محافظة حلبمقالات
عمرو الملاّح : مبنى بلدية حلب التاريخي
عمرو الملاح – التاريخ السوري المعاصر
كانت الأرض التي أقيم عليها (مبنى بلدية حلب التاريخي) تعرف باسم “جنينة الويسي” نسبة إلى محمد ويس باشا قرقلار، الذي كان يتصرف بها، و تقع في محلة شاهين بك بجوار تكية قرق لار وتجاه باب السرايا القديمة وشمال البرج الشمالي لسفح القلعة، وعائدة لوقف آل يكن وجارية في استحكار محمد ويس باشا قرقلار (1823-1887) وورثته من بعده، وتبلغ مساحتها 3672 ذراع ونصف ذراع تجاري (الذراع العادى يعادل 69.8 سنتيمتراً).
وقد وقع الاختيار على هذه الأرض في العام 1906 لكي تقام عليها دار البلدية في عهد الوالي العثماني محمد ناظم باشا، بينما كان مرعي باشا الملاح يتولى رئاسة بلدية حلب. ووفقاً لما أوردته محفوظات المحكمة الشرعية بحلب (سجل: 507 / 1، ص 38، الوثيقة: 9، تا: 11 شعبان 1324هـ/ 30 أيلول 1906م) فقد ابتاعت بلدية حلب ممثلة بشخص رئيسها مرعي باشا الملاح هذه الأرض من ورثة ويس باشا يمثلهم ولده نشأت بك في العام 1906 بمبلغ 75.5 قرش للذراع (الليرة الذهبية العثمانية تعادل 127 قرش صاغ). وبما أنها كانت وقفاً في الأصل فقد جرت آنذاك مصالحة عليها بين ورثة ويس باشا المتصرفين بها وأحمد عارف آغا ابن طاهر آغا يكن المتولي على أوقاف عثمان باشا الدوركلي.
ولقد شرعت البلدية بتشييد دار جديدة لها على هذه الأرض كما شقت شارعاً أمامها. وتتابع البناء حتى العام 1907 حينما انتهى بناء الطبقة الأولى من هذا البناء.
وقد شيد هذا المبنى على طراز العمارة الأوروبية المحضة بتأثيرات فرنسية، وتتمييز واجهاته بنقوش وزخارف جميلة. وجرت توسعة المبنى في العام 1344 هـ/ 1925 م الموافق لتاريخ إشغال مرعي باشا الملاح منصب (والي حلب)، بينما كان غالب بك إبراهيم باشا رئيساً للبلدية، كما تبين الكتابة على اللوحة المرمرية أعلى واجهة البناء، وذلك بإضافة طبقة ثانية مشابهة لطبقته الأصلية من حيث الكتلة العامة والزخارف والفراغات، وأقيمت أيضاً غرفة على سطح المبنى تحتوي على ساعة قديمة.
شغلت المبنى في الآونة الأخيرة إدارة الهجرة والجوازات، لكنه ما لبث أن أخلي تمهيداً لعرضه للاستثمار السياحي.
ومما يؤسف له أن هذه الآبدة التاريخية قد لحق بها تدمير منهجي ومنظم جراء الأحداث الأليمة التي تشهدها مدينتنا الحبيبة حلب.
تعريفات:
(*) محمد ويس باشا قرقلار: وفقاً لما أوردته محفوظات الأرشيف العثماني في استانبول فإنه سليل أحد بيوتات المجد والشرف (خاندان) المشهورة في حلب، وابن الشيخ الحاج عمر أفندي. من مواليد حلب في العام 1823، وتوفي فيها في العام 1887. وقد شغل العديد من المناصب العالية في الإدارة العثمانية كان آخرها تعيينه متصرفاً لحمص (الوثيقة BEO, 29/Z /1238 (Hicrî), 1/284/DH.SAİDd).
(*) عثمان باشا الدوركي الأصل، الحلبي المولد والنشأة: ترقى في العديد من الولايات والمناصب والرتب. وانتهت به الحال في ولاية جدة ومشيخة الحرم المكي، فأقام في مكة حتى أدركته الوفاة سنة 1160هــ/ 1747م ودفن فيها. وهو باني جامع العثمانية أحد الجوامع الأثرية في حلب، ويقع في حي باب النصر أحد أعرق أحياء حلب، ويوجد في الجامع مدرسة كبيرة لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم. ويظهر أن نسله انقطع فتولى عقب أبناء أخته راضية خانم وزوجها مصطفى آغا إدارة أوقافه بحلب، فلقبوا بآل يكن التي تعني بالتركية العثمانية ابن الأخت؛ وذلك في إشارة إلى أنهم أبناء أخته.
(*) محمد ناظم باشا: من رجال الإدارة العثمانية البارزين، ولد في حي أسكدار الواقع على الضفة الشرقية للبوسفور بمدينة استانبول في العام 1848، وتدرج في مناصب الدولة العثمانية من مكتوبجي إلى متصرف فوالي، متنقلاً بين العديد من المدن والولايات. عمل على التوالي والياً في كل من ديار بكر (1903-1905)؛ حلب (1905-1908)؛ قونية (1908-1909)؛ سيواس (1910-1912) وأخيراً سالونيك في العام 1912. عرفت عنه نزعته الصوفية وانتماؤه إلى الطريقة المولوية. وكان شاعراً مجيداً باللغتين التركية العثمانية والفارسية. وهو جد الأديب الكبير ناظم حكمت (1902-1963) الذي يعد أعظم الشعراء في تاريخ الأدب التركي الحديث. توفي محمد ناظم باشا في استانبول في العام 1926.
(*) مرعي باشا الملاح (1853-1930): هو رجل دولة سوري مخضرم، حمل شهادة في الحقوق بعد اجتيازه الامتحان المسلكي لدى نظارة العدلية بالآستانة، وتقلب في مناصب الدولة العثمانية حتى أصبح عضواً في مجلس المبعوثان (1908)، وولي حلب بالوكالة قبيل انسحاب العثمانيين من البلاد. وفي العهد الفيصلي تولى الرئاسة الثانية للمؤتمر السوري (1919). وفي عهد الانتداب الفرنسي أسند إليه منصب حاكم دولة حلب (1924). أخيراً، سمي والياً على حلب (1925) بدرجة وزير على أثر إعلان (دولة سوريا) من اندماج دولتي دمشق وحلب. ومن خلال عمله رئيساً لبلدية حلب خلال الفترة (1899-1900/ 1906-1908)، وتوليه بعدئذ حاكمية دولة حلب (1924)، فولايتها (1925-1926) استطاع الملاح باشا أن يخرج حلب من داخل أسوارها القديمة لتشهد نهضتها العمرانية في الربع الأول من القرن العشرين على يديه. عرف عنه عنايته بالعلم والأدب، وجمع مكتبة قيمة أوقفها في حياته على المدرسة الخسروية والمكتبة الوقفية في حلب. وكان من مؤازري المجمع العلمي العربي بدمشق في طور تأسيسه. أحيا المدرسة الخسروية الشرعية، وله الفضل في تأسيس كل من جمعية العاديات ودار كتب الأوقاف الإسلامية بحلب.
اقرأ :