الأردن، فلسطين، ولاية جبل لبنان، ولاية حلب، سنجق القدس.
استقبلت الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء هذه القرارات بحماس بالغ وفرحة طاغية باعتبارها محققة لآمالهم ونضالهم من أجل التحرر والاستقلال. و تشكل بلاط ملكي للملك فيصل الأول ترأسه الحلبي إحسان الجابري، الذي كان يعمل سابقا أمين سر في قصر السلطان العثماني محمد الخامس رشاد في استانبول، وأعلن الملك العفو العام. كما تشكلت الحكومة برئاسة الفريق علي رضا باشا الركابي، وضمت سبعة من الوزراء ومن بينهم الحلبيان القاضي جلال الدين زهدي (وزير العدل) والمفكر ساطع الحصري (وزير المعارف). وهكذا، لم يعد فيصل في هذا العهد الجديد المسؤول الأول عن السياسة، بل أصبح ذلك منوطًا بوزارة مسئولة أمام المؤتمر السوري.
انقلاب المؤتمر السوري مجلساً تأسيسياً:
بعدما أعلن المؤتمر السوري العام دولة الاستقلال الأول وبايع فيصل ملكاً عليها انقلب مجلساً تأسيسياً، وفي 10 آذار من عام 1920 انعقدت جلسة علنية لانتخابات رئاسة المجلس التأسيسي وأمانة السر والهيئة الإدارية لتقرير دستور البلاد؛ فانتخب من جديد كل من:
– هاشم الأتاسي للرئاسة الأولى؛
– مرعي باشا الملاّح للرئاسة الثانية؛
– يوسف الحكيم للرئاسة الثالثة(2).
وانتخب سعدالله الجابري نائب حلب عضواً في الهيئة الإدارية التي ضمت أشخاصاً ستة من أعضاء المؤتمر السوري(3). كما تشكلت لجنة وضع الدستور برئاسة هاشم الأتاسي، وضمت في عضويتها اثنين من مندوبي حلب هما سعد الله الجابري وتيودور أنطاكي، بينما كان بقية الأعضاء هم الشيخ عبد القادر الكيلاني، ووصفي الأتاسي، وإبراهيم القاسم عبد الهادي، وسعيد حيدر، وعثمان سلطان، والشيخ عبد العظيم الطرابلسي، وعزة دروزة.
وقد نص الدستور السوري للعام 1920 نص على أن سوريا ملكية مدنية نيابيّة، عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام، وتضمنت بنوده المساواة بين جميع السوريين، وحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب والمشاركة في النشاط السياسي والاقتصادي، وسلامة الأفراد، وتجريم التعذيب والاعتقال التعسفي، والحريّة الدينيّة، ونشر المطبوعات، ومنع النفي، والعقاب دون محاكمة، والمصادرة. وترك الدستور للملك تشكيل الوزارة من غير أشخاص الأسرة المالكة، وجعلها مسؤولة أمام المؤتمر- البرلمان الذي يحقّ له استجوابها وسحب الثقة منها، وحدّ من صلاحيات الملك بإلزام أي قرار يتخذه بتوقيع رئيس الوزراء والوزير المختص، وبيّن أن المؤتمر العام يتكون من غرفتين هما مجلس النواب المنتخب من جانب الشعب على درجتين، ومجلس الشيوخ المنتخب من مجلس النواب بمعدل ربع عدد أعضاء نواب المقاطعة الواحدة في مجلس النواب على أن يعين الملك نصف العدد المنتخب عن كل مقاطعة أيضًا. ونص على إحداث المحكمة الدستورية العليا من 16 عضوًا نصفهم منتخبون من جانب مجلس الشيوخ والنصف الآخر من رؤساء محاكم التمييز. كما نص على أن البلاد تدار على القاعدة اللامركزيّة، وأن لكل مقاطعة مجلسها النيابي المصغر، وحكومتها الخاصة، وحاكمها المعيّن من الملك ولا يتدخل أحد في إداراتها وشؤونها الداخليّة إلا في الأمور العامة التي هي من اختصاص الحكومة المركزية.
وهكذا بدأت الأمور تجري في اتجاه يدعو إلى التفاؤل ويزيد من الثقة، وباشر الأعضاء بمناقشة مواد مشروع الدستور الجديد بإشراف رئاسة المجلس، فأنجزوا وضع مواده الـ(148) ومن ثم أتموا قراءته الأولى ليقروا المواد السبع الأولى منه في القراءة الثانية قبل أن تعلق جلساته في 20 تموز من عام 1920 التي ترافقت مع أزمة إنذار غورو(4) .
الإحالات المرجعية:
1) طلاس، مصطفى، الثورة العربية الكبرى، دمشق، منشورات مجلة الفكر السياسي، 1979، ص 568؛ عبيدات، محمود، أحمد مريود 1886-1926، بيروت، دار رياض الريس، 1997، ص 173.
2) العاصمة (دمشق)، ع 108، 11/3/1920؛ Russell, Malcolm B., The First Modern Arab; State, Syria Under Faysal 1918-1920, Minneapolis, Bibliotheca Islamica, 1985, p 148; David, Philippe, Un gouvernement arabe à Damas: le congrès syrien, Paris, M. Giard, 1923, p. 99.
3) الماظ شهرستان، ص 93-94.
4) Russell, p 148-152؛ الماظ شهرستان، ص 179-206.
اقرأ:
عمرو الملاّح: الحلبيون ودورهم في المؤتمر السوري العام (3/1) |
عمرو الملاّح: الحلبيون ودورهم في المؤتمر السوري العام (3/2) |
وايضاً: