You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

عمرو الملاّح : حلب بين الأمس القريب واليوم

عمرو الملاح – التاريخ السوري المعاصر

قبل مائة عام من الآن عاشت حلب أوقاتاً عصيبة بينما كانت طلائع الجيش العربي توالي تقدمها من مدينة حماة وتستعد لدخول حلب؛ فتنادى وجهاؤها وعلماؤها إلى عقد اجتماع في دار الحكومة (السرايا القديمة) في 24 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1918، وذلك تلبية منهم لدعوة وجهها الوالي العثماني مصطفى عبد الخالق بك رندا الذي أخبرهم عزم حكومته الانسحاب من حلب.

وبعد التشاور اتفقوا فيما بينهم على تشكيل مجلس محلي ضم في عضويته عشرة من رجالات المدينة ليكون بمثابة حكومة مؤقتة، وعلى أن يتولى رئاسته مرعي باشا الملاح الذي سمي والياً على حلب بالوكالة، وعُرف من أعضائه أيضاً الأديب قسطاكي الحمصي.

وقد أنيطت بهذا المجلس الذي أطلقت عليه تسمية “مجلس العشرة” مهمة تصريف الأعمال، والحيلولة دون حصول فراغ سياسي يُدخل المدينة في حالة من الفوضى، وفقدان السلطة، وانعدام الأمن.

وشرع مرعي باشا الملاح من موقعه رئيساً للحكومة الانتقالية في تشكيل قوة عسكرية محلية تحفظ الأمن وتصون المواقع الحيوية في المدينة، عهد بقيادتها إلى القائمقام (عقيد) باكير صدقي بك النعال وهو ضابط متقاعد من وجوه حي السفاحية.

وحظيت جهود الحكومة الانتقالية الرامية إلى تأسيس القوة العسكرية تلك بمؤازرة عدد من زعماء الأحياء، ومن بينهم الحاج أحمد آغا المصري المعروف بأبي كدرو زعيم حي القصيلة، وعبد الفتاح البيطار، ومحمود آغا البري زعيما حي باب النيرب، وعبد الرحمن آغا الرحماني زعيم حي التونبغا- ساحة الملح، وكنجو الحمادة أبو الكنج زعيم حي محمد بك، الذين جهزوا قوة قوامها 680 رجلاً ساهم الحاج أحمد آغا المصري بالقسط الأكبر في تمويلها جنباً إلى جنب مع الحاج شاهين ختام الذي كان ماهراً في تدبر جمع الأموال من التجار.

وإدراكاً منه لمدى خطورة الوضع ومقدار التحدي وحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه في هذه المرحلة الانتقالية المضطربة من تاريخ حلب التي أعقبت خروج الترك (العثمانيين)، أخذ مرعي باشا الملاح يتفقد بنفسه، وهو الشيخ المسن، أحياء المدينة وأسواقها، وبرفقته أعوانه المخلصين؛ فكانوا جميعاً العين اليقظة الساهرة على أمن المدينة وأمان مواطنيها، وبسطوا الأمن والطمأنينة على الأرواح والأعراض والأموال والممتلكات العامة والخاصة.

وما زال آل مظلوميان أصحاب فندق بارون الشهير يذكرون كيف استنجد كبيرهم (آرمين) بالوجيه الحلبي المتنفذ مرعي باشا الملاح حينما علم أن جمهرة من الناس كانت متجهة نحو فندقه بقصد إضرام النار فيه وتدميره، ظناً منها أنه ما زال مقراً للقيادة العسكرية التركية وإقامة قائد الجيش العثماني بحلب مصطفى كمال باشا، الذي كان قد تعرض قبل بضعة أيام في الفندق ذاته لمحاولة اغتيال بقنبلة يدوية باءت بالفشل.

فما كان من مرعي باشا الملاح إلا أن سارع في الاستجابة له، وجاء مع أعوانه واستطاع أن يفرق المهاجمين لدى وصولهم إلى محيط الفندق بعدما أفهمهم أن الفندق أصبح بعهدة الأمير فيصل وجيشه العربي. ولولا ذلك لتحول الفندق إلى ركام، وخسرت حلب معلماً معمارياً وسياحياً بارزاً تفاخر به إلى يومنا هذا.

لقد كان ذلك عهداً، كان فيه لأعيان البلد سطوتهم وكلمتهم المسموعة التي يستتب بسببها الأمن ويشيع الأمان.

تلكم هي حلب مرعي باشا الملاح، وإبراهيم هنانو، والدكتور حسن فؤاد إبراهيم باشا، والدكتور عبدالرحمن الكيالي، وسعد الله الجابري، ورشدي الكيخيا، وناظم القدسي.

وأما في يومنا هذا فقد باتت حلب مرتعاً لشذاذ الآفاق، و”الشبيحة”، والقتلة، والمجرمين، واللصوص، وتجار الأزمات.

لقد دفعت حلب ثمن تهميش نخبتها التاريخية برموزها السياسية، والفكرية، والثقافية، والاقتصادية وإقصائها طوال العقود الستة المنصرمة.

***********

(*) يعرب الباحث عن امتنانه وتقديره للدكتور حسين المصري Hussein Masri (حفيد الحاج أحمد آغا المصري) الذي تفضل مشكوراً بتزويده بالكثير من المعلومات المستقاة من أوراق والده وجده وذكرياتهما.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

عمرو الملاح

كاتب ومترجم وباحث في التاريخ السوري المعاصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى