You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1947: حزبية الحزب الوطني.. هي اكبر خطر يهدد الوطن

 حزبية الحزب الوطني.. هي اكبر خطر يهدد الوطن .. من مقالات ميشيل عفلق عام1947م.

في هذة الأيام القليلة الحاسمة التي تسبق يوم الانتخابات، يتوجب على الشعب ان يستجمع كامل وعيه، وينبه اعماق ضميره، ويقف وقفة كلها ارادة وعناد في وجه الخطر الذي يفوق سائر الأخطار، وليس اشد في نظر الشعب من خطر الفئة الحاكمة وحزبيتها.

لقد بقي الشعب الى زمن قريب ينظر الى هذه الفئة كمجموعة من الأشخاص فيها الصالح والفاسد ويهمل النظر اليها كحزب له اسلوب ومنطق واتجاه ان يكن مستمدا من عقلية الأشخاص ومصالحهم واخلاقهم، فهو يعلو عليهم ويسيرهم جميعا في طريق لا يستطيعون الانحراف عنه، وإلى مصير لا يقوون على تغييره او تجنيه.

ولكن التجربة الأخيرة التي جربها الشعب قبل اربع سنوات: فتحت عينيه على اشياء كثيرة، فأعاد النظر في تفكيره، واكتسب من الواقع خبرة عرف بنتيجتها ان الفساد هو في الحزب اكثر منه في الأشخاص وأن من طرق الفساد والغش في هذا الحزب انه اخذ يلجأ، بعد ان انكشف للناس زيفه وتتالت مساوئه وفضائحه، الى التستر وراء بعض اشخاصه الذين ظلوا ابعد من غيرهم عن الشبهات.

لقد عرف الشعب بالتجربة المرة القاسية ان الحزب الفاسد لا يجديه ولا ينفع فيه وجود شخص او اشخاص يمكن اعتبارهم صالحين، لأن فساد الحركة يغلب على أفراده، ولأنه لا يتبنى الحركة الفاسدة او ينطوي تحت لوائها ويستطيع التنفس في جوها الا من كان فيه استعداد كبير لمجاراتها في شرها وفسادها.

فالمهمة الكبرى التي يستعد الشعب اليوم للقيام بها هي تحطيم هذه الحزبية الفاسدة -الحزبية الكتلوية- التي امست قبرا تدفن فيه فضائل الأمة وتفيض كفاءتها ونزاهتها وكل استعدادات الخير والابداع فيها. اذن فليس المهم ابعاد شخص او اكثر من هؤلاء عن النيابة والحكم، اذ ان ذلك عديم النفع ومتعذر ما دامت حزبية “الكتلة” او “الحزب الوطني” قائمة لم تهدم وتحطم، لأن “الكتلويين” ليسوا اشخاصا معينين بالذات، بل هم كل شخص قبل او يقبل الدخول في نطاق هذه الآلة الجهنمية، فيستمرئ اساليبها في الاستئثار والكذب والاحتيال، ويذوق حلاوة السيطرة والاستغلال، وتطبق عليه شبكة تبادل المنافع والتضامن على الضلال.

ان الشعب يدرك كل الادراك ان الخطوة الاولى في طريق الاصلاح وتنقية الجو السياسي وفتح باب الامل امام عناصر الخير في البلاد هي اقصاء هذا الحزب بمجموعه، حتى ولو كان لبعض رجاله مزايا وكفاءات، لان في ذلك قضاء على حزب يحكم البلاد بروح العصابات، وبنفسية الشركات الاجنبية الاستثمارية.

واذا جاز ان ينظر في الأشخاص ويفرق بينهم من حيث شدة الخطر او ضعفه، فلا شك ان اشدهم خطرا هم اشدهم حزبية، ولقد تمثلت هذه الحزبية العاتية في وزراء المرسوم 50، الذين كانوا اجرأ من غيرهم في الافصاح عن نوايا الفئة الحاكمة وتصميمها الاجرامي على حصر السلطة بيدها الى الابد بغية استعباد الشعب ونهب امواله وخنق مواهبه وقتل اخلاقه.

في معركة الانتخاب، كما في معارك الحرب، يقضي واجب حفظ البقاء بأن تحصر الجهود كلها في دفع الخطر الداهم. وقد عرف الشعب ان اكبر خطر يهدد بقاءه واستقلاله هو استمرار هذا الحكم الذي تنبع منه وتصدر عنه سائر الأخطار الأخرى، فلولا الحكم الحاضر ومساوئه لما دبرت المؤآمرات الاستعمارية على استقلالنا، ولما استطاعت الحركات الفاسدة ان تنتشر في ارضنا، مستغلة النقمة والاستياء، مستفيدة من الفوضى وتراكم الأخطاء، ولما استطاع الملوثون ان يعودوا من جديد ليظهروا، بالقياس الى رجال الحكم، بمظهر الطاهرين الأبرياء.

ان شعب سوريا العربي الذي رفع عن نفسه، بنضاله العنيد، وطأة الاستعمار الأجنبي، يقف في هذه الأيام الحاسمة موقف الوعي والكرامة والارادة ليرفع عن حياته الاستقلالية الحديثة وصمة الاستئثار والاستثمار، ويقضي على آخر مخلفات الحكم الأجنبي بقضائه على “الحزب الوطني”!

ميشيل عفلق
26 حزيران 1947

المراجع والهوامش:

(1). افتتاحية جريدة "البعث"، العدد 203 الصادر في 26 حزيران 1947.

المصدر
ينشر بالاتفاق مع موقع "في سبيل البعث" وأسرة ميشيل عفلق، موقع التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: <b>تنبيه: </b>عذراً... لا يمكنك نسخ محتوى الموقع.!!