ملفات
أحداث وتطورات معركة ميسلون 1920
معركة ميسلون
الخطة والإعداد للمعركة:
اعتمد يوسف العظمة على خطة دفاعية هجومية، ألقاها شفاهاً على الضباط صباح 23 تموز.
وكان قلب قواته متمركزاً على محور الوادي لمنع تقدم الفرنسيين. وكانت مهمة الجناج الأيسر الدفاع ضد الجناح الأيمن الفرنسي، وإذا أمكن، فالالتفاف من ورائه، والهجوم على مركز القيادة الفرنسية، في الخلف في جديدة يابوس.
اقرأ: عدد القوات العربية في معركة ميسلون
أما الجناح الأيمن فلن يعمل شيئاً، لأنه لم يأخذ أماكنه ما بين ميسلون والزبداني حتى انتهت المعركة.
واختبرت أماكن الجيش العربي بدقة شهد بها الضباط الفرنسيون الذين حضروا المعركة. وقال عنها غوابيه: (أن العظمة خصم لا يستهان به، عرف كيف يختار مكان دفاعه وحصنه أحسن تحصين. وكان يعتقد أن المعركة ستكون شديدة)[1].
اقرأ: عدد القوات الفرنسية في معركة ميسلون
اقرأ: المشاركون في معركة ميسلون 1920
تطورات المعركة:
بدأت المعركة في صباح الرابع والعشرين من تموز في ميسلون، وبدأها الفرنسيون بالهجوم بالدبابات والمشاة.
وصمدت القوات الفرنسية، ولم تعقها الألغام، وكان العظمة يعول كثيراً عليها، واقتربت القوات الفرنسية كثيراً من القلب، حتى شاهد أحد رماة الدبابات الفرنسية العظمة وقد لمعت شاراته الصفراء من وهج الشمس، لأنه كان يرتدي لباس المراسم، وهو يهم بالانتقال إلى جانب مدفع لإصلاحه، فأطلق عليه النار وأصابه برأسه وصدره، وسقط قتيلاً، وكان ذلك حوالي العاشرة والنصف[2]. وبذلك انهارت مقاومة القلب بعد انتشار خبرمقتله، أما الجناح الأيسر فقد صمد ولم يتمكن الفرنسيون من دحره، حتى استعملوا الحيلة، وأرسلوا خمسين رجلاً من قرية حلوى المجاورة، وخدعوا ضباط الجناح الأيسر واشتركوا معهم في هجوم على الفرنسيين، وفي منتصف المعركة انسحب هؤلاء إلى خلف الجناح الأيسر، وأصلوه ناراً، وكان الفرنسيون يهاجمونه من الأمام، حتى قضي على مقاومته. وانسحب البقية بعد سماع مقتل يوسف العظمة. لكنهم أعدموا كثيراً من الذين خانوهم بعد الانسحاب من المعركة[3].
وأجهز الفرنسيون على الجرحى بالسلاح الأبيض ويذكر محمد كردعلي أن أحد الضباط السنغاليين، أقسم بالله أن الجنود السود لم يقتلوا عربياً واحداً[4]، بينما يذكر إحسان الهندي أن الجنود السنغاليين قد ذبحوا الجرحى في السلاح الأبيض.
أما الجناح الأيمن فكما ذكرنا لم يشترك بالمعركة، لتأخره ولسطو عصابة (الشماط) من سكان سرغايا قرب الزبداني على أسلحته، مما اضطر جنوده للانسحاب ليلاً بأنفسهم[5].
وفشلت الجهود في إقامة خط دفاعي آخر، لقلة الجنود والمؤن، وعدم وجود تحصينات جاهزة، ولهجوم عصابات الأهالي في المنطقة على الجنود المنسحبين وسلبهم أسلحتهم، وتحليق الطائرات الفرنسية على ارتفاع منخفض منهم، ولهذا تابع الضباط والجنود العرب انسحابهم حتى دمشق[6].
اقرأ – شهداء معركة ميسلون 1920
شخصيات وصفت أو تحدثت عن المعركة:
الجنرال غورو:
أتى وصف قصير لهذه المعركة في كتاب Gouraud على لسانه(أرسل الجنرال غورو الكولونيل “بتيلا” رئيس أركان جيش الشرق، ومعه أمر بالزحف إلى دمشق، لتسليمه إلى الجنرال غوابيه الذي قاد المعركة في ذلك اليوم. وحدثت معركة خطيرة في صبيحة 24 تموز، على طول خان ميسلون، وفي التاسعة والنصف اقتلعنا العدو من مواقعه بالحراب. وانتهت المعركة حوالي الساعة الحادي عشرة، بهروب الجيش الشريفي، وقد ترك على أرض المعركة “15” مدفعاً و “40” رشاشاً، وكميات كبيرة من الذخيرة، وجنرالاً قديماً متخرجاً من أكاديمية كريغ، هو يوسف العظمة بك، الذي مات جندياً بشجاعة في أرض المعركة).
لكن تقرير غورو عن المعركة في اليوم نفسه 24 تموز الساعة 22 الذي أشرنا إليه يذكر أن الفرنسيين وجدوا على أرض المعركة 9 مدافع،و 25 مدافع رشاشاً، وكمية كبيرة من الذخيرة، وعدداً من العربات، ومواد أخرى كثيرة، ووجد يوسف بك العظمة وزير الحرب الشريفي قتيلاً في المعركة.
وذكر غورو في تقريره المذكور أن المعركة حامية دامت ثماني ساعات، وكان استعمال المدفعية يكاد يكون مستحيلاً في الأرض الوعرة، لكن الدبابات والطائرات والرشاشات، قصفت وكأنها في معركة من الحرب العالمية، وكان لها الدور الكبير في النصر، وانتهت المعركة الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، بهزيمة الأعداء الذين خسروا خسارة كبيرة.
د. علي سلطان:
يقول الدكتور علي سلطان إنه من الصعب أن نطلق اسم معركة حقيقية على ما حدث في ميسلون، نظراً للفرق الكبير بين القوتين، فإن يوسف العظمة الذي كان يعلم بالنتيجة مسبقاً، أراد أن لا يدخل الفرنسيون دمشق إلا بقتال مشرف. ومن الصدف أن يكون العظمة هو الضابط الوحيد بين قتلى ميسلون، إذ لم يرد اسم ضابط قتيل آخر، نتيجة المعركة في كل المصادر التي تحدثت عنها[7].
[1] صحيفة ألف باء، دمشق، العدد 9 الصادر في العاشر من أيلول 1920
[2] مقابلة شخصية أجراها د. علي سلطان مع صبحي العمري في عام 1970، وكان أحد ضباط الميسرة وقد روى الضباط والجنود له مقتل العظمة.
[3] الهندي (إحسان)، كفاح الشعب السوري، صـ 159-191.
[4] كردعلي (محمد)، خطط الشام، الجزء الثالث، صـ 181.
[5] السفرجلاني (محي الدين)، فاجعة ميسلون والبطل يوسف العظمة، دمشق 1937،صـ 267- 271، الهندي، كفاح، صـ 171
[6] يذكر السفرجلاني: ( ثم صار أهالي القرى يتعدون على متفرقات الجنود، وكانوا يسلبون الضباط والجنود مالديهم من السلاح والعتاد والدراهم. ومن يتلكأ يقتل بلا شفقة ولا هوادة.. ولعبت عصابة حسين الشماط في الزبداني، دورا آخراً، ضد الجيش العربي، من خلال الاعتداء على الجنود السوريين وسلبهم وقتلهم.. ولعب خائن آخر اسمه أبو داؤود، صاحب حلوى، دوراً قذراً في اتفاقه من الفرنسيين وخداعه للسوريين)، صـ 267.
كما يذكر القاوقجي في مذكراته أن نوري الشعلان خان أيضا الجيش العربي، ولم يرسل رجاله للحرب، كما اتفق مع فيصل، وجهز رجاله لسلب سرية القاوقجي، والجيش العربي بعد انهزامه، مذكرات القاوقجي، صـ 69- 71.
[7] سلطان (علي)، تاريخ سورية 1918- 1920، حكم فيصل بن الحسين، صـ 384
اقرأ التالي: