
د. عزة علي آقبيق – التاريخ السوري المعاصر
أبصر إبراهيم حقي النور عام 1920م في حي القنوات العتيق العريق، هناك كانت طفولته بين أقرانه، حيث العادات الدمشقية الجميلة،
والأخلاق الحميدة، التي ترافقت مع لمسة دينية عميقة، تركت أثراً في حياة أجيال متعاقبة، تجلت من خلال نتاج أجيال بأكملها.
غادر إبراهيم حقي دمشق طفلاً إلى حلب لانتقال والده للعمل فيها، إذ حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة الفيوضات بمحلة الفرافرة في حلب، ولتعود العائلة إلى دمشق، إذ انتسب إلى مكتب عنبر، وفيما بعد انضم إلى رعيل مدرسة جودت الهاشمي، ليحصل على شهادة البكلوريا بفرعيها العلمي والفلسفة باللغة الفرنسية، كان متفوقاً بل أعطت دمشق في تلك الفترة جيلاً كاملاً من المتفوقين، وهذا مادل عليه، نتاج خريجي مكتب عنبر وتجهيز جودت الهاشمي فيما بعد. ليلتحق في المعهد الطبي العربي، في دمشق، وكان من أساتذته، حسني سبح، مرشد الخاطر، منيف العائدي، منير شورى، بشير العظمة، شوكت القنواتي، عزت مريدن، أنسطاس شاهين، توفيق المنجد.
ليقول: بعد التخرج تابعت دراستي في جامعة دمشق، ونظراً لتفوقي عينت معيداً في الجامعة، وعملت في قسم التوليد، بعد أن رشحني الدكتور «شوكت القنواتي» لأكون مساعداً له في قسم التوليد، بعد أن أقنعني أن التوليد ما هو إلا فرع من فروع الجراحة العامة، ومع انتهاء مدة التخصص، غادرت دمشق مبتعثاً إلى باريس، وهناك، تتلمذت على أيدي كبار أساتذة التوليد، ذوي الشهرة العالمية، وكان نصيبي من خبرتهم العالمية وافراً لأنهي دراستي متفوقاً وأعود بكل ماهو جديد إلى أرض الوطن.
ليقول: كنت مهتماً، بكل دقائق الأمور، سخرت نفسي لتطور بلدي، في مجالي الطب والثقافة، أوليت العمل بتطوير العلم جانباً مهماً من حياتي، أجل سخرت طاقتي في خدمة جامعتي التي أوفدتني، من خلال العمل على تخريج دفعات من الطلاب المتميزين في مجالي.
أحببت الأدب فاستطعت الجمع بين مهنة الطب والعلوم الإنسانية من خلال حبي للكتابة التي كانت هوايتي منذ الصغر، فرحلتي معها بدأت حين كنت طالباً في مدرسة «مكتب عنبر»، وكانت البداية في الصف الثامن من خلال مشاركاتي بمجلة «سمير» الموجهة للتلاميذ، ثم تابعت الكتابة وأنا طالب في كلية الطب في جريدة «الاستقلال العربي» التي خصصت صفحة سميت «صوت الجامعة» وكان يكتب فيها طلاب كليتي الطب والحقوق، أما التفرغ بشكل كلي للكتابة فلم يتحقق إلا بعد اعتزالي الطب، إذ أصبحت اللغة العربية المعنية والمقصودة في كتاباتي.فما أحوج لغتنا العربية لجهود المخلصين والعاشقين لها للارتقاء بها لأنها تعبّر عن هويتنا وشخصيتنا والتي من دونها لا ملامح لنا.
يتابع د«حقي»: لدي العديد من المؤلفات الطبية منها: «أمراض النساء» 3 أجزاء، «فن التوليد» بمشاركة من الدكتور صادق فرعون، «كتاب تشريح الجهاز التناسلي عند المرأة»، «معجم مصطلحات التوليد وأمراض النساء»، بثلاث لغات مع شرح المفردات، لم يكن تأليفه بهدف الربح، إنما لنشر المعرفة الطبية في العربية والفرنسية والإنكليزية.ومن كتب د. ابراهيم حقي الأدبية؛ سلسلة من ثلاثة كتب تحت عنوان «أدركوا الدعائم»، وقد ركز في الكتابة على مواضيع ثلاثة: اللغة, الأخلاق, القوة، لاعتقاده بأنها دعائم الأمم كلها، وعلى الرغم من أن العنوان العام لهذه الكتب جاء بصيغة الأمر لكنه يتضمن الرجاء أكثر، ومن المؤلفات أيضاً «هذا هو الإسلام فأين المسلمون».وبالنسبة لإصداراته الجديدة، فسينهي قريباً «تطور دمشق خلال الثمانين سنة الماضية بكل المجالات العمرانية والثقافية»، لمعايشته تلك العقود.
ومن آراء زملائه فيه رأي للدكتور«صادق فرعون» يقول فيه: كان الدكتور «حقي» ثالث طبيب بعد الأطباء «قنواتي، وبرمدا»، في مستشفى التوليد الجامعي في دمشق، هو إنسان علمي خلوق، معاملته للزملاء والمرضى مثالية، مثقف ليس في مادة الطب وإنما في المواد العامة، مارس الطب خلال ستة عقود ممارسة أخلاقية، اشتركت معه بتأليف كتاب «التوليد»، خدم مهنته أكثر مما خدمته.
أما الأستاذ المهندس خليل الفرا فيقول: عقله واع لمحيطه دائماً، اتسم بأخلاقه الطيبة وحرصه على مصلحة بلده، عملنا معاً في إنشاء دار التوليد، وتجهيزه، وكان خير مثال للمواطن الناجح، أحب مرضاه وتجاوب مع آلامهم وهمومهم. تقاعد د. حقي طوعاً، من مهنة الطب، ليشرع في التخطيط لمجموعة مؤلفات أغنت المكتبة العربية وعبرت عن أخلاقية رفيعة المستوى، تضمنت كثيراً من الأمور الإنسانية والأخلاقية.
الطبيب والكاتب «إبراهيم حقي» أستاذ وعميد كلية الطب في جامعة دمشق1970-1973، نقيب أطباء دمشق1970-1974، رئيس الجمعية السورية للمولدين خلال ست سنوات والتي أسست عام 1980، وكان للدكتور صادق فرعون الفضل في تأسيسها-، رئيس الرابطة العربية لجمعيات اختصاص التوليد وأمراض النساء، أحد مؤسسي المجلس العربي للاختصاصات الطبية ( البورد العربي ) الذي أسس عام 1980، أول رئيس لقسم التوليد وأمراض النساء، عضو الجمعية الفرنسية للخصوبة. رئيس الموسوعة الطبية لعام2011التي أسست عام 2008.طبيب استشاري وشريك في مشفى دار الشفاء في دمشق.
للدكتور حقي مشاركات قيمة في الموسوعة العربية، إضافة إلى حضوره الندوات والمؤتمرات الطبية، مع سيل وافر من البحوث المقدمة في محافل علمية لا تحصى، وأخرى مطبوعة في جرائد ومجلات طبية متخصصة.
أرشيف الدكتورة د. عزة علي آقبيق
