You dont have javascript enabled! Please enable it!
سلايد

عمرو الملاّح: سايكس-بيكو.. الاتفاقية التي لم تُنفذ!

 

بقلم عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر

 كلما ذكرت الحدود المصطنعة التي رسمت لأقاليم المشرق العربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى قفزت إلى الذهن في الحال “اتفاقية سايكس – بيكو” المشؤومة وسيئة الصيت. ولكن هل جرى تنفيذ أحكام وبنود الاتفاقية تلك بالفعل؟ وهل الحدود القائمة حالياً بين بلدان الشرق الأدني التي كانت تابعة للدولة العثمانية كانت قد رسمت بموجب هذه المعاهدة حقاَ أم أنها كانت نتيجة تسويات بريطانية – فرنسية شاقة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى؟

كان العام 1916 قد شهد إبرام دول الحلفاء الثلاث، ألا وهي بريطانيا ممثلة بالدبلوماسي السير ماركس سايكس، وفرنسا ممثلة بالدبلوماسي فرانسوا بيكو، وروسيا القيصرية ممثلة بوزير خارجيتها سيرغي سازونوف معاهدة سرية تهدف إلى تقسيم الإمبراطورية العثمانية بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى التي بدأت رحاها في العام 1914.

وقد نصت المعاهدة تلك التي عرفت في البداية باسم “اتفاقية سايكس – بيكو– سازونوف” على إقامة منطقتين تخضع أولاهما للنفوذ الفرنسي وتضم الجزء الأكبر من بلاد الشام وجنوب الأناضول والموصل في العراق، وتخضع ثانيهما لنفوذ بريطانيا وتمتد من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعة شرقاً لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية، بالإضافة إلى منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا بريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الإسكندرونة الذي كان سيقع في دائرة سيطرتها، بينما ضمنت الاتفاقية لروسيا مناطق نفوذ شملت أرمينيا التركية (الجزء الشرقي من تركيا الحالية) بالإضافة إلى مضيقي الدردنيل والبوسفور والعاصمة اسطنبول.

وتضمنت الاتفاقية “شرطاً مصيرياً” نص على تعهد الأطراف الموقعة عليها بالاشتراك في الحرب حتى الانتصار على دول المحور التي كانت تضم إلى جانب ألمانيا حلفتيها النمسا والدولة العثمانية.

والواقع إن تخلي روسيا عن ذلك “الشرط المصيري” أسقط اسم وزير خارجيتها سازونوف من الاتفاقية على إثر اندلاع الثورة البلشفية في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1917، التي أطاحت بالنظام القيصري وأحلت محله النظام الشيوعي، الذي كانت له رؤية مختلفة، فضلاً عن أن الجيش الروسي لم يكن آنذاك في حالة تسمح له بالاستمرار في القتال. وهكذا، ما إن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى كانت روسيا قد اختفت بوصفها قوة عالمية، وسقطت حقوقها في الاتفاقية.

وستكون المنطقة بعد هزيمة جيوش الدولة العثمانية وتوقيعها اتفاقية الهدنة مع الحلفاء في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1918 مسرحاً لصراع طاحن بين كل من فرنسا المتمسكة بما نصت عليه “اتفاقية سايكس – بيكو”، وبريطانيا التي باتت تعتبر أن الاتفاقية لم تعد صالحة في ضوء التحولات التي شهدتها سنوات الحرب، وفي مقدمها خروج روسيا القيصرية منها، بالإضافة إلى استيلاء البريطانيين على شمال العراق واحتلالهم الداخل السوري وأجزاء من تركيا، بما في ذلك اسطنبول ومضيقا البوسفور والدردنيل، بينما كان جوهر الصراع يتمثل بالنفط.

وكادت المنطقة أن تتحول إلى ميدان للمنازلة بين بريطانيا وفرنسا لولا توصل رئيسي وزرائهما البريطاني ديفيد لويد جورج والفرنسي جورج كليمنصو إلى اتفاق عسكري أبرماه في 15 أيلول/ سبتمبر 1919، تضمن تقسيماً للمنطقة على غير ما جاءت به “اتفاقية سايكس بيكو”.

واستنادًا إلى هذه التسوية الفرنسية- البريطانية الشاقة التي وصفها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بـ “اللعبة الكبرى” ستخلي بريطانيا مناطق سوريا الداخلية من جيوشها التي سيحل محلها فيها الجيش الفرنسي، لقاء ضم ولاية الموصل الغنية بالنفط للعراق، وإخضاع فلسطين بأكملها للحكم البريطاني تمهيداً لتنفيذ وعد بلفور بإقامة كيان لليهود الصهاينة على تراب فلسطين.

لم تنل فرنسا ما كانت تطمح إليه من تركة الدولة العثمانية على نحو يمكن القول معه بأن “اتفاقية سايكس – بيكو” المبرمة إبان الحرب العالمية الأولى لم تنفذ أبداً، وإنما نفذت عوضاً عنها “اتفاقية لويد – كليمانصو” التي أملاها الواقع المستجد نتيجة الحرب.  

لقد كانت “اتفاقية لويد – كليمانصو” (1919) وليس “اتفاقية سايكس – بيكو” (1916) كما هو شائع في الحوليات التاريخية السورية هي الأساس الذي استند إليه “مؤتمر سان ريمو” (1920) وما صدر عنه من معاهدات واتفاقيات حددت مصير منطقة الهلال الخصيب التي تضم العراق وسوريا بما فيها لبنان والأردن وفلسطين، وتوزيع الانتدابات حسب مصالح كل من بريطانيا وفرنسا المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى؛ فقسمت سوريا الكبرى إلى أربع كيانات (سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين)، على أن تكون سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والعراق وشرقي الأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، ولكن مع مراعاة وعد بلفور.

مراجع:

Daniel Yergin, The Prize: The Epic Quest for Oil, Money, and Power (New York, 1991);

David Reynolds, Britannia Overruled: British Policy and World Power in the Twentieth Century (New York, 2000).



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

عمرو الملاح

كاتب ومترجم وباحث في التاريخ السوري المعاصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى