You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

شمس الدين العجلاني: الشيخ تاج الدين الحسني و “المضحك المبكي”

 

شمس الدين العجلاني- الأزمنة 21-6-2014

عاش لغزاً ومات لغزاً.!؟ قيل إنه وطني بامتياز، وقيل إنه متعاون مع سلطات الانتداب الفرنسي، وقال فيه أهل الشام ما لم يقله مالك في الخمر.!؟ ومجلة «المضحك المبكي» منذ صدورها عام 1929م لم تترك الشيخ تاج على حاله، فقد تصدّر رسمُه الكاريكاتيري عشرات الأغلفة من «المضحك المبكي»، واحتلت أخباره والانتقادات اللاذعة له عشرات العشرات من صفحات «المضحك المبكي» وكما سبق وتطرّقنا في مقال سابق، فإن المرحوم حبيب كحالة صاحب «المضحك المبكي» كان يستثمر الرسوم الكاريكاتيرية «للحمار» لتوجيه انتقاداته اللاذعة للأحداث التي كانت تمر بها البلاد، ولممارسات بعض رجالات السلطة.
وقد حظي الشيخ تاج بالكم الكبير من هذه الرسوم الكاريكاتيرية على صفحات «المضحك المبكي»، فكانت حياته عرضة للانتقادات اللاذعة تارة، وتارة أخرى فهو الوطني الذي قدّم الكثير للبلد. وحين انتقل الشيخ تاج إلى رحمة الله، كانت وفاته لغزاً، مات في ظروف مرض غامض مفاجئ حار فيه الأطباء، وأثارت الصحافة آنذاك الشكوك من حوله إلى حد القول إنه مات مسموماً. واتجهت أصابع الاتهام نحو بريطانيا.

من هو الشيخ تاج؟
الشيخ تاج الدين الحسني من الشخصيات الدينية والسياسية السورية، تقلَّب في العديد من المناصب إلى أن وصل يوماً ما لمنصب رئيس سورية، هو سوري مراكشي الأصل ولد بدمشق عام1890م. وتوفي فيها عام 1943م، والده الشيخ محمد بدر الدين الحسني، محدث الديار الشامية الأكبر، تقلّد العديد من المناصب، فعُيّن مدرساً للعلوم الدينية في المدرسة السلطانية بدمشق سنة 1912م، ثم عضو مجلس إصلاح المدارس، فعضو المجلس العمومي لولاية سورية، كما تولى تحرير جريدة الشرق عام 1916م، وبعد انتهاء الحكم العثماني، انتخب عضواً في المؤتمر السوري، كما عيّنه الملك فيصل عام 1920م مديراً عاماً للأمور العلمية، ودرّس في معهد الحقوق مادة أصول الفقه والأحوال الشخصية والفرائض والوصايا. عندما احتل الفرنسيون سورية، خرج تاج الدين لوداع الملك فيصل، ثم لمّا دخل الجنرال غورو دمشق دُعي تاج الدين لاستقباله بصفته الرسمية، فامتنع وقال عبارته المشهورة: (من ودّع فيصلاً لا يستقبل غورو)، فأُقصي عن عمله، وبقي شهوراً عدة منزوياً، إلى أن تشكّل وفد لمقابلة الجنرال غورو في أمور تتعلق بمصلحة البلاد، وكان من جملة حديثهم أن بيّنوا له مكانة الشيخ تاج الدين، وأن عزْله عن منصبه لا يليق، فعُيّن حينذاك عضواً في مجلس الشورى، ثم في محكمة التمييز، وبعد ذلك صار قاضياً شرعياً. شكّل الوزارة مرتين الأولى من 1928م إلى عام 1931م، والثانية عام 1934م إلى عام 1936م، وفي 12 أيلول 1941م عهد المندوب العام لفرنسا في الشرق إلى الشيخ تاج الدين بمهمة رئاسة الجمهورية السورية، استمر فيها إلى 17 كانون ثاني عام 1943م حيث توفاه الله.

سياسة الشيخ تاج
قيل إن حياة الشيخ تاج كانت بين المطرقة الفرنسية لحمْله على عقد معاهدة بين سورية وفرنسا، وتنفيذ رغائب الانتداب، والمطرقة البريطانية التي كانت تعمل على تحريض الشيخ تاج لرفض الرغائب الفرنسية وعدم الانصياع لتوقيع أي معاهدة مع فرنسا، إضافة إلى الهيجان الشعبي ضد سياسته من قبل الشارع السوري الذي اتهمه بولائه للمستعمر وأن الفرنسيين المستعمرين كانوا يلجؤون إليه كلما تأزمت أمورهم مع الشخصيات الوطنية ليهدِّئ الأوضاع المتأزمة، لقد أرادت سلطات الانتداب الفرنسي اصطناع زعيم تسيّس من خلاله المجتمع السوري. فرأت بالشيخ تاج رجلاً مناسباً وخاصة أن الشيخ تاج اشتهر بالذكاء والدهاء وحسن التودّد إلى الناس وإلى الحكام، وقيل عنه قد يكون صديقك وصديق عدوك في وقت واحد، لذا كلّفته سلطات الانتداب بتشكيل الوزارة مرتين، كما نصّبه المفوض السامي الفرنسي الجنرال كاترو على سدة الحكم في سورية ومنحه لقب رئيس الجمهورية بموجب كتاب أرسله إليه بتاريخ 12 حزيران 1941 جاء فيه: «أقترح على فخامتكم أن تتسلموا مقدرات سورية متخذين لقب رئيس الجمهورية السورية مع الميزات والواجبات المترتبة على هذا اللقب وأن تؤلفوا بهذه الصفة حكومة الدولة في أسرع ما يمكن من الوقت» وفي اليوم نفسه أرسل الشيخ تاج كتاباً للجنرال كاترو بقبول رئاسة الجمهورية وأصدر أيضاً في اليوم نفسه بياناً إلى الشعب السوري بمناسبة استلامه مهامه الجديدة، بقي على سدة الحكم إلى أن توفاه اللـه عام 1943م. لم ينعم عهده بالاستقرار، وكانت المظاهرات تعمّ البلاد بين الفينة والأخرى وخاصة عندما أصدر المفوض السامي هنري بونسو عفواً عن السجناء السياسيين مستثنياً ما يزيد عن 70 شخصاً من كبار الوطنيين ما جعل الشعب يزداد غضباً، والمظاهرات تعمّ الشوارع، ونعتوا العفو بـ(العفو الأعرج) إشارة إلى العرج المصاب به الشيخ تاج، كما كان لموقفه من الدستور السوري الذي أعدّه الوطنيون عام 1928 ورفضته فرنسا، أثر سيئ لدى الشارع السوري ويقول نجيب الأرمنازي حول موقف الشيخ تاج حين عرض الدستور على الجمعية التأسيسية ووقف سبعة أعضاء موالين للانتداب ضد إقرار هذا الدستور، في محاضرة له على طلبة قسم الدراسات التاريخية عام 1953 (لم يشذ إلا سبعة أعضاء أحدهم رئيس الحكومة الشيخ تاج الدين، الذي اضطر أن يغادر المجلس بعد أن تعرض لحملة عنيفة).

مع المضحك المبكي
اشتهرت الصحف في تلك الأيام بتهكّمها على حكام سورية الموالين للفرنسيين، وأشهر من تعرض لهذا التهكّم من الصحافة والشارع الدمشقي كان الشيخ تاج، وكانت سياساته وأقواله وأفعاله مادة دسمة لهذه الصحف والمجلات وللشارع الدمشقي في آن واحد، ولا يزال يذكر كبار السن من أهالي سورية الصفات التي أُطلقت على الشيخ تاج، (أنا الشيخ تاج عزوني… يا شيخ تاج يا بومة يا بو لفة مبرومة) وكانت مجلة «المضحك المبكي» من أولى المجلات التي تعرضت للشيخ تاج، فلم يخلُ عدد منها دون الإشارة إليه من بعيد أو من قريب من خلال الكلمة أو الرسم الكاريكاتيري واستثمرت أيضاً «المضحك المبكي» رسم الحمار في النقد الموجّه إليه فعلى سبيل المثال:
– حمل غلاف العدد الأول من المجلة رسماً كاريكاتيرياً للشيخ تاج، وفي الصفحات الداخلية هنالك أيضاً رسم له وهو على شرفة السرايا يتحدث إلى عدد من مؤيديه قائلاً: إنني كلما وجدت نفسي فوق أشكركم على جهودكم السابقة نحوي، فيجيبه رئيس بلدية دمشق غالب الزالق: بلا شكر بلا بطيخ لو بنعرف أنك إذا صرت فوق بدنا نبقى تحت كانت حالتنا معك غير حالة.
– غلاف العدد رقم 27 لعام 1929 حمل رسماً كاريكاتيرياً للشيخ تاج مع عدد من وزرائه وهم على أهبة الاستعداد للنوم، والتعليق، يقول: الشيخ تاج لوزرائه: ناموا إخوان حتى نشوف «الأب بونسو» شو بدو يجبلنا هدايا بهل الأعياد.
– غلاف العدد 29 لعام 1930، حمل رسماً كاريكاتيرياً للمفوض السامي الفرنسي «بونسو» راكباً على الحمار، والشيخ تاج والوزراء في استقباله، والتعليق يقول: الشيخ تاج والوزراء: مبارك الآتي باسم الرب.. وباسم فرنسا كمان.
– غلاف العدد 178 لعام 1933 يحمل رسماً كاريكاتيرياً للشيخ تاج يركب على الحمار والتعليق يقول: الشيخ تاج: حا يا حماري.. حا.. تا نشوف إن كنا راح نتوفق بهل سفرة أم لا..
– غلاف العدد 218 لعام 1934 يحمل رسماً كاريكاتيرياً للشيخ تاج يتسلق حائطاً والمفوض السامي يدفعه لتسلق الحائط والتعليق يقول، الكونت دي مارتيل للشيخ تاج: خليك طالع لا تخاف.. أنا ساندك..
– غلاف العدد 314 لعام 1943 يحمل رسمً كاريكاتيرياً للشيخ تاج يركب على الحمار خلف محمد علي العابد والتعليق يقول: محمد علي بك للشيخ تاج: اركب معي قد ما بدك بس ما تمد أيدك عالخرج..

الشيخ تاج الوطني
اتهم الشيخ تاج بالموالاة للانتداب الفرنسي وإنه صنيعة الفرنسيين، ولكن لمّا سُئل فارس الخوري عنه وعن صحة ما كانت تقوله الكتلة الوطنية من أنه صنيعة الفرنسيين وممالئلاً لسياستهم الاستعمارية أجاب بذكائه المعهود: (لم يكن تاج الدين كذلك، ولكنه كان وطنياً سورياً مخلصاً وعاملاً باراً في الحقل العام.. إلا أنه كان يختلف عنّا معشر رجال الكتلة بالاجتهاد، فيقول ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن، ولذا فإنه كان يتظاهر بالتفاني بصداقته للفرنسيين لجلب أكبر نفع لبلاده، ودرء ما يمكنه درؤه من الضرر، إضافة إلى أنه كان عمرانياً كبيراً خلّف آثاراً كثيرة في مختلف أنحاء الوطن السوري ناطقة بفضله) وأيضاً سُئل فارس الخوري عما إذا كان راضياً بدخول شقيقه فائز الخوري في الحكم كوزير للخارجية السورية في عهد الشيخ تاج فأجاب: (طبيعي أنني كنت راضياً وإلا لما كان دخل في الحكم) وقيل أيضاً إن فخري البارودي سئل عن وطنية الشيخ تاج فأجاب بما يتفق وجواب فارس الخوري.

أخيراً
صحافتنا في يوم ما بلغت أعلى المراتب وكانت السلاح الأمضى في تقويم المجتمع والدولة، وحماية الوطن.. نحن نحلم (ولكل منّا أن يحلم) نحلم من المجلس الوطني للإعلام أن يرد إلينا صحافتنا طالما وزارة الإعلام لم تستطع ذلك على مدار عشرات السنين، نريد العودة إلى تلك الأيام، حين كان الناس يتهافتون لقراءة الصحف والمجلات، وكانت سورية تحظى برجال الصحافة الأشداء الذين أسسوا صحافة سورية عربية بامتياز.

رابط المصدر: هنا 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى