عام
فيلم المتهم البرئ
يعد فيلم “المتهم البرئ” بداية الإنتاج السينمائي في سورية، وذلك عام 1928 عندما اجتمع عدد من الهواة- أيوب بدري، أحمد تللو، محمد المرادي- واستوردوا جهازاً صغيراً للتصوير السينمائي قياس 35 ميللمتر طراز “كينامو” لتصوير فيلم سينمائي.
اتفقوا على تصوير الفيلم الذي يعتزمون إنتاجه على أن يكون شريكاً رابعاً لهم ويتولى التصوير ووضع السيناريو، وسميت الشركة التي ضمت هؤلاء الشباب المغامرين “حرمون فيلم”.
كانت قصة الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية، وقعت أحداثها في دمشق أبان حكم الملك فيصل، وهي قصة عصابة من اللصوص عاشت فساداً في أنحاء مختلفة من ضواحي دمشق، وألقت الرعب في النفوس.
أنتجت القصة مع إجراء تحوير في مسارها وأحداثها لإدخال عنصر المرأة في الفيلم، إذ ليس من المعقول إخراج فيلم بدون امرأة، وقد اتفقت الشركة مع آنسة من إحدى عائلات دمشق المعروفة للقيام بالدور الأول النسائي، وقد جاء بها حلاق للنساء اسمه ويع شبير، ومثل المذكور دور المستنطق في الفيلم.
بوشر بتصوير الفيلم أمام كهوف جبل قاسيون وفي غرف دور السكن المفروشة، وكانت عملية تقوية النور داخل الغرف تتم بواسطة عاكسات بيضاء لامعة صنعت محلياً. أما عملية تحميض السلبيات فكانت تجرى بلف الفيلم على اسطوانة خشبية كبيرة صنعت خصيصاً لهذه لهذه الغاية محلياً، وأجريت عملية التركيب على الفيلم السالب وأرسلت المواد بالتتابع إلى شركة اكلير تيراج وشركة (س.ث. م) في فرنسا للطبع.
وتم تصوير الفيلم في 8 أشهر وكان طوله 800 متر، وقد عرض تجربة في سينما الكوزموغراف “أمية فيما بعد” وتم الاتفاق على عرضه في الدار نفسها، ووضعت إعلانات كثيرة وصور كثيرة على الجدران مطبوعة بلونين، وتقدمت الشركة إلى السلطات الفرنسية بطلب الترخيص حسب الأصول وعرض الفيلم أمام موظفي الرقابة الفرنسيين، وبعد ثلاثة أيام فؤجئت الشركة بمنع عرض الفيلم بسبب وجود آنسة قالوا انه لا يجوز ظهورها في الفيلم لأنها مسلمة وغير محترفة، ولأن رجال الدين في المدينة يحتجون على ذلك، ومما يسبب إخلالاً بالأمن العام، ورغم إبراز العقد الموقع منها للعمل في الشركة، ورغم أن سنها تجاوزت الخامسة والعشرين، ورغم الوساطات المختلفة لدى الأشخاص الحاكمين في ذلك الوقت، والمساعي التي بذلت لدى رجال الدين، لم تقبل سلطات الانتداب بعرض الفيلم بحالته الأولى، وطلب إلى أصحابه تغيير المشاهد التي تظهر فيها هذه الآنسة ووضع مشاهد تمثل فيها امرأة محترفة على أن تكون غير مسلمة.
وعادوا يدرسون الوضع من جميع الوجوه، فلم يجدوا من سبيل سوى إعادة تصوير المشاهد التي تظهر فيها الفتاة بعد أن تعاقدوا مع راقصة ألمانية لها إلمام بالتمثيل اسمها” لوفانتيا” تعمل في ملهى “الأولمبيا”، وبدأوا التصوير من جديد وكان طول المشاهد التي أعيد تصويرها 270 متراً. أرسلت بدورها إلى فرنسا لطبع الإيجابيات عنها، وقد أخرت هذه العملية عرض الفليم ستة شهور كاملة. وعندما عرض الفيلم في سينما الكوزموغراف كان الإقبال عليه منقطع النظير، مما اضطر رجال أمن لإقامة سد على مدخل حي البحصة من جهة المرجة لمنع الازدحام، وكانوا يسمحون بدخول الناس بالتتابع، وعندما تمتلئ الصالة بالرواد يشرعون في تفريق الجموع باستعمال العنف أحياناً، وقد عرض الفيلم في معظم المدن السورية بالإضافة إلى بيروت وطرابلس، وكان صامتاً.